خلال الأعوام الماضية كانت أجهزة أمن أوروبية تضطر إلى تغيير استراتيجية تتبع مصادر الإرهاب الداخلي. ومنذ اقتحام الكونغرس، في 6 يناير/كانون الثاني الحالي، يمكن لمتتبع السجالات الأوروبية ملاحظة حالة قلق أمني وسياسي من انعكاسات المشهد الأميركي عليهم.
صحيح أن السلاح ليس مشرعاً في دول القارة، كما في الحالة الأميركية، لكن الوصول إليه، وتخزينه والتدرب عليه، لم يعد من الأسرار. وتستعر بين فترة وأخرى نقاشات برلمانية متطرفة عن "السماح بالتسلح للدفاع عن النفس"، بحجة "الإرهاب الإسلامي".
في أكثر من مناسبة كشفت الاستخبارات الألمانية عن انتشار تعاطف بين شرطتها، وبعض جنودها، مع الحركة النازية. كما أن الحالتين الفرنسية والإيطالية، لناحية تطبيع التعصب القومي، وتسرب السلاح لجماعات متطرفة، ليستا بمعزل عن مساعي "جبهة مقاومة الشمال" النازية في إسكندينافيا للتوسع بين الشباب، ولشرعنة استخدام العنف ضد معادي الفاشية وغيرهم.
ثمة قاسم مشترك في تدرج خطاب العنف الأوروبي، من سياسي-إعلامي إلى ما يشبه التعاطف بين جماعتها ومثيلاتها الأميركية، بل وحتى الروسية والشرقية. المسألة هنا ليست مسألة "ذئاب منفردة"، بل جماعات منتظمة، بحسب تقارير أمنية، ولديها ما يكفي من ديناميكيات التحرك والإقناع بحجة "الخطر على مستقبل البيض".
التحذير من تشابه "مانيفستو" الإرهاب الأبيض، من أوسلو إلى نيوزيلندا، يثير، بعد اقتحام الكونغرس، ذعر الأجهزة الأمنية الأوروبية، والمعسكر السياسي التقليدي في القارة. هذا "المانيفستو"، وبعيداً عن انتهازية الشعبويين في "غزو" المهاجرين والمسلمين، يلتقي في بعض جوانبه على معاداة صريحة للطبقة والمؤسسات السياسية التقليدية، لعوامل متداخلة ومختلفة. وللمفارقة يلتقون على اعتبارها "ثورة" عليها. وعليه، فإن الأعين الأمنية، متمعنة بالمشهد الأميركي، تراقب بجدية ساحاتها الداخلية. ومن الواضح أن آمال معسكري يسار ويمين الوسط تذهب نحو اعتبار يوم 6 يناير درساً، تحت مطرقة الكونغرس الأميركي، بما يُفقد معسكر التطرف العنفي الأوروبي بريقه، الذي راكمه خلال سنوات حكم الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب. وإن كان لا ضمانة، لخصوصية وعمق أزمات بعض دول الاتحاد الأوروبي.
وبين الأمرين، يُبقي الأوروبيون العاديون على أملهم في غلبة مؤسساتهم ودساتيرهم، للوقاية من العودة إلى مشهد صعود "القمصان الداكنة" في أوروبا في ثلاثينيات القرن الماضي. فمخاوف الأوروبيين ليست تهيؤات، بل تستند إلى وقائع وخطاب متصاعد مع الأزمات. إذ لم تعد الصلات النازية والفاشية سراً، لبعض شخصيات أحزاب اليمين القومي المتعصب، من السويد إلى ألمانيا، كحزبي "ديمقراطيي السويد" و"البديل لأجل ألمانيا". وهو ما استمرت تفضحه الصحافة، المُتهمة بأنها "يسارية متطرفة". ولعل المشهد الإيطالي يثير الانتباه، في تحول حركة "إخوة إيطاليا" الفاشية إلى جزء من العملية السياسية، برعاية شعبوية، ومثله المشهد الفرنسي في شرعنة زعيمة "التجمع الوطني" ("الجبهة الوطنية" سابقاً)، مارين لوبان، لخطاب الكراهية والتحريض، ووقع في مطبهما ساسة تقليديون. وتلك مجرد أمثلة بسيطة على تسلق الفاشية لسلم السياسة والمجتمع، بتضخيم وتخويف مقصودين.
صحيح أن السياسيين التقليديين يراهنون على أن يمثل اقتحام الكونغرس حالة منفرة لجمهور معسكرات التطرف العنفي، بيد أن اليوم الأميركي التالي، لاستلام جو بايدن الرئاسة، ربما أصبح أحد مشاغل النخب الديمقراطية والثقافية الأوروبية، لتداخل المشهدين.