عزت مصادر عراقية مطلعة في العاصمة بغداد الزيارات الأخيرة المتكررة لقيادات بارزة في الحرس الثوري الإيراني إلى العراق، وعقدهم لقاءات مع زعماء فصائل مسلحة وقيادات سياسية وحكومية، إلى ما قالت إنها تتعلق بطريقة إدارة قائد "فيلق القدس"، الجنرال إسماعيل قاآني، للملفات العراقية، وإخفاقه طوال الأشهر الماضية في ملء الفراغ الذي خلفه سلفه قاسم سليماني، الذي قتل في غارة أميركية مع نائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" السابق، أبو مهدي المهندس، قرب مطار بغداد في 3 يناير/كانون الثاني 2020.
وشهدت بغداد في السادس من شهر يوليو/تموز الحالي، زيارة لمسؤول الاستخبارات في "الحرس الثوري"، حسين طائب، وهي الزيارة الأولى له للعراق، لعقد اجتماعات مع قادة فصائل مسلحة حليفة لطهران. واستغرقت زيارة طائب يومين، أعقبها تصاعد كبير في معدل الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة على المصالح الأميركية، فقد استهدفت هذه الهجمات مقرات عسكرية في أربيل والمنطقة الخضراء ومطار بغداد وقاعدة "عين الأسد"، عدا عن هجمات أخرى بمناطق شمال شرقي سورية استهدفت وحدات أميركية عاملة ضمن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن. وفي الرابع عشر من الشهر الحالي، زار بغداد وزير الاستخبارات الإيراني محمود علوي، وعقد اجتماعات مع الشخصيات الرسمية الحكومية، إضافة إلى جهات سياسية ومسلحة مقربة من طهران.
قاآني لم يعد يشرف بمفرده على الملفين العراقي والسوري على غرار سلفه قاسم سليماني
كذلك، أكدت مصادر متطابقة في بغداد، مقربة من فصائل "الحشد الشعبي"، لـ"العربي الجديد"، حدوث زيارة غير معلنة أجراها جنرال بالحرس الثوري الإيراني في الثامن عشر من الشهر الحالي، استمرت يوماً واحداً، التقى خلالها الزائر بعدد من زعماء الفصائل المسلحة في منزل بحي الجادرية ببغداد.
في السياق، قال سياسي عراقي بارز مقرب من "الحشد الشعبي"، في حديث مع "العربي الجديد"، أمس الخميس، إن زيارات قادة الصف الأول في الحرس الثوري إلى العراق، تعود لـ"إخفاق الجنرال إسماعيل قاآني (63 عاماً) في السيطرة على ملف الفصائل العراقية، وحسم الخلافات الداخلية بين عدد من القيادات فيها، وإدارتها بطريقة واحدة". وأكد المتحدث نفسه أنّ "قاآني لم يعد يشرف بمفرده على الملفين العراقي والسوري على غرار سلفه قاسم سليماني، وقد يكون من المعتاد مستقبلاً، أخبار وصول قيادات الحرس الثوري المختلفة إلى العراق".
وأضاف السياسي العراقي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "قاآني يواجه اللوم بشأن تعويم فصائل على حساب أخرى في العراق، ما تسبب بمشاكل بين قيادات مسلحة عدة، فضلاً عن عجزه في حل بعض الخلافات داخل الحشد الشعبي، إضافة إلى أن هناك عدم التزام بتوجيهاته من قبل أجنحة مسلحة محددة، ولا سيما في ما يتعلق بتصعيدها ضد حكومة مصطفى الكاظمي ومحاولة تهديدها، وهو ما تعارضه إيران بشدة". ولفت إلى أنّ التصعيد الأخير الذي شهده العراق في النصف الأول من الشهر الحالي ضد المصالح الأميركية "كان بطلب من قيادات الحرس الثوري التي زارت العراق، وليس من قاآني، وتحديداً من الجنرال حسين طائب والقيادات التي وصلت معه إلى بغداد في السادس من هذا الشهر".
