أوهام الحسم بالشارع في تونس

14 فبراير 2022
نجحت المعارضة في إثبات نجاحها الجماهيري (Getty)
+ الخط -

دخل الصراع السياسي في تونس مرحلة جديدة تؤشر إلى تدهور محتمل في الفترة القريبة المقبلة، إذ بلغ التوتر درجة عالية تشي بأن الشارع قد يصبح فضاء هذه المعركة، بعد التحشيد الذي حصل خلال الأسبوع الماضي من قِبل طرفي الصراع، أنصار الرئيس قيس سعيّد ومعارضيه.

ونجحت المعارضة حتى الآن في إثبات نجاحها الجماهيري وتوسع قاعدتها الشعبية في كل التظاهرات التي دعت إليها منذ أشهر، على الرغم من كل التضييق الذي مورس عليها.

في المقابل، فشل أنصار سعيّد على اختلاف انتماءاتهم وحساباتهم، في اختبار الشارع، إلى حد الآن على الأقل. هؤلاء خليط من أنصار يؤمنون فعلاً بسعيّد ويثقون في برنامجه، وآخرون غاضبون من فشل المنظومة السابقة ويريدون أي تغيير وتحت أي عنوان، وبعض يسار انتهازي يحاول أن يستفيد من المرحلة ويضرب خصمه، "النهضة"، بيد سعيّد، وأخيراً متسلقون ينتظرون ما يمكن أن يتساقط من غنائم محتملة من هذه الحرب، ولا يهمهم حجم الدمار الممكن من حرب سياسية يخسر فيها الجميع.

ولكن الشارع خطير دائماً وانزلاقاته كثيرة ومتوقعة ويمكن أن تقود إلى الخراب، وبعض الساسة لا يهمهم ذلك أو ربما حتى يأملون ذلك، ويرون أنه حل سياسي محتمل لحسم الصراع في أقرب وقت، وبأي ثمن.

أصبحت دعوات التظاهر تتم تحت بيوت المنافسين ومقرات أحزابهم، مثلما حصل مع هيئة الدفاع عن القيادي اليساري الراحل شكري بلعيد أمام بيت راشد الغنوشي السبت الماضي. وهذا مؤشر خطير ينبه من ناحية إلى حدة التوتر الحاصل في البلاد اليوم، ولكنه يؤشر من ناحية أخرى إلى أن البعض بدأ يفقد السيطرة السياسية على تفكيره وطريقة إدارته للصراع.

وأمام الإخفاق في حشد الشارع وإقناع الأنصار بالتعبئة، أصبح الاستفزاز أسلوباً سياسياً، ولكن المشكلة هي أن الاستفزاز يقود إلى استفزاز ورد فعل وعنف، لفظياً أو مادياً، ويقود بالضرورة إلى عنف مقابل.

كل الدول التي جرّبت ذلك اكتوت بنار التجربة لأن أهلها خربوا بيوتهم بأيديهم، ولكن البعض في تونس تأخذه الأوهام بأنه قد يربح اليوم ما خسره في الانتخابات، وقد يحقق نصراً بالقوة فشل فيه بالديمقراطية.

ولكنها تبقى أوهاماً في كل حال لأن العنف فيه خاسرون فقط ولا رابح فيه، ثم إن المعارضة قوية كما يتبيّن وتزيد شعبيتها يوماً بعد يوم، وهي أيضاً لا تريد أن تخسر ولها أوراق تلعبها في الفترة المقبلة، ولن تكون لقمة سائغة كما يظن البعض على الرغم من كل محاولات المرور بالقوة واستعجال الحسم التي يسعون إليها.

المساهمون