كشف مصدر موثوق في وزارة الدفاع الأميركية لـ"العربي الجديد"، أن وكالة الاستخبارات العسكرية (دي آي إي)، قدمت تقريراً موجّهاً الى كل من القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ووزير الدفاع الأميركي، تشاك هاغل، عشية الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الحالي، يتضمن طلباً صريحاً بإرسال قوات برية ضاربة لاجتياح سورية في أقرب وقت ممكن لحماية الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا من خطر محتمل بنسبة عالية وإن لم يكن خطراً وشيكاً.
وأوضح المصدر أن التقرير يتضمن تبريرات مهمة أقنعت وزير الدفاع، لكنها لم تقنع أوباما، ومن بينها اكتشاف مراكز تدريب خطيرة لصنع متفجرات ذات تقنية لا تكتشفها أجهزة التفتيش في المطارات تعمل على تطويرها جماعات في سورية مرتبطة بـ"القاعدة" في كل من باكستان واليمن، ولم يرد اسم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بينها.
وجاء في التقرير، وفقاً لما أكده المصدر، أن وكالة الاستخبارات العسكرية بالتعاون مع وكالات أخرى وأجهزة استخبارات إقليمية، رصدت تزايداً في حركة الاتصالات بين التنظيمات "القاعدية" في البلدان الثلاثة بطريقة تخشى الاستخبارات بأن هناك عملية كبيرة جداً يجري الإعداد لها عن طريق جهد قاعدي متكامل عابر للحدود، من أشخاص تلقوا تدريبات في اليمن على صنع المتفجرات بإشراف السعودي، إبراهيم العسيري، خبير المتفجرات الذي استهدفته طائرات "الدرونز" الأميركية ولم تستطع الاستخبارات الغربية تحديد مصيره حتى الآن.
وكانت "العربي الجديد" علمت، سابقاً، أن البحث عن العسيري توقف بعد أن تأكد للأجهزة الأميركية أنه تمكن من نقل تقنية صنع المتفجرات التي عمل على تطويرها، ولا ترصدها أجهزة كشف المعادن، إلى آخرين يقومون أيضاً بتدريب غيرهم على صنعها. وتخشى وكالات الاستخبارات الأميركية أن يشارك في تنفيذ الهجمات المحتملة أعداد من المقاتلين الأجانب في صفوف "داعش" أو غير "داعش" ممن يحملون جوازات سفر غربية.
وقال المصدر، إن التقرير المشار إليه قوبل من الرئيس الأميركي باستخفاف رغم أنه أمضى يومين في دراسته مع مستشاريه في البيت الأبيض قبل أن يرد على وزير الدفاع بأن التقرير لا يحمل أي أدلة على وجود خطر وشيك.
وعندما نقل وزير الدفاع هذا الرد لمسؤولي الاستخبارات وجنرالات البنتاغون، أبدى بعضهم غضباً شديداً، قائلين للوزير: "دعه ينتظر الأدلة من جماعة خراسان عندما تقدّمها له واضحة إلى الجناح الغربي في البيت الأبيض ليراها بعينه".
وبدا من حديث المصدر قدراً من التشنج والغضب إزاء أوباما والمقربين منه في البيت الأبيض، الأمر الذي يؤكد الأنباء عن وجود خلافات وتوتر بين مسؤولي البيت الابيض والبنتاغون تجاه التعامل مع الملفين السوري والعراقي.
ووفقاً للمصدر، فإن بعض كبار مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية من مدنيين وعسكريين، طلبوا من هاغل تحميل أوباما المسؤولية التاريخية إذا تعرضت الولايات المتحدة الى هجمات، ولم يعرف ما إذا كان الوزير أبلغه ذلك أم لا، لكن أوباما التقى كبار الجنرالات بعد ذلك في تامبا في ولاية فلوريدا، وتعاملوا معه بكل احترام وأعربوا عن جوانب قلقهم بهدوء، حسب المصدر ذاته.
