أوروبا... عام بعد الحرب على غزة

04 أكتوبر 2024
من تظاهرة في مرسيليا الفرنسية تطالب بوقف حرب غزة، 29 سبتمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهد الرأي العام الأوروبي تحولاً بعد "السابع من أكتوبر"، حيث أصبح جيل زد أكثر تفهماً للحق الفلسطيني، مما شكل ضغطاً على الطبقات السياسية رغم تبعية أوروبا لأميركا وتأثرها بمشاريع نتنياهو.

- عبرت أوروبا عن امتعاضها من جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة عبر خطاب جوزيب بوريل، لكن العقلية الاستعمارية القديمة لا تزال تؤثر على موقفها تجاه الاحتلال.

- تواجه أوروبا تحديات في الحفاظ على موقفها المتضامن مع فلسطين، ويتطلب الأمر جهداً عربياً لترسيخ المكاسب وفتح نقاش مع بروكسل للاعتراف بفلسطين وفرض عقوبات على الاحتلال.

يصعب إنكار التغير الحاصل على مستوى الرأي العام الأوروبي بعد عام على "السابع من أكتوبر". نعم، جيل زد الأوروبي، بصفتهم قادة مستقبل، أكثر تفهماً للحق الفلسطيني. وساهم هذا الجيل، مع جيل شاب فلسطيني-أوروبي في مواجهة تحيّز وسائل الإعلام التقليدية للاحتلال الإسرائيلي. والصحيح أيضاً أن تراكم الوعي بقضية فلسطين شكّل ضغطاً على الطبقات السياسية الحاكمة، وإن بشكل نسبي.

الامتعاض الأوروبي من الحمل الثقيل لجرائم الحرب الإسرائيلية، بكل تفاصيلها في قطاع غزة، والحرج من النبرة العنجهية لبنيامين نتنياهو، عُبّر عنهما بخطاب إعلامي قدّمه مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل. مع ذلك كله، وغيره كثير، فإن الجار الأوروبي لم يتخلَ بعد عن تبعيته للحليف الأميركي فيما يتعلق بقضية فلسطين ومشاريع نتنياهو، التي تؤثر بصورة مباشرة على مصالح أوروبا. أضف إلى ذلك أن أوروبا غير محكومة من ساسة من طراز السويدي أولف بالمه، أو النمساوي برونو كرايسكي، بل بالعقلية الاستعمارية القديمة، حيث تل أبيب جزء منها.

بالطبع تملك القارة بعض العقلانية، التي يمكن أن تترجِم امتعاضها من تل أبيب إذا ما تضافر جهد عربي يذكّرها بمصالحها العميقة مع المنطقة. فترك العرب غيرهم يقررون مستقبل منطقتهم سيجعل الامتعاض الأوروبي من عجرفة نتنياهو ومعسكره حالة يتعايش معها، مثلما تعايش مع كل تداعيات احتلال 1967 والعقود الأخيرة من حديث أجوف عن عملية السلام ونسف اتفاق أوسلو، ومع تصويت الكنيست بوقاحة على رفض الدولة الفلسطينية.

الواقع اليوم، وهو كلام قد يُغضب البعض، ليس "الدقائق الأخيرة" لهزيمة المشروع الصهيوني. بالتالي ما تحقق أوروبياً ليس مسلّماً ثابتاً، بدون جهد عربي وفلسطيني لترسيخه. فهذه الأجيال الأوروبية تعيش واقعاً يقول إن الطبقة السياسية التقليدية في دولها تزايد على اليمين المتطرف في الجرأة على استغلال فرص تشويه النضال والمقاومة الفلسطينية، لفرض تكميم أفواه بحق القوى الأوروبية المتضامنة مع فلسطين نيابة عن اللوبيات الصهيونية، باختراع "مخططات إرهابية" و"معاداة سامية".

وسط كل ذلك، إذا ما تُركت الأمور فقط لما تحقق في عام مضى وبدون تأثير ومثابرة، فليس حكيماً استبعاد سيناريو توسع نفوذ معسكر اليمين الأوروبي القومي المتطرف، أو الترامبيين (نسبة لدونالد ترامب)، حليف الصهيونية بعد سنوات من اتهامه بمعاداة اليهود، بخلطه بين كراهية المهاجرين والمسلمين والسياسة الخارجية. وبافتراض استمرار الوضع العربي في حالة غيبوبة، وتواصل الانقسام الفلسطيني على سراب، فسنكون أمام مقررة سياسات خارجية أوروبية، الإستونية كايا كالاس، أكثر تظهيراً لتحيزها لتل أبيب، كما تفعل رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين.

المسألة لا ترتبط بتشاؤم وتفاؤل، بل بانتباه إلى الواقع الذي تجهد فيه الأوساط الصهيونية لإعادة إمساكها بزمام السردية الصهيونية التي سبقت التغيرات الحاصلة. فبعض القوى الأوروبية باتت اليوم تطرح ما يشبه حلولاً لمعضلة تل أبيب الديمغرافية مع الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية. وتقحم بعض الجامعات والمستويات الأكاديمية في بعض دول الاتحاد الأوروبي لتقديم سيناريوهات ومشاريع إعادة إعمار غزة بطريقة تتوافق تماماً مع الرؤية الصهيونية المستقبلية، كما ينسحب الأمر نفسه على الضفة الغربية المحتلة. ذلك إلى جانب جعل قضية فلسطين محصورة في ما يسمى "مشروع إيران"، وليس مسألة مقاومة الاحتلال وحق تقرير المصير والاستقلال. أمام ذلك كله، يمكن مواجهة إمكانية تراجع ما يتراكم على مستوى النخب الأوروبية من خلال ذهاب "تحالف الراغبين" من السياسات الرسمية العربية لفتح نقاش جدي مع بروكسل وسياسات كل دولة في الاتحاد الأوروبي للاعتراف بفلسطين على حدود 1967، كما فعلت دول منفردة، ولفرض عقوبات ضاغطة على دولة الاحتلال في ترجمة حقيقية لخطاب أوروبا السياسي.
 

المساهمون