تسيطر مشاهد الدمار وحطام الأبنية على كافة أحياء ومدن ومخيمات وبلدات قطاع غزة بشكل غير مسبوق. أحياء سويت بالأرض وأخرى طلب الاحتلال الإسرائيلي إخلاءها تمهيداً لتدميرها، بما يشبه ضرب زلزال عنيف لمنطقة سكنية مكتظة.
في موازاة ذلك، يخشى الغزّيون من الحرب البرية التي يتوعد بها الاحتلال قطاع غزة، والتي شهدها السكان في حرب 2008 -2009، التي لا تزال مشاهد الدمار والإعدام الميداني حينها عالقة في أذهانهم.
ففي تلك الفترة نفذ جيش الاحتلال توغلاً برياً محدوداً، لكن نتائجه كانت قاسية على سكان غزة، رغم قسوتها على الاحتلال أيضاً نتيجة تصدي المقاومين له.
كذلك تحضر صور من حرب عام 2014 حين نفذ الاحتلال جرائم حرب واسعة النطاق، ومحى حي الشجاعية شرقي مدينة غزة عن الوجود، فيما دمر وأحرق أحياء شرق خان يونس بعد توغله برياً فيها.
يعيش في غزة حوالي 2.3 مليون شخص في مساحة 365 كليومتراً مربعاً
وغزة، ذات المساحة المحدودة الممتدة على 365 كيلومتراً مربعاً، وواحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم حيث يعيش فيها حوالي 2.3 مليون شخص (بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني) في خمس محافظات رئيسية، تضم مدناً ومخيمات لاجئين ذات بنية تحتية مهترئة لم تُحدّث منذ عشرين عاماً، نتيجة للحصار الإسرائيلي وانعدام التمويل، إلى جانب الحروب المتكررة.
أوضاع إنسانية صعبة مع استمرار قصف غزة
ليل غزة، هذه الأيام يشبه نهارها من حيث التوحش الإسرائيلي، لكن جيش الاحتلال يتعمد زيادة قصفه للمنازل والأحياء في ساعات الليل الحالك، ليزيد من الرعب والقلق في صفوف المدنيين، لتدفيعهم ثمن ما فعلته المقاومة في هيبة جيشه، السبت الماضي، في عملية "طوفان الأقصى".
ويهرع الناس في غزة من الموت ليجدوه في مكان آخر. فبينما يخلي السكان منازلهم بعد تحذير جيش الاحتلال بقصفها، يعود ويستهدفهم في المناطق التي نزحوا إليها، فيما لم تعد هناك أي بقعة آمنة وبعيدة عن الاستهداف الإسرائيلي.
في غضون ذلك لم تعد الخدمات الحيوية والضرورية موجودة في القطاع إلا بحدودها الدنيا، فلا مياه ولا غذاء ولا كهرباء ولا وسائل اتصال طبيعية، كل شيء أصبح من الماضي أو يكاد.
حتى الشهداء لم يعودوا يحظون بتوديع عوائلهم أو بمراسم للتشييع. قلة هم من يتمكنون من توديع شهدائهم ودفنهم بعد الصلاة عليهم في المقابر لا في المساجد، وبأعداد لا تزيد عن العشرة مشيعين.
المساجد أُغلقت هي الأخرى، إلا بعضها، وعشرات منها قُصفت أو تضررت، فيما يرفع الأذان في كثير منها وسط الخشية من استهدافها وتدميرها فوق رؤوس المصلين.
الجامعات أيضاً مهددة بعد تدمير كبير طاول "الجامعة الإسلامية"، أكبر جامعات القطاع، ومحو مبان كاملة فيها وتضرر أخرى بفعل القصف الممنهج.
أما المواقع الحكومية فمعظمها أصبحت ركاماً، حتى تلك الخدمية التي لا علاقة لها بالسياسة مُسحت عن الوجود. وبات تقديم الخدمات صعباً وشبه مستحيل، بما فيها خدمات الدفاع المدني والإسعاف والطوارئ.
وفي خضم كل ذلك يتناقل الناس بكثرة تهديدات الاحتلال بمحو غزة وتهجير سكانها إلى سيناء شرقي مصر، لكنهم يقولون لا هجرة ثانية بعد هجرة عام 1948.
صعوبات إيواء النازحين في قطاع غزة
لم يعد في قطاع غزة أماكن جاهزة للإيواء، فالمدارس التي فتحتها "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا) والحكومة، امتلأت بالنازحين واقتربت من استنفاد طاقتها الاستيعابية. عبد الناصر الزعانين تمكّن من النزوح من بلدته، بيت حانون شمالي قطاع غزة، مع 13 فرداً من عائلته في اليوم الثاني للعدوان الإسرائيلي.
ولجأ مع كثير من سكان البلدة إلى مدارس الإيواء التابعة لـ"أونروا" في بلدة بيت لاهيا ومخيم جباليا.
عبد الناصر الزعانين: لم يتوقع أحد أعداد النازحين الكبيرة
يحكي الزعانين لـ"العربي الجديد" كيف ترك سكان البلدة منازلهم مع اشتداد القصف الإسرائيلي والتهديد بمزيد من الاستهداف، وتوعّد من بقي في المكان.
ويشير الزعانين إلى صعوبات جمة في مراكز الإيواء "حيث لم يكن يتوقع أحد أعداد النازحين الكبيرة"، موضحاً أن "أونروا" وجهات خيرية تعمل ما بوسعها لإعطائهم ما يكفيهم من أكل وشرب، لكن هناك نقص عموماً في المتوفر من الأغطية والفرش.
أما السيدة نصرة حمد، والموجودة في مركز إيواء مدرسة الفاخورة غربي مخيم جباليا، فكانت في حالة نفسية صعبة بعد أن فقدت الاتصال بأحد أشقائها. وتقول في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "لم يتبقَ أحد في بيت حانون بخير، ما يجري جريمة ضد كل فلسطيني وعقاب يستهدف تركيع الفلسطينيين وتهجيرهم".
وتشير إلى أن "الجميع ينام في خوف ويصحو في خوف وظروف الأطفال النفسية لا تسر أحداً. كلنا إذا نجونا من الموت نحتاج لعلاج نفسي طويل، الموت أقرب لنا من الحياة".