وجه تمرّد قائد مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين الأنظار عن تطورات الأوضاع الميدانية على جبهات الهجوم المضاد الأوكراني الذي بدأ قبل نحو ثلاثة أسابيع. وفيما يتابع العالم تطورات التمرد منذ مساء الجمعة ومدى تأثيره في الاستقرار الداخلي، وصراع النخب في موسكو، اختفت الأنباء تقريبا عن الأوضاع في الجبهات الرئيسية في زابوريجيا وخيرسون ودونيتسك وباخموت، وسط تساؤلات عن كيف يمكن أن تستغل أوكرانيا الوضع لمصلحتها.
والأرجح أن تطورات "مسيرة العدالة"، وهو المصطلح الذي استخدمه بريغوجين لتمرده، ستؤدي دوراً مهماً في مصير العملية العسكرية على أوكرانيا، خصوصاً في حال انضمام مجموعات من القوميين الروس المتشددين والمقاتلين القدامى الحانقين على قيادة وزارة الدفاع وفشلها في إدارة الحرب، واقتناعهم بأن الانتصار يبدأ من إزالة البيروقراطيين في مقر وزارة الدفاع على شاطئ نهر موسكو، وربما أبعد من ذلك بتصفية الحسابات مع بعض النافذين في الكرملين.
وفي تقرير عاجل اليوم السبت، نقل موقع "فاجنيي استوريا" (القصص المهمة) عن أحد مقاتلي مجموعة "فاغنر" السابقين الذين شاركوا سابقا في الحرب على أوكرانيا أنهم تلقوا أوامر بالانتظار والاستعداد لإمكانية طلب العون منهم.
وقال المقاتل السابق إن المحاربين القدامى الراغبين في الانضمام إلى التمرد المسلح طُلِب منهم التأهب وانتظار إشارة. وفي تشجيع مباشر لأمثاله، ذكر المصدر أن الجيش والحرس الوطني يرفضون تلقي الأوامر بقتال فاغنر، وخلص إلى أنه حتى مساء السبت سيكون هناك أوامر جديدة، سيعلن عنها.
ويوجه تقدم قوات بريغوجين نحو مدينة رستوف الروسية واشتعال الخلافات الداخلية ضربة كبيرة لمعنويات الجنود والمواطنين الروس، وقد يخفف من دعمهم للعملية العسكرية التي أعلن بريغوجين، أمس، أنها انطلقت من معلومات خاطئة قدمتها وزارة الدفاع حول تحركات غير طبيعية لأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأدت إلى اتخاذ قرار الحرب.
يوجه تقدم قوات بريغوجين نحو مدينة رستوف الروسية واشتعال الخلافات الداخلية ضربة كبيرة لمعنويات الجنود والمواطنين الروس
وعلى الرغم من شحّ الأنباء من الجبهات، فإن هناك آثارا مباشرة لسيطرة "فاغنر" على مقر قيادة الجيش الروسي في المقاطعة الجنوبية الغربية المسؤولة أساساً عن إدارة الحرب في أوكرانيا، واحتلال مقرات في فارونيج على بعد 500 كيلومتر من موسكو، ومن المؤكد أن إدارة المعارك ستتأثر حتماً بسبب حالة التخبط والفوضى.
ويمكن لأوكرانيا زيادة حالة الفوضى في داخل روسيا، عبر زيادة هجماتها العابرة للحدود في ثلاث مقاطعات أساسية هي بيلغورود، التي شهدت في الشهرين الأخيرين هجمات "الفيلق الروسي الحر" الذي تبنى هجمات على المقاطعة واحتل لبعض الوقت بعض القرى. ويمكن أن توسع أوكرانيا التجربة بترتيب هجمات على مقاطعتي كورسك وبريانسك الحدوديتين.
