أيام بايدن المائة الأولى في البيت الأبيض: هادئة بانتظار ملفات شائكة

25 ابريل 2021
لا تزال أمام بايدن ملفات شائكة (Getty)
+ الخط -

بينما باتت الدراما اليومية التي طبعت البيت الأبيض في عهد دونالد ترامب صفحة من التاريخ،فإن فترة الأيام المائة الأولى لخلفه جو بايدن على رأس السلطة لم تكن هادئة تماما إذ سارع لإحداث تحوّلات في الولايات المتحدة.

من المقرر أن يلقي بايدن خطابا يبث في وقت ذروة المشاهدة التلفزيونية أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأربعاء، عشية إتمامه أيامه المائة الأولى في السلطة، فيما يطمح الرئيس الأكبر سنا في تاريخ الولايات المتحدة ليكون أيضا من بين الأكثر تأثيرا وأهمية منذ فرانكلين روزفلت والكساد الكبير.

وتبدو مهمة الرئيس الديمقراطي صعبة للغاية إذ يواجه تفشيا هو الأكثر فتكا لكوفيد-19 في العالم واقتصادا منهكا للغاية وانقسامات عميقة.

لكن بعد مرور ثلاثة شهور، فاجأ كثيرين بانضباطه وحزمه في التفاوض، وقبل كل شيء، تطلعه "لإنجاز الأكبر" كما يقول.

ويشير آخر استطلاع لمعهد "بيو" إلى أن أداء بايدن أكسبه نسبة تأييد تبلغ 59 في المائة، وهي أعلى من أي نسب حصل عليها ترامب على مدى عهده.

خطط مكلفة 
تعهّد بايدن بأن "يشفي" أميركا ومع إتمام برنامج التطعيم ضد كوفيد-19 الأسبوع الماضي إعطاء 200 مليون جرعة، بات يفي بوعده حرفيا.

وضخّت حزمة تحفيز الاقتصاد (خطة الإنقاذ الأميركية) وقدرها 1.9 تريليون دولار التي مررها حزبه في الكونغرس في مارس/ آذار، الأموال في كل زاوية تقريبا من الاقتصاد المتضرر جرّاء كوفيد. وهناك توقعات واسعة بحدوث انتعاش بعد الوباء.

ويطرح بايدن الآن حزمة ضخمة أخرى أطلق عليها "خطة الوظائف الأميركية"، وقدرها أكثر من تريليوني دولار بهدف تحديث البنى التحتية الأميركية بكل طريقة ممكنة، من الطرقات التقليدية والجسور وصولا إلى الإنترنت فائق السرعة وتطوير السيارات الكهربائية.

أما التالي، فسيكون "خطة العائلات الأميركية" التي تكلّف تريليون دولار إضافي على الأقل لتمويل رعاية الأطفال والتعليم. ويشير السياسيون الجمهوريون إلى أن بايدن أطلق سيلا من الاشتراكية. لكن الاستطلاعات تكشف أن ناخبيهم يدعمون بايدن، ما يتيح له القول إنه يفي بوعوده بالحكم بأسلوب يرضي الحزبين.

امتداد عالمي 
وإذا أتيحت له الفرصة، يرغب بايدن بتغيير مصير باقي الكوكب أيضا.

لدى وصوله إلى البيت الأبيض، سارع بايدن إلى إعادة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ، التي انسحب منها ترامب. وذهب أبعد من ذلك الأسبوع الماضي، إذ عقد قمة تضم 40 دولة أعلن خلالها مضاعفة أهداف الولايات المتحدة لخفض انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة.

كما يتحرّك سريعا في مسائل أخرى تتعلق بالسياسة الخارجية، فتجري طمأنة الحلفاء بأن "أميركا عادت" بينما يعاد تقييم الخصوم، مع تصنيف روسيا والصين على أنهما من "الأصدقاء الأعداء"، إذ تنبغي معاداتهما بشدة باستثناء الحالات التي تتعلّق بالقضايا الاستراتيجية حيث يحمل التعاون ذات الأهمية.

