لم تحمل طائرات البوندسفير التي حلقت من طشقند الأوزبكية إلى ألمانيا، أغلبية الموظفين المحليين الأفغانيين الذين عملوا لصالح برلين والبوندسفير في أفغانستان، إلى جانب الصحافيين والنشطاء الحقوقيين وغيرهم ممن يحتاجون إلى الحماية، كما وعدت المستشارة أنجيلا ميركل فقط؛ بل إنها حملت أيضاً أولئك الذين يتمتعون ببنية جسدية قوية ومن كانوا مستعدين لاستخدام العنف ضد غيرهم كأفضل فرصة للوصول إلى الطائرة، بما في ذلك مجموعة من أخطر المجرمين والأشخاص الذين سبق أن تم ترحيلهم من ألمانيا بالفعل، بل إن بعض التقارير كشفت أن هناك أكثر من 200 شخص وصلوا من دون أوراق ثبوتية. في حين ذكرت وكالة الأنباء الألمانية أنه إلى جانب من تم إجلاؤهم؛ وصل عدة أشخاص، أسماؤهم معروفة بالفعل من قبل مكتب مكافحة الإرهاب المشترك على المستوى الفيدرالي والولايات.
هذه الطريقة في عمليات الإجلاء، والتي شملت قرابة 20 حالة معروفة من السلطات الأمنية، أثارت جدلاً واسعاً، حيث وُجهت اتهامات للحكومة الاتحادية ووزير الداخلية هورست زيهوفر حول هذا التقصير، وعلى قاعدة أنه كان يجب على الأقل التحقق من هؤلاء الأشخاص وفحصهم قبل نقلهم، وذلك بعدما قال الأخير، إن أفغاناً معروفين للشرطة جاؤوا إلى البلاد عبر الجسر الجوي من كابول. والجمعة، ذكر الوزير أن هؤلاء ربما فروا بشكل غير قانوني بسبب حالة الطوارئ هناك.
وفي خضم ما تقدم، واعتراف الحكومة الألمانية بسوء تقدير الوضع في الدولة المتأزمة في آسيا الوسطى؛ طرحت صحيفة "بيلد" عدة تساؤلات في هذا الإطار، ومن بينها: ما العمل مع أولئك الذين تم ترحيلهم سابقاً من البلاد وفق القانون الجزائي، بعد أن كانوا قد ارتكبوا جرائم جنائية، وبينهم مغتصبون مدانون؟ وهل يجب أن يتمكن هؤلاء من التنقّل الآن وبحرية، حتى يتم ترحيلهم مرة أخرى في يوم من الأيام؟ وهل يتعين على الدولة أن تضمن بأثر رجعي عدم إطلاق سراح الأشخاص الخطرين؛ لأن ثمة أناسا منهم لم يتبقَ لهم إلا عدة أشهر لإنهاء مدة محكوميتهم، ولم يعد بالإمكان إعادتهم إلى أفغانستان بعد أن تم وقف الترحيل؟
وعرضت الصحيفة أرقاماً وملفات تظهر مدى ضآلة عدد من تم إجلاؤهم من كابول، مقارنة بالوعود التي قطعتها الحكومة الفيدرالية، وبينت أنه وصل حوالي 5 آلاف شخص من أفغانستان إلى المطارات الألمانية، منهم 168 موظفاً محلياً فقط، و469 مواطناً ألمانياً، إلى جانب 257 آخرين تمكنوا من دخول ألمانيا دون أوراق ثبوتية.
وحول بعض القضايا الإشكالية وعدم وجود مراجعات كافية لملفات من تم إجلاؤهم؛ انتقد وزير الداخلية زيهوفر بشدة حقيقة عدم وجود مراجعة. أما سكرتير الدولة في وزارة الداخلية شتيفان ماير فقال لـ"بيلد" إنه في المستقبل يجب أن يلعب الجانب الأمني دوراً أكبر، عندما يدخل الأفغان مرة أخرى للبلاد، وذلك من خلال إجراء الفحوصات الأمنية قبل الدخول، من أجل منع المجرمين الأشد خطورة، والذين تم ترحيلهم سابقاً ويمثلون خطراً أمنياً كبيراً، من القدوم إلى البلاد مجدداً.
وكانت صحيفة "دي تسايت" قد ذكرت يوم الأحد، أنه وفق استطلاع معهد أبحاث الرأي "يوغوف"؛ فإن غالبية الألمان وجدوا أنه يجب على وزير الخارجية الاشتراكي هايكو ماس أن يتحمل مسؤولية المهمة الأفغانية الفاشلة، وأيّد 24% من المستطلعة آراؤهم استقالته الفورية من المنصب، فيما أشار آخرون إلى أنه ينبغي ألا ينضم ماس إلى أية حكومة اتحادية جديدة. في المقابل، اعتبر 38% منهم أن خمسة وزراء من الحكومة الاتحادية يتحملون قدرا من المسؤولية عن الانتكاسة في أفغانستان، والإضافة إلى ماس ثمّة كل من المستشارة أنجيلا ميركل ووزير الداخلية ووزيرة الدفاع أنغريت كرامب كارنبور ووزير التنمية غيرد مولر.
ويأتي ذلك وسط انتقادات لضعف التعاون بين وزارة الخارجية والداخلية والدفاع، حتى أن رئيس حكومة ولاية بافاريا ماركوس سودر طالب بعدم إشراك ماس في الحكومات مستقبلاً، في حين دعا رئيس الحزب الليبرالي الحر كريستيان ليندنر إلى إنزال عقوبات بالمسؤولين عن سوء تقييم الوضع الأمني في مناطق الأزمات.