بعد أشهر من التهكنات والتوقعات التزم فيها صمتا يشبه دعاية انتخابية بحد ذاته جلب له الانتباه والاهتمام، حسم رئيس السلطة القضائية الإيرانية إبراهيم رئيسي أمره ليقدم، اليوم السبت، في آخر أيام تقديم الترشيحات، أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية الـ13 المقررة يوم 18 يونيو/حزيران.
ويحمل ترشيح رئيسي نفسه للانتخابات الرئاسية أهمية كبيرة، ليس فقط لأنه من المرشحين الأوفر حظا ليصبح الرئيس الإيراني الثامن، إن لم يكن الأوفر حظا منهم جميعا حتى اللحظة، بل لأنه أيضا من المرشحين المحتملين لخلافة المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، وخاصة أن الأخير تجاوز عتبة 82 عاما في العمر، وبما أن رؤساء الجمهورية في إيران عادة يتم اختيارهم لدورتين متتاليتين، كل منها أربع سنوات، فيبقى احتمال تغيير رأس هرم السلطة فيها قائما خلال السنوات الثمانية المقبلة.
إبراهيم رئيسي رجل دين محافظ، ولد في مدينة مشهد شرقي إيران عام 1960، ودرس في الحوزة العلمية في مشهد، قبل مواصلة دراسته الدينية لاحقا في مدينة قم، العاصمة الدينية للثورة الإسلامية الإيرانية، والتي تخرج منها ودرّس فيها كبار قادتها، في مقدمتهم آية الله روح الله الموسوي الخميني، مؤسس الثورة.
ومن رجال الدين الذين درس عندهم رئيسي المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، فضلا عن أنه يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة شهيد مطهري بالعاصمة الإيرانية طهران.
كان رئيسي إبان انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 في التاسعة عشرة من عمره، ولذلك لا يعتبر من قادتها، وتشير التقارير الإعلامية إلى مشاركته في الاحتجاجات والمسيرات المناهضة للنظام البهلوي السابق إلى جانب زملائه في الحوزات العلمية الإيرانية.
رئيسي متزوج من بنت رجل الدين الإيراني أحمد علم الهدى، المعروف بمواقفه المتشددة في السياستين الداخلية والخارجية، والذي يمثل الولي الفقيه في محافظة خراسان الرضوية، فضلا عن عضوية علم الهدى بمجلس خبراء القيادة المخوّل تعيين وعزل المرشد.
لم يسبق أن تولى المرشح الأوفر حظاً للفوز بالرئاسة منصبا سياسيا أو تنفيذيا في السلطة التنفيذية، وهو يتملك بالأساس خبرة قانونية وقضائية، وتدرج في السلك القضائي بعد أن انضم إلى الجهاز القضائي الإيراني بعد عام على انتصار الثورة في 1981، ليصبح في العشرين من عمره مدعيا عاما لمدينة كرج القريبة من العاصمة، من ثم تولى المنصب ذاته في مدينة همدان غربي البلاد.
لم يسبق أن تولى رئيسي منصبا سياسيا أو تنفيذيا بالسلطة التنفيذية
انتقل رئيسي عام 1985 إلى طهران، فأصبح نائب المدعي العام الثوري فيها. وخلال عمله في الادعاء العام بطهران، أثار عمله إعجاب مؤسس الجمهورية الإسلامية، ليتلقى منه عام 1988 مراسيم حكومية خاصة لمعالجة المشاكل القضائية في بعض المحافظات في العقد الأول من الثورة.
وحسب تسجيل صوتي لرجل الدين المعروف الراحل آية الله حسين علي منتظري، الرجل الثاني في الثورة بعد مؤسسها قبل أن يعزله، سرّبه ابنه أحمد منتظري عام 2016، كان رئيسي عضوا بلجنة قضائية أقرت أحكام الإعدام بحق معارضين للثورة عام 1988.
ومن العام 2004 إلى 2014، تولى رئيسي منصب نائب رئيس السلطة القضائية، ثم عُيّن في منصب النائب العام في البلد، واستمر فيه عامين تقريبا، قبل أن يعينه المرشد الإيراني الأعلى سادن (خادم) العتبة الرضوية في مشهد، مرقد علي بن موسى الرضا، الإمام الثامن لدى الشيعة، وهو من أهم المناصب الدينية في البلاد.
وبعد ذلك، منذ آذار/مارس 2019، عيّنه المرشد الإيراني رئيسا للسلطة القضائية خلفا لصادق آملي لاريجاني، الرئيس الحالي لمجمع تشخيص مصلحة النظام.
كما أنه أيضا في الوقت الراهن يشغل منصب نائب رئيس مجلس خبراء القيادة المخول دستوريا تعيين وعزل المرشد، وعضو اعتباري في مجمع تشخيص مصلحة النظام، بالإضافة إلى أنه عضو جمعية رجال الدين المحاربين المحافظة.