وأثبت قدرته على اتّخاذ خطوات حاسمة قد تحمل مخاطرة في بعض الأحيان عندما تجاوز مواقف كبار الجنرالات بحسب تقارير إعلامية ليحدد موعدا ثابتا هو 11 سبتمبر / أيلول لإتمام الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من أفغانستان.

والسبت، تخلى عن التباس في موقف الولايات المتحدة دام لعقود عبر اعترافه علنا بالمجازر التي لحقت بالأرمن قبل قرن بأنها إبادة جماعية، في خطوة أثارت غضب تركيا.

عودة إلى الوضع الطبيعي؟ 
لربما وقبل أي شيء، اختار الناخبون المنهكون بايدن من أجل جعل أميركا طبيعية مجددا، بل وحتى مملة.

وبالفعل، حقق ذلك. فولّت أيام الحكم عن طريق التغريدات عبر تويتر والشتم خلال الخطابات الرئاسية وإهانة الإعلام وتحقير المعارضين. كما انتهت التجمّعات التي تركّز على أسلوب تعظيم شخصية الرئيس.

مع ذلك، تكفي لمحة إلى الكابيتول في واشنطن عندما يلقي بايدن خطابه الأربعاء للتذكير بأن البلد لا يزال بعيدا عن الوصول إلى وضع طبيعي حقا.

ويعني التوتر المهيمن في أعقاب أعمال شغب السادس من يناير/ كانون الثاني، غير المسبوقة التي قام بها أنصار ترامب أن رمز الديمقراطية الأميركية سيبقى خاضعا لإغلاق مشدد.

ويعني تواصل تهديد فيروس كورونا أن بايدن سيلقي خطابه أمام حشد ضئيل للغاية، بعيدا عن التجمّعات المفعمة بالطاقة التي تكون عادة باستقبال الرؤساء في هذه المناسبة.

وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي: "لن يبدو من العديد من النواحي، كما كانت الخطابات المشتركة الماضية".

حقول ألغام سياسية 
لأول مرة في التاريخ، ستجلس امرأتان خلف المنبر الرئاسي خلال الخطاب هما نائبة الرئيس كامالا هاريس ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، حليفة بايدن الرئيسية في الحزب الديمقراطي.

لكن سيشمل الحضور أيضا شخصيات أخرى عديدة أقل ودية.

وأجمع الجمهوريون حتى الآن على معارضتهم لأفكار بايدن الكبيرة. لكنهم يعتمدون على غالبية ضئيلة للغاية، والتي قد تقضي عليها انتخابات منتصف الولاية للكونغرس العام المقبل بسهولة.

وكانت حملة التطعيم الواسعة وإقرار خطة الإنقاذ الأميركية الجزء الأسهل، مقارنة بما هو مقبل.

وتبدأ حقول الألغام السياسية بوضع خارج عن السيطرة عند الحدود مع المكسيك، حيث يصطدم خطاب بايدن بشأن جلب الإنسانية إلى عملية الهجرة بواقع فوضوي.

ويركّز الجمهوريون على ما يرون أنها مسألة من شأنها أن تضمن الفوز لهم بأصوات الناخبين في انتخابات منتصف المدة. وتتذّمر قاعدة بايدن اليسارية حيال ما تعتبره تذبذبه بشأن الإيفاء بتعهّد حملته الانتخابية السماح بدخول مزيد من اللاجئين.

كما تتفاقم مسائل أخرى مثل قسوة الشرطة وضبط حيازة الأسلحة النارية والرعاية الصحية الحكومية، وهي مسائل يقول بايدن إنه يريد التعامل معها لكنها شكّلت مصدر أرق لأسلافه على مدى سنوات وتحمل خطر التسبب له بالأمر ذاته.

أما خارجيا، فيبدو أن التحديات من دول مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا بدأت للتو.

لا شك في أن بايدن جلب الهدوء إلى الولايات المتحدة في أيامه المائة الأولى، لكنه يأمل في ألا يكون هذا الهدوء الذي يسبق العاصفة.
(فرانس برس)
 

المساهمون