وبعد ساعات من بدء التمرد، بدا بريغوجين من دون دعم من أكثر حلفائه في وزارة الدفاع الروسية، وظهر نائب قائد العملية العسكرية حاليا الجنرال سيرغي سوروفيكين في تسجيل فيديو، مساء أمس، دعا فيه إلى إنهاء التمرد وعدم إطاعة الأوامر بالتقدم نحو رستوف، والتركيز على العدو الخارجي.
وفي المقابل، لا توجد تقارير دقيقة عن حجم الدعم لبريغوجين في صفوف القيادات الميدانية للجيش الروسي الموجود في أوكرانيا، ومن غير المستبعد أن يكون هناك دعم لبريغوجين في صفوف القيادات الميدانية وأفراد الجيش، خاصة بعد اتهاماته المتواصلة لوزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان غينادي غيراسيموف بالكذب، وعدم تزويد الجيش بحاجاته الأساسية من المحروقات والمواد الغذائية، وسوء التخطيط، ما أدى إلى إخفاق الجيش الروسي في الحرب المتواصلة منذ ستة عشر شهراً.
وفي حال وجود دعم لقائد "فاغنر" من القادة الميدانيين والقطع العسكرية، فإن مشكلات إضافية ستواجه الجيش الروسي الذي يعمل على مواجهة الهجوم المضاد الأوكراني، ونجح في إبطاء وتيرته حتى الآن.
وبناء على تصريحات بريغوجين الأخيرة، أمس، فإن عدد قواته يصل إلى 25 ألفاً، واستخدمت أساساً للهجوم منذ مارس/ آذار 2022.
ومن المستبعد في حال تماسك القوات الروسية اختراق خطوط الدفاع في منطقة زاباروجيا من قبل أوكرانيا بوتيرة أسرع، نظراً لأن الجيش الروسي بنى أكثر من أربعة خطوط دفاع، ولم يستعن بقوات فاغنر في هذه الخطوط، نظرا لأن الأخيرة أُوكلت لها أساسا إنجاز مهمات الهجوم، وهو ما بدا واضحا في سوليدار وباخموت وقبله في محيط ماريوبول.
باخموت: الجبهة الأضعف
وتعد باخموت من الجبهات الأضعف التي يمكن أن يستغلها الأوكرانيون، نظرا لوجود جزء من مقاتلي فاغنر الذين انسحب كثير منهم، وسلموا قواعدهم للجيش الروسي، الذي لم يتمكن من بناء تحصينات، بسبب استمرار المعارك من قبل الأوكرانيين لمحاصرتها من الشمال والجنوب، واستعادة المدينة، وفي حال أرادت روسيا عدم خسارة أراض إضافية يتوجب عليها توجيه جزء من القوات إليها، ولكن ذلك سيكون على حساب جبهات أخرى.
ويمثل توجه قوات فاغنر نحو رستوف ضربة قوية لجهود الجيش الروسي للتقدم في محوري أفديفكا ومارينكا قرب دونيتسك، وهما بلدتان ظلتا صامدتين، رغم قربهما من مدينة دونيتسك، التي تتعرض لضربات بالمدفعية والصواريخ من القوات الأوكرانية الموجودة فيهما.
ومن المستبعد أن تتغير الأوضاع بشكل درامي في جبهة خيرسون، لأسباب تتعلق بتأثيرات تفجير سد أفديفكا، وصعوبة قدرة الأوكران على اجتياز نهر دنيبر إلى الضفة اليسرى التي تسيطر عليها روسيا.
ومن المؤكد أن لطول عملية التمرد، وعدم حسم الأمور بسرعة، دوراً أساسياً في وضع الجبهات مع أوكرانيا مع اضطرار الجيش الروسي لمواجهة عدوين، داخلي لا يعرف مدى إمكانية تجاوب الشعب والقوميين الروس معه، وخارجي، وهو أوكرانيا، يتلقى دعما غربيا كبيرا، ويسعى لتحقيق إنجاز على الأرض لزيادة ثقة الغربيين بقدراته، وتحسين مواقفه التفاوضية على أقل تقدير.