فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على ثمانية سجون تديرها الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، وعلى مسؤولين أمنيين في هذه الأجهزة، إضافة لفصيل "أحرار الشرقية" المحسوب على فصائل المعارضة السورية في شمال سورية، وعلى أحد الميسّرين الماليين لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) في شمال غربي سورية. وتأتي هذه الحزمة من العقوبات، الأولى من نوعها في عهد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، خارج سياق "قانون قيصر" الذي أقرّته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ودخل حيّز التنفيذ منتصف العام الماضي، بهدف التضييق على النظام السوري من خلال معاقبة مسؤولين فيه وكيانات داعمة له. وتعتبر مصادر مطلعة، أن القائمة الجديدة من العقوبات "تأتي ضمن الإجراءات الأميركية المتبعة لمكافحة الإرهاب في سورية"، مضيفة في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن العقوبات اقتصادية تشبه تلك التي ترد في حزمات "قانون قيصر".
وشملت الحزمة الجديدة التي أُعلنت، مساء أول من أمس الأربعاء، العميد آصف دكر، والعميد وفيق ناصر من مديرية "المخابرات العسكرية" التابعة للنظام، والعميد أحمد الديب من مديرية "المخابرات العامة"، ومالك علي حبيب من شعبة "الاستخبارات العسكرية". وشملت العقوبات الجديدة، مليشيا "سرايا العرين" المعروفة باسم مليشيا "أبو الحارث"، وسجن صيدنايا العسكري، وفرع "الخطيب" التابع لمخابرات النظام السوري، و"سرية المداهمة والاقتحام" و"الدوريات" و"الفرع 227" وفرع "فلسطين" وفرع "التحقيق العسكري" وفرع "حلب" المرتبطة بمديرية المخابرات العسكرية التابعة للنظام.
فوجئت المعارضة بالعقوبات الأميركية على أحد فصائلها
وأفاد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية لدى وزارة الخزانة الأميركية، المعروف اختصاراً باسم "أوفاك"، بأن "نظام الأسد شن حرباً لا هوادة فيها على الشعب السوري؛ وسجن مئات الآلاف من السوريين المطالبين بالإصلاح والتغيير". وأشار إلى أن "ما لا يقل عن 14 ألف شخص تعرضوا للتعذيب حتى الموت، بينما لا يزال أكثر من 130 ألف شخص في عداد المفقودين أو المعتقلين تعسفاً حتى يومنا هذا".
وطاولت الحزمة الجديدة فصيل "أحرار الشرقية" التابعة لـ "الجيش الوطني" المعارض الناشط في الشمال السوري. وعاقبت الإدارة الأميركية قياديَين من هذا الفصيل وهما: أحمد إحسان فياض الحايس، المعروف باسم "أبو حاتم شقراء"، ورائد جاسم الحايس، المعروف باسم "أبو جعفر شقرا"، وهو ابن عم الأول. واتهمت الخزانة الأميركية فصيل "أحرار الشرقية" بارتكاب جرائم عديدة ضد المدنيين، لا سيما الأكراد السوريين، في شمال شرقي سورية "تشمل عمليات قتل خارج نطاق القانون وخطف وتعذيب ومصادرة ممتلكات خاصة". وينشط فصيل "أحرار الشرقية" في ريف حلب الشمالي، وفي المنطقة التي سيطر عليها الجيش التركي أواخر عام 2019 شرقي نهر الفرات، وأغلب قيادييه وعناصره من ريف محافظة دير الزور.
وفي بيان منفصل، أعلنت وزارة الخزانة، أنها فرضت عقوبات على وسيط مالي تابع لتنظيم "القاعدة" يتخذ من تركيا مقراً له لمساعدته "هيئة تحرير الشام" على نحو مادي.
