أهالي بيتا يستنسخون تجربة "الإرباك الليلي" من غزة

نابلس

سامر خويرة

سامر خويرة
21 يونيو 2021
أهالي بيتا يستنسخون تجربة "الإرباك الليلي" من غزة
+ الخط -

ما أن يحلّ الظلام على بلدة بيتا، إلى الجنوب من مدينة نابلس، شمال الضفّة الغربية المحتلة، حتى تصدح مكبّرات الصوت في المساجد بآيات قرآنية، ثم تعلو تكبيرات وهتافات مئات الشبان من أبناء البلدة، وهم يقتربون من قمّة جبل صبيح، الذي أقام عليه المستوطنون، قبل أكثر من شهر، بؤرة استيطانية أطلقوا عليها اسم "أفتار". ويحاول أهالي بيتا، إخافة المستوطنين وإرباك جنود الاحتلال الإسرائيلي، الذين يتولون حراسة المكان، في فعاليات تحاكي تجربة "الإرباك الليلي" التي ابتكرها أهالي قطاع غزة، خلال المسيرات السلمية التي نظموها على حدود القطاع، قبل أعوام. ولا تنتهي خطّة سكّان بيتا عند هذا الحد. فمع تقدم الليل، تتزايد أعداد الزاحفين إلى النقطة الأقرب من الجبل، والذين يقومون بإشعال الإطارات المطّاطية، كما يحاولون الوصول إلى أعمدة الكهرباء لقطع التيار الكهربائي والإنارة عن المنطقة بأكملها. ويصاحب ذلك إطلاق هتافات ثورية، في محاولة لبث الخوف في قلوب المستوطنين.

إرباك ليلي حتى الرحيل

تحاكي هذه الفعاليات أسلوب "الإرباك الليلي" الذي يستخدمه أهالي قطاع غزة ضد جنود الاحتلال والمستوطنين على الشريط الحدودي. واعتمد أهالي بيتا الأسلوب ذاته، لإشعار المستوطنين بعدم الأمان ودفعهم إلى الرحيل.

يريد أهالي بيتا إشعار المستوطنين بعدم الأمان ودفعهم إلى الرحيل

يؤكد الشاب م. ج. (تتحفظ "العربي الجديد" على ذكر اسمه كاملاً)، أن "أهالي بيتا لن يعدموا أي وسيلة لإجبار المستوطنين على الرحيل، وتحرير الجبل من هيمنتهم، فتاريخ بيتا حافل بالمواجهة معهم، وقد انتصرنا عليهم دوماً، وأجبرناهم في أكثر من مرة على التراجع، وأفشلنا مخططاتهم، لذا فإن بيتا من البلدات القليلة في الضفة الغربية، التي لا يوجد استيطان على أرضها، ولن نسمح بوجوده ما دمنا أحياء".
ويتابع الشاب الفلسطيني، في حديث لـ"العربي الجديد": "نسعى لتعزيز المواجهة من خلال استنساخ ما نجح فيه أهلنا في غزة خلال مسيرات العودة وحتى اليوم، عبر أسلوب الإرباك الليلي، وهذه الفكرة لاقت قبولاً كبيراً من الشبّان والفتيان، خصوصاً أولئك الذين يملكون الجرأة والشجاعة على الإقدام والاقتراب لمسافات قريبة جداً من بيوت المستوطنين وثكنات جيش الاحتلال".

الشاب الذي شكّل فريقاً يضم نحو 30 شخصاً، درسوا الأساليب التي اتبعها أهالي غزة في إنجاح "الإرباك الليلي"، يضيف في حديثه: "نريد الاستفادة من تجاربهم، فالعدو واحد، لذلك فنحن نتواجد ليلياً في محيط جبل صبيح، ونُقسّم الأعمال بيننا". ويشرح أن "مجموعة تعمل على تشغيل مكبرات الصوت في المساجد لبثّ القرآن، ونحن نعلم أن المستوطنين يشعرون بالخوف عندما يسمعون القرآن، حيث يُهيأ لهم أن هجوماً كبيراً سوف يتعرضون له. في حين يستخدم آخرون مضخمات الصوت اليدوية لإطلاق التكبيرات الجماعية، والهتافات المصحوبة بالصراخ". ويلفت في هذا الإطار إلى أن "بعض الشبان يجيدون اللغة العبرية، فيستخدمونها في توجيه رسائل للمستوطنين باللغة التي يفهمونها، مثل: ارحلوا. هذه أرضنا. طالما بقيتم هنا، لن نترككم تعيشون بهدوء".

الفرقة الأخطر، هي تلك التي تغامر وتحاول الاقتراب من بيوت المستوطنين

الفرقة الأخطر، هي تلك التي تغامر وتحاول الاقتراب أكثر من بيوت المستوطنين. ويقول الشاب عنهم: "هؤلاء صدقاً فدائيون، لديهم إقدام وشجاعة لا توصف. حفظوا الطريق إلى قمّة الجبل عن ظهر قلب. يتسللون بين الأشجار ويصعدون بهدوء تام لعدم لفت أنظار جنود الاحتلال المنتشرين بكثافة في محيط البؤرة من كلّ الاتجاهات، وعندما يصلون إلى نقطة قريبة جداً من البيوت، يشعلون النار في الأعشاب هناك لتعلو ألسنة اللهب. وفي إحدى المرّات، تمكنوا من حرق بيت متنقل (كرفان) يعود لأحد المستوطنين". وللتغطية عليهم، يعمد شبّان إلى قطع أسلاك الكهرباء ليحل الظلام الدامس في الموقع برمته. وبالتزامن، يبدأ فريق ثالث بتسليط أشعة الليزر على البيوت البعيدة، لتشتيت انتباه المستوطنين والحراس.

أساليب جديدة
استفاد الشبان في بلدة بيتا كثيراً من تجربة "الإرباك الليلي" في غزة، والتي تابعوا حولها عشرات الفيديوهات. ويقول الشاب ب. ش.، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "أكثر ما يخيف المستوطنين وجنود الاحتلال هو التكبيرات والأذان، ونحن نتعمد جعل الصوت مرتفعاً جداً، ونلاحظ مدى ارتباكهم، إذ