مع تزايد الهجمات التي تشنها جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) ضد السفن الإسرائيلية والسفن المتوجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، تتزايد الدعوات لتشكيل تحالف دولي لحماية طرق الملاحة الدولية.
وأعلن مسؤول دفاعي أميركي، أمس الخميس، أن صاروخاً أطلق من الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن أخطأ سفينة حاويات كانت تبحر عبر مضيق باب المندب، مشيراً إلى أن البحارة على متن سفينة الشحن، التي ترفع علم هونغ كونغ ومملوكة لجزر مارشال، رصدت سقوط صاروخ في الماء أثناء الإبحار من سلطنة عمان إلى السعودية.
وكان البنتاغون قد أعلن أن واشنطن تعمل لحشد تحالف قوة بحرية دولية من أجل حماية الملاحة في باب المندب. وأوضح المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر، في مؤتمر صحافي الثلاثاء الماضي، أنه تم إنشاء إطار عمل لقوة المهام المعنية، وسيتم الإعلان عن التفاصيل لاحقاً، مبيناً أن هذه القوة ستكون تحالفاً يشمل 38 دولة راغبة بذلك.
كما كشفت هيئة البث الإسرائيلية أن إسرائيل تعمل على تشكيل فريق عمل ضمن تحالف دولي للتصدي للتهديد الحوثي بالبحر الأحمر، بالتزامن مع إعلان الجيش الإسرائيلي إرسال سفينة حربية من طراز "ساعر 6" لمنطقة البحر الأحمر. كما دعا الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الأربعاء الماضي، لإقامة تحالف دولي ضد الحوثيين.
مقترح تشكيل قوة متعددة الجنسيات سيواجه مشكلات
في المقابل، حذر وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني، من أن مقترح تشكيل قوة متعددة الجنسيات، مدعومة من الولايات المتحدة، لحماية الملاحة في البحر الأحمر سيواجه "مشكلات استثنائية".
وضاح الدبيش: تهديد واعتراض السفن وضربها أمر له نتائج سلبية وعكسية
وقال أشتياني، لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية الرسمية في تصريحات نشرتها أمس الخميس: "إذا اتخذوا مثل هذه الخطوة غير العقلانية، فسوف يواجهون مشكلات استثنائية". وأضاف "لا يمكن لأحد أن يتحرك في منطقة نهيمن عليها" في إشارة إلى البحر الأحمر. ولم يحدد أشتياني أي إجراءات لدى إيران لترد بها على تشكيل قوة تدعمها الولايات المتحدة.
من جهتها، نفت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، مشاركتها في "تحالف دولي جديد لحماية خطوط الملاحة البحرية"، كما نقل الموقع الإلكتروني وزارة الدفاع اليمنية "سبتمبر نت" عن "مصدر مسؤول" في الوزارة أخيراً.
وفي آخر الهجمات الحوثية، أعلنت القيادة المركزية الأميركية، على منصة "إكس"، أن مدمرة تابعة للبحرية الأميركية أسقطت الأربعاء الماضي مسيّرة انطلقت من منطقة يسيطر عليها الحوثيون بعد أن هاجمت الحركة السفينة التجارية "أردمور إنكاونتر" بزوارق.
وتابعت أن صاروخين أطلقا من منطقتين يسيطر عليهما الحوثيون في اليمن لكنهما لم يصيبا السفينة، وتمكنت من متابعة طريقها دون وقائع أخرى. وكانت جماعة الحوثي قد أعلنت، الثلاثاء الماضي، أن القوات البحرية التابعة لها نفذت عملية عسكرية نوعية ضد السفينة "استريندا" التابعة للنرويج التي كانت محملة بالنفط ومتجهة إلى إسرائيل، وأنها لم تلجأ لاستهداف السفينة النرويجية المحملة بالنفط إلا بعد رفض طاقمها كافة النداءات التحذيرية. وأكدت الجماعة، في بيان، استمرارها في منع كافة السفن المتجهة إلى موانئ العدو الإسرائيلي حتى إدخال ما يحتاجه أهالي غزة من غذاء ودواء.
نتائج سلبية لتهديد واعتراض السفن وضربها
وعن الموقف اليمني من هذا التصعيد الحوثي، قال العميد وضاح الدبيش، المتحدث باسم "المقاومة الوطنية" اليمنية، وهي القوات المرابطة في الساحل الغربي، لـ"العربي الجديد"، إن "تهديد واعتراض السفن وضربها أمر له نتائج سلبية وعكسية، فهو يؤثر سلباً على الجانب المعيشي للشعب اليمني وكافة الدول المحيطة، بل للعالم أجمع، فهذه المخاطر تتمثل بزيادة التأمين البحري، وتغيير مسارات السفن، وهذا يؤثر كثيراً على خطوط الملاحة وعلى الجانب المعيشي، ويؤثر على السياسة والاقتصاد وعلى كافة الجوانب".