بعد تعيينه رئيسا للسلطة القضائية، أطلق رئيسي مشروعا لإجراء إصلاحات في السلطة، عرف بمشروع إحداث التحول فيها، ليبدأ في إطاره مكافحة الفساد في السلطة واعتقال قضاة ومسؤولين فيها وإخضاعهم للمحاكمة، كان في مقدمتهم نائب الرئيس السابق للسلطة أكبر طبري، الذي حكم عليه بالسجن 31 عاما خلال مارس/آذار الماضي.
كما أنه، في خطوة غير مسبوقة في الجهاز القضائي الإيراني، أدرج أسماء من تصفهم السلطات بـ"السجناء الأمنيين" في قوائم سجناء يطلب رئيس الجهاز من المرشد الإيراني إصدار العفو عنهم في المناسبات الداخلية.
هؤلاء السجناء من المشاركين في الاحتجاجات ومعارضين، فخلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، صدر العفو القضائي عن 157 محكوما مشاركا في الاحتجاجات الإيرانية خلال الأعوام الماضية، والتي كانت أكبرها احتجاجات نوفمبر 2019.
خطوات رئيسي الإصلاحية في الجهاز القضائي الإيراني، واعتياده خلال السنوات الأخيرة على زيارة المحافظات الإيرانية لمعالجة المشاكل القضائية، لقيت استحسانا داخليا، على الرغم من أنها لم تنه بعد الانتقادات لأداء الجهاز وهي مستمرة.
سباق رئيسي مختلف
جرّب رئيسي حظوظه في السباق الرئاسي عام 2017، ونازل الرئيس حسن روحاني كأحد أهم المرشحين المحافظين، لكنه لم يفز وحلّ ثانيا بعد حصوله على 16 مليون صوت، وفاز روحاني لولاية ثانية بعد حصوله على 24 مليون صوت بدعم من الإصلاحيين.
غير أن السباق الرئاسي الجديد مختلف عن سابقه، وحظوظ رئيسي للفوز فيه عالية، وهو على الرغم من إعلانه أنه مرشح مستقل، فإنه المرشح الأبرز للتيار المحافظ الأكثر تماسكا من التيار الإصلاحي هذه الأيام.
وفي بيان الإعلان عن ترشحه، قال رئيسي إنه يترشح للانتخابات "مستقلاً، لإحداث التحول في إدارة السلطة التنفيذية ومكافحة الفقر والفساد والاحتقار والتمييز"، مؤكداً أنه يحترم جميع المرشحين والتيارات السياسية.
وبعد تسجيل ترشحه بالداخلية الإيرانية، ركز رئيسي على الأزمة الاقتصادية في البلاد و"البطالة والغلاء"، مؤكدا "إنني أرى نفسي منافسا للفساد والارستقراطية وليس لتيار أو أحزاب سياسية".
وأضاف أن "لا انسداد في البلاد"، داعيا الجميع و"المحبطين" إلى المشاركة في الانتخابات.
بعد تسجيل ترشحه بالداخلية الإيرانية، ركز رئيسي على الأزمة الاقتصادية في البلاد و"البطالة والغلاء"
وعلى غرار لاريجاني، غرّد رئيسي بعد تسجيل ترشحه على "تويتر" قائلا إن "المتسببين بالوضع الراهن وشركاءهم لا يمكن أن يكونوا مغيرين لهذا الوضع"، في إشارة إلى لاريجاني وجهانغيري.
خلال مناظرات انتخابات 2017، ظهر رئيسي شخصية هادئة، عكس بقية المنافسين من التيارين الإصلاحي والمحافظ، الذين وجهوا انتقادات واتهامات ثقيلة بعضهما لبعض، لكن الإعلام الإصلاحي نجح في إلحاق الهزيمة به في الانتخابات، بعدما تمكن من إثارة ثنائية وقطبية شديدة بينه وبين روحاني، مع تركيزه على أنه إذا لم يفز روحاني، فالخراب هو مصير البلاد.
لكن اليوم بعد الولاية الثانية لروحاني، التي جلبت انتقادات له وللإصلاحيين، لم تعد تلك الصورة قائمة، فضلا عن أن هذه الدورة على الأغلب ستشهد عزوفا أكبر من الدورات السابقة عن المشاركة في الانتخابات، وهو ما يرجح كفة رئيسي على حساب الإصلاحيين، لأن هذا العزوف عادة يحدث في القاعدة الشعبية للإصلاحيين، والمحافظون يهتمون أكثر من غيرهم بمختلف الانتخابات، ليس لأجل توصيل مرشحهم، وإنما لقناعتهم أن مشاركتهم دعم لاستمرارية الجمهورية الإسلامية.
ويحسب إبراهيم رئيسي على التيار المحافظ، أو التيار الأصولي حسب التسمية الداخلية، ولديه نفس مواقف التيار في السياسات الداخلية والخارجية، كما تربطه علاقات جيدة بالمرشد الإيراني الأعلى ومن المقربين منه، والحرس الثوري الإيراني.
ويحتاج رئيسي في السباق الرئاسي إلى الحصول على أكثر من 20 مليون صوت من 59 مليون إيراني يحق لهم التصويت في الانتخابات.