وحيال هذه التطورات، كشفت مصادر في المعارضة السورية لـ "العربي الجديد" أن قيادة الائتلاف الوطني السوري المعارض، اجتمعت أمس الخميس، مع وفد أميركي في مدينة إسطنبول التركية، للتباحث حول العقوبات الجديدة التي شملت فصيلاً تابعاً للمعارضة، في خطوة يبدو أنها فاجأتها.
ووفق مسؤولين أميركيين، فإن واشنطن لا تسعى إلى إسقاط النظام السوري من خلال فرض عقوبات مشددة عليه، بل إلى تغيير سلوكه، ولكن الوقائع تؤكد أن النظام غير مهتم بذلك. وسبق أن صدرت عقوبات عدة على أفراد وكيانات داعمة للنظام السوري، في إطار "قانون قيصر" منذ منتصف العام الماضي، ولكن مواقف النظام لم تلن حيال العملية السياسية، مع عدم تسهيله مهام الأمم المتحدة لتطبيق قرارات الشرعية الدولية التي رسمت خارطة حل للقضية السورية، وأبرزها القرار 2254، الصادر عام 2015.
طالب السوريون في واشنطن الأميركيين بعدم الانسحاب من سورية
وحول العقوبات الجديدة، يصفها الصحافي السوري المقيم في الولايات المتحدة أيمن عبد النور في حديث مع "العربي الجديد" بـ"الإيجابية". ويوضح أن الجالية السورية في الولايات المتحدة ركزت خلال أكثر من عشرة لقاءات مع ممثلين في الكونغرس على قضايا عدة، منها: تعيين مبعوث خاص لسورية والبدء بإصدار قوائم عقوبات، حتى لا يظن النظام السوري أن إدارة بايدن لن تصدر قوائم ومن ثم يتصرف كما يشاء في البلاد. وينوّه إلى أن الجالية "طالبت بإدراج الملف السوري في المباحثات مع الجانب الروسي"، مضيفاً: هذه المطالب تتجه نحو التحقيق، ولهذا صدرت قائمة العقوبات الأولى في عهد بايدن. ويشير إلى أن الجالية "طالبت الإدارة الأميركية بعدم الانسحاب من سورية، كما حصل في أفغانستان والعراق، وأن تعمل على ضبط المنطقة قبل الانسحاب، كي لا تقع حقول النفط بيد النظام أو تنظيم داعش"، كاشفاً عن تجاوب كبير من قبل الإدارة الأميركية مع الجالية السورية.
وفي السياق، يعتبر المحلل السياسي رضوان زيادة في حديث مع "العربي الجديد" العقوبات الجديدة "التزاماً من إدارة بايدن بتطبيق قانون قيصر، وفي الوقت نفسه تمنح إشارة واضحة إلى أن الموقف الأميركي من النظام السوري لم يتغير". ويرى أن العقوبات "رسالة واضحة إلى الأطراف العربية التي راهنت على تجميد قانون قيصر أو تعليقه، مفادها أن هذه المراهنات ليست في محلها". ويلفت إلى أن قائمة العقوبات "لم تشمل كيانات أو أفراداً من روسيا أو إيران"، مضيفاً: يبدو أن الإدارة الأميركية وضعت في اعتبارها عدم استخدام موسكو لحق النقض ضد القرار 2585، الخاص باستمرار إدخال المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري أخيراً. ويضع مسألة عدم معاقبة كيانات أو أفراد إيرانيين داعمين للنظام السوري في إطار "بادرة أميركية لضمان حسن سير المفاوضات الجارية بين طهران والغرب حول برنامجها النووي".
وكانت حوالي 55 ألف صورة لـ 11 ألف معتقل سوري قضوا تحت التعذيب، سرّبها مصور في الطب الشرعي في جهاز الشرطة العسكرية للنظام بات يُعرف باسم حركي هو "قيصر"، سبباً في صدور قانون يحمل ذات الاسم أواخر عام 2019. وهزت تلك الصور الضمير العالمي، إلا أن المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة، اكتفى بتشديد العقوبات على النظام السوري.