- مجموعة الهيمد، المرتبطة بالاستخبارات العسكرية وداعش، ومجموعة اللباد، تحت زعامة "الشبط" ومرتبطة بأمن الدولة، تورطتا في انتهاكات بحق المدنيين، مما يعكس تعقيد الوضع الأمني وتشابك الولاءات.
- استراتيجية النظام السوري "دع العدو يقتل نفسه بنفسه" منذ 2018 تفاقم العنف بين المجموعات المسلحة المحلية، مما يؤدي إلى تقسيم درعا، تعميق الانقسامات، وزيادة الضحايا المدنيين.
يسيطر الهدوء الحذر على مدينة الصنمين في ريف درعا الشمالي، جنوبيّ سورية، بعد أحداث دامية جراء اشتباكات بدأت يوم الأحد الماضي بين مجموعتين أمنيتين تابعتين للنظام السوري، واحدة بقيادة محسن الهيمد مرتبطة بشعبة الاستخبارات العسكرية، وأخرى بزعامة أحمد اللباد الملقب بـ"الشبط"، مرتبطة بجهاز أمن الدولة. وأدت الاشتباكات إلى مقتل العشرات، وهو ما كان له وقع الصدمة على السوريين، ولا سيما أن بين القتلى أطفالاً ونساءً.
وبيّنت مصادر محلية في مدينة الصنمين طلبت عدم ذكر اسمها، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ مجموعة الهيمد ارتكبت انتهاكات جسيمة بقتلها عدداً من أفراد أسرة اللباد، بينهم امرأة وطفلان قتلوا حرقاً. وبدأت الأزمة بين المجموعتين يوم السبت الماضي عقب مقتل ثمانية أطفال كانوا يلعبون في أحد أحياء المدينة جراء انفجار عبوة ناسفة كان قد زرعها مسلحون. ولم تُعرف ملابسات ما جرى، خصوصاً أن اللباد نفى مسؤوليته عن تفجير العبوة، مشيراً إلى أن الأطفال القتلى من أبناء عمومته وأقاربه، بل اتهم مجموعة تتبع للهيمد بالوقوف وراء التفجير، وهو ما أشعل فتيل الاشتباكات.
أيمن أبو محمود: تدخل "داعش" في اشتباكات الأحد
وأوضحت مصادر محلية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن مجموعة الهيمد اتخذت الحادثة عذراً لاقتحام منازل آل اللباد وإضرام النار فيها، وحرق من كان بداخلها. وأحصت شبكات إعلامية محلية، ومنها تجمّع أحرار حوران (شبكة إعلامية محلية تنقل أخبار الجنوب السوري) مقتل 19 شخصاً جرّاء الاشتباكات، 12 مسلحاً من مجموعة اللباد، و5 مدنيين من أقارب اللباد، بعد اقتحام مجموعة الهيمد الحيّ الذي يقطنون فيه بالإضافة إلى مقتل عنصرين من مجموعة الهيمد.
وقال المتحدث باسم تجمّع أحرار حوران، أيمن أبو محمود، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إنّ "مجموعة الهيمد تابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الذي يمدها بالسلاح والذخيرة، ولديها ارتباط معروف وواضح مع تنظيم داعش". وأوضح أن "عدد عناصر المجموعة يبلغ أكثر من مائة شخص، ومرتبطة بمجموعات أخرى صغيرة"، مشيراً إلى أن "داعش، المتمركز في البادية السورية، يمدها بالعناصر، ممّن شاركوا في اشتباكات الأحد وأحرقوا المنازل". في المقابل، أشار أبو محمود إلى أنّ عدد أفراد مجموعة "الشبط" بالعشرات وتأسست في الصنمين في عام 2017 على يد الأجهزة الأمنية.
وتطرق أبو محمود إلى انتشار مجموعات محلية غير منضبطة، لكنها مرتبطة بالأجهزة الأمنية، مثل مجموعة أبو علي اللحام التي تنشط في الريف الشرقي، وكانت جزءاً من فصائل المعارضة قبل ارتباطها بجهاز المخابرات الجوية. ولفت إلى أنه توجد في الريف الشرقي مجموعة بقيادة محمد عماد الكردي في بلدة المسيفرة، وتتبع أيضاً جهاز المخابرات الجوية. كذلك هناك مجموعة ثالثة بقيادة محمد سلطان الكراحشة تتبع المخابرات الجوية، ومعظم عناصرها من البدو سكان منطقة اللجاة، وهي تحتمي بمجموعة اللحام. وأوضح أبو محمود أن هناك مجموعة أخرى في منطقة نصيب على الحدود السورية الأردنية بقيادة عماد أبو زريق وتتبع الاستخبارات العسكرية.