عجز قاآني عن حل بعض الخلافات داخل الحشد الشعبي
من جهته، تحدث مصدر عراقي مطلع آخر، عمّا وصفه بـ"إخفاق قاآني في الشق السياسي المتعلق بتوافقات الكتل السياسية الشيعية الرئيسة للدخول إلى الانتخابات المبكرة المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وإيجاد تسويات للخلافات الحالية بينها". ولفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "إجراء الكاظمي تغييرات مهمة في الهيكل الأمني والعسكري خلال الأشهر الماضية من هذا العام، والتي أقصى بموجبها شخصيات محسوبة على إيران، هو أمر لم يكن ليحصل بوجود قاسم سليماني، الذي كان يتدخل بأصغر التفاصيل". ومن بين الذين تم إبعادهم من قبل الكاظمي، أبو علي البصري المدير العام لوكالة الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية، إلى جانب قيادات أمنية وعسكرية بارزة جرت الإطاحة بها على دفعات منذ التفجير الانتحاري المزدوج الذي وقع في منطقة الباب الشرقي ببغداد في 21 يناير الماضي، وراح ضحيته عشرات العراقيين.
وكشف المصدر أنّ زيارات قادة الحرس الثوري إلى بغداد "كان هدفها الضغط على الكاظمي لتحقيق تقدّم بملف إخراج القوات الأميركية من العراق، على الرغم من الزيارات العديدة للجنرال قاآني في هذا الإطار، والتي التقى في إحداها بالكاظمي، ما يؤشر إلى ضعف الثقة في طهران بأدائه". ولم يستبعد المتحدث أن تتصدر أسماء أخرى إلى جانب قاآني، في الساحة العراقية في الفترة المقبلة.
في الإطار ذاته، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي، علي البيدر، إن قاآني "لم يتمكن طوال الفترة الماضية من أخذ دور سليماني". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "غياب أبو مهدي المهندس أيضاً عن الساحة العراقية، واختيار أبو فدك المحمداوي (الملقّب بالخال)، كبديل عنه، زاد كذلك من مشكلة القيادة المركزية لهذه الفصائل. ولهذا نجد حالة من التمرد والانقسامات داخل هيئة الحشد والفصائل المسلحة بصورة عامة".
سياسي عراقي: التصعيد الأخير ضد المصالح الأميركية كان بطلب من قيادات الحرس الثوري التي زارت العراق
وأوضح البدير أن "هذا الأمر دفع إيران إلى اللجوء إلى خيارات متعددة من أجل السيطرة على الفصائل العراقية وحتى بعض الجهات السياسية، من خلال قيادات مؤثرة في الحرس الثوري الإيراني، خصوصاً أن الزيارات الأخيرة تدل على ذلك، وغير مستبعد أن تشهد الأيام المقبلة زيارات جديدة لمسؤولين آخرين مؤثرين في الحرس الثوري لبغداد، من أجل منع حالات التمرد لبعض الفصائل".
من جهته، وصف السياسي العراقي، ناجح الميزان، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، زيارات الجنرالات الإيرانيين إلى العراق، بأنها "محاولة لاستعادة السيطرة على كامل المشهد الذي كان يمسك به سليماني"، مضيفاً أنّ "بعض الجماعات المسلحة في العراق باتت تشكل عبئاً على إيران، بسبب عدم الالتزام بتوصياتها، وقد تتسبب لها بمشاكل خارج السقف مع المجتمع الدولي، ومن المرجح أن يتم تفكيكها مستقبلاً". وتابع أنّ المعلومات المتوفرة تشير إلى أنّ زيارات قادة الحرس الثوري إلى بغداد "جرى خلالها إيصال رسائل تهديد لتلك الجهات بشأن ضرورة الالتزام بالتوجيهات، ولهذا نلمس الآن شيئاً من ضبط الإيقاع من قبل بعض الفصائل خاصة مع حكومة الكاظمي".