وأضاف الدبيش: "نحن أمام سيناريوهات خطيرة جداً، لكننا قادرون بإمكاناتنا وجاهزيتنا بقوات البحرية المحترفة لدينا على حماية طرق الملاحة في البحر الأحمر والبحر العربي ومضيق باب المندب، وذلك بحكم سيطرتنا كمقاومة وطنية وتأميننا الجزر المهمة والاستراتيجية، مثل جزر زقر وحنيش التي تقع في البحر الأحمر وتطل على باب المندب، ولكننا نحتاج إلى المزيد من الدعم".
وأشار الدبيش إلى أن هناك تنسيقاً وتواصلاً مستمرين مع قيادة التحالف الذي تقوده السعودية، وكذا التحالف الدولي، "لتأمين خطوط الملاحة وإيقاف العبث الذي تقوم به هذه المليشيات في البحر الأحمر والبحر العربي".
وأكد أن إسرائيل غير موجودة في التحالف، ولا يمكن أن تدخل في البحر الأحمر، مضيفاً: "نحن تحالفنا بين الدول العربية والدول المطلة على البحر الأحمر وباب المندب، فنحن قادرون على تأمين خطوط الملاحة ومستعدون لتقديم كافة التسهيلات، ولدينا الإمكانات والخبرات الكافية لتأمين البحر، ولا مكان لإسرائيل، وهذه هي مهاترات إعلامية تقوم بها جماعة الحوثي لإثارة الغضب لدى الشعب".
جمال الرباصي: هناك رغبة أميركية إسرائيلية للدفع بمصر والسعودية والإمارات للتصعيد ضد الحوثي
من جهته، قال الخبير والمحلل العسكري اليمني العميد جمال الرباصي، لـ"العربي الجديد"، إن مخاطر استهداف جماعة الحوثي للسفن في البحر الأحمر وبحر العرب وباب المندب مرتبطة باستمرار الحرب على غزة، وتشمل فقط السفن الإسرائيلية، لافتاً إلى أن "طرق الملاحة محمية من قوة المهام المشتركة 153 بقيادة مصر".
رغبة أميركية إسرائيلية بالتصعيد ضد الحوثي
لكن الرباصي اعتبر أن "هناك رغبة أميركية إسرائيلية بالدفع بمصر والسعودية والإمارات للتصعيد ضد الحوثي، وهذا لن ينجح بسبب رغبة السعودية والإمارات بالاستمرار بمساعي التوصل للسلام في اليمن. ولهذا من المرجح ترك الأميركيين والإسرائيليين والبريطانيين يواجهون مشكلتهم مع الحوثيين لوحدهم".
وتابع الرباصي: "شاهدنا وسمعنا تصريحات من أطراف في الشرعية اليمنية تعرض خدماتها للقوى الدولية بتحمّل مسؤولية حماية الملاحة مقابل الدعم. وسمعنا هذه التصريحات من قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، أو قيادة قوات المقاومة الوطنية بالساحل الغربي. وكنا نتمنى أن يُقدّم هذا العرض في حماية الملاحة في خليج عدن والبحر الأحمر وبحر العرب من وزير الدفاع في السلطة الشرعية أو قيادة القوات البحرية".
وبحسب الرباصي فإن "التحالف بقيادة السعودية يرى خياره السلمي مع إيران، وذراعها المتمثلة بجماعة الحوثي، ويعمل للحفاظ عليه، والقيادات اليمنية تتذكر جيداً الضغوط الأميركية الغربية لمنع سيطرة قوات الشرعية على محافظة الحديدة، وكذا إخراج الحوثيين من قوائم الإرهاب الأميركية، ولهذا لن يتعاون التحالف العربي مع الرغبات الأميركية الإسرائيلية في استهداف الحوثي".
من جهته، لفت المحلل السياسي نبيل البكيري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحرب على غزة "منحت الحوثيين فرصة ذهبية للقيام بهذه العمليات في البحر الأحمر، وذلك لتسجيل حضور نوعي بفعل غياب الدور العربي الرسمي. وبالتالي هذا دفع الحوثيين لا ليكونوا جزءا من حرب غزة، وإنما لفت انتباه العالم إلى أن الحوثي موجود".
مشاركة الحوثيين بحرب غزة استثمار ذكي
وأضاف البكيري أن "مشاركة الحوثي هنا لا تأتي استجابة لحرب غزة بقدر ما هي استثمار ذكي من قبل الحوثيين لهذه الحرب، وتوظيفها لصالحه ولصالح الحصول على اعتراف دولي به كرقم يصعب تجاوزه، وللحصول على مزيد من المكاسب في ظل الترتيبات الإقليمية الحاصلة في المنطقة من خلال الملف اليمني الذي سيتم من خلال تقاسم النفوذ والأدوار".
ورأى البكيري أن "أي دور للشرعية اليمنية في حلف دولي لمحاربة الحوثي بالبحر الأحمر يأتي ضمن سياقات إضعاف هذه الشرعية وتفكيكها وضربها بشعبيتها وجمهورها اليمني الذي يمنحها شرعية الوجود، وبالتالي القضاء عليها تماماً لصالح جماعة الحوثي التي تمضي بخطى سريعة نحو الانخراط في ترتيبات جديدة للمنطقة تتجاوز مسمى الشرعية اليمنية وتشرعن للحوثيين".