وأشار إلى أن اللجان المركزية تضم مجموعات مسلحة، مثل مجموعة أبو مرشد البرداني، الذي ينسق مع شعبة الاستخبارات العسكرية، ولكنه لا يخرج عن خط اللجان. مع العلم أن "اللجان المركزية" تضمّ وجهاء محليين وقادة سابقين في فصائل المعارضة لمتابعة تنفيذ اتفاق التسوية الموقع مع النظام منذ 2018 وتدير جانباً من ريف درعا الغربي. وأوضح أبو محمود أن هذه المجموعة نفذت اغتيالات بحق مرتبطين بتنظيم "داعش" في المحافظة خلال السنوات الماضية. وعن "اللواء الثامن"، قال أبو محمود إنه يتبع إدارياً شعبة الاستخبارات العسكرية، ما يفسر عدم تدخله في أحداث الصنمين، مضيفاً أن هناك قيادات في اللجان المركزية مرتبطة بشعبة الاستخبارات.
ولعل "اللواء الثامن" بقيادة أحمد العودة والتابع للجانب الروسي وشعبة الاستخبارات العسكرية، من أبرز القوى في ريف درعا الشرقي، وهو تشكل بدفع روسي من عناصر كانت ضمن فصيل "شباب السنّة" الذي كان تابعاً لفصائل المعارضة قبل عام 2018، ومركزه مدينة بصرى الشام. ونفذ "اللواء الثامن" واللجان المركزية عمليات عدة ضد خلايا تنظيم "داعش" في المحافظة، واستطاعت قتل العديد من قيادييه.
أسعد الزعبي: النظام يتبع منذ تسوية 2018 مبدأ "دع العدو يقتل نفسه بنفسه"
في السياق، قال الناشط الإعلامي يوسف المصلح، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "مجموعة الهيمد لم يكن لها وجود قبل إبرام التسوية مع النظام في عام 2018"، مشيراً إلى أنها تأسست على يد الاستخبارات العسكرية في عام 2020. وعن مصادر تمويل هذه المجموعة، قال المصلح إنها تعتمد على تجارة المخدرات. وقال إنها مرتبطة مباشرةً باللواء كفاح ملحم (رئيس مكتب الأمن الوطني المشرف على عمل الأجهزة الأمنية)، والعميد لؤي العلي، رئيس فرع جهاز الأمن العسكري في درعا. ولفت إلى أن عناصر المجموعة الذين أصيبوا الأحد الماضي، يتلقون العلاج حالياً في مستشفى الصنمين العسكري التابع لقوات النظام.
وتعليقاً على ما جرى في مدينة الصنمين، اعتبر المحلل العسكري العميد أسعد الزعبي، وهو من أبناء المحافظة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن النظام "اتبع منذ اتفاق التسوية في عام 2018، أسلوباً يقوم على مبدأ (دع العدو يقتل نفسه بنفسه)، الذي يُعَدّ أحدث طرق القتال، واستخدمه الروس في الشيشان قبل نحو ربع قرن". وشرح أن النظام قسّم محافظة درعا إلى قسمين، هما الريفان الغربي والشرقي، يفصل بينهما الطريق الدولي الذي يربط درعا بالعاصمة دمشق، وضم المجموعات التي كانت تقاتله ولم تذهب إلى الشمال السوري، وفق اتفاق التسوية، إلى أجهزته الأمنية.
واعتبر الزعبي أن "اللواء الثامن" يرفع راية النظام ويتقاضى عناصره رواتبهم منه، ويتزود بأسلحة وذخيرة منه ويقاتل بأوامر منه، وكذلك الحال في غالبية مجموعات اللجان المركزية. وأشار إلى أن النظام "زرع في كل المدن والبلدات مجموعات متفلتة ومليشيات يديرها لمصلحته ويدفعها بين وقت وآخر إلى الاقتتال فيما بينها، من خلال العديد من الذرائع". ووفقاً للزعبي، فإن النظام يخلق خلافات وهمية بين أجهزته الأمنية، لتدخل المجموعات المرتبطة في اقتتال ينتهي بمقتل عدد كبير من عناصرها. ورأى أن ما حدث في مدينة الصنمين من قتل وحرق للأطفال "فعل إجرامي شنيع"، مبدياً أسفه أن البندقية تتوجّه إلى صدور الأبرياء من أبناء المنطقة. كذلك أعرب عن اعتقاده أن النظام يريد القضاء على أهالي المحافظة من خلال مجموعات تضمّ عناصر من أبنائها.