إهداء الأجانب لحزب الله والحوثيين
وفي سياق متصل، كشف محللون عسكريون أميركيون لـ"العربي الجديد" أن رموز الدوائر البحثية العسكرية في وزارة الدفاع الأميركية، بما فيها جامعة الدفاع الوطنية، تناقشوا مع محللين مستقلين منذ أسابيع عدة حول سيناريوهات محتملة لنتائج الضربات الجوية الأميركية على التنظيمات المتطرفة في سورية والعراق. وتحفّظ المحللون الذي التقتهم "العربي الجديد" في مبنى البنتاغون عن ذكر أسمائهم، لكنهم لم يترددوا في الإعراب عن قناعاتهم التي يمكن إجمالها في استنتاجات رئيسية: أولها حتمية الاجتياح البري للأراضي السورية لاجتثاث خطر "داعش" وغير "داعش" والمراكز العصبية للإرهاب المحتمل، حتى لو تم انتظار انتهاء فترة رئاسة أوباما لتحقيق ذلك. ويعتقد معظم المحللين أن الضربات الجوية مهما استمر أمدها فإنها ليست إلا عاملاً مساعداً للعمليات البرية ولا يمكن أن تنوب عنها.
أما ثاني الاستنتاجات، فهو أن فكرة الاستعانة بالشركاء قد تصلح للعراق، ولكنها لا تصلح لسورية لأن النظام فيها معادٍ للولايات المتحدة.
بينما يبقى الاستنتاج الثالث والأهم، هو أن الضربات الجوية أو الاجتياح البري أو كليهما سوف يقودان إلى هروب المقاتلين الأجانب إلى لبنان أولاً، ثم إلى اليمن، وهو ما سبق أن أكّده تقرير غربي وصل إلى بيروت، مفاده أن لبنان سيكون الملجأ الأول لـ"داعش" فور بدء الغارات الأجنبية على سورية. ووفقاً لما توفر لـ"العربي الجديد" من معلومات من المصادر ذاتها، فإن راسمي الخطط الاستراتيجية والتكتيكية يحبذون مثل هذا النزوح بل يطالب بعضهم بتهجير متعمد لهم، لأنهم في لبنان سوف يصطدمون بقوة أيديولوجية مضادة هي "حزب الله" وفي اليمن سوف يصطدمون بقوة مضادة مماثلة هي حركة "أنصار الله" المعروفة إعلاميّاً باسم الحركة الحوثية.
ووفقاً لتلك الخلاصات، فإن المؤسسات الدفاعية الأميركية ناقشت مثل هذا الاحتمال قبل أن تستولي الحركة الحوثية على العاصمة اليمنية صنعاء، وهو ما يدل على احتمال وجود علم مسبق لدى الأميركيين أو توقّع مسبق لما كان ينوي الحوثيون أن يقوموا به.
ويدعم هذا الاستنتاج ما يتردد من معلومات في الصحافة اليمنية من أن التقدم الحوثي المفاجئ نحو العاصمة اليمنية لم يأتِ بمعزل عن الحسابات الدولية والإقليمية، إذ أن إدارة أوباما تدرك أن الحكومات المتعاونة يمكن أن تقوم بدور فعال في مطاردة عناصر "القاعدة" أو غيرها، ولكن هذه الفعالية لن تصل إلى فعالية الصراع العقائدي الذي يمكن أن يُستغل سياسيّاً لتحجيم خطر الطرفين من دون الحاجة الى دفع مبالغ طائلة لأنظمة نجحت على مدى السنين الماضية في تحويل الحرب على "القاعدة" إلى تجارة رابحة.
يشار إلى أن المسلحين الحوثيين هم من يحرس مداخل المنطقة المحيطة بالسفارة الأميركية في صنعاء، وفقاً للصور الواردة من العاصمة اليمنية بعد أن انسحبت قوات الأمن أو تلاشت فجأة. وقد يؤدي أسلوب الحوثيين الجديد في حماية المصالح الأميركية، إلى جعل الأميركيين يعيدون النظر في فكرة فصل الجنوب اليمني عن شماله تمهيداً لإتاحة المجال للحوثيين بإقامة دولتهم الخاصة في صنعاء.
ولكن من التفسيرات الأخرى التي لا يجوز إهمالها فيما يتعلق بالتجاهل الأميركي لما يحدث في اليمن، أن هذا التجاهل يندرج في إطار الأخطاء التي يرتكبها أوباما في سياساته الخارجية، علاوة على تأثير "داعش"، من حيث أنه شَغَل الإدارة عن أي هموم أو أخطار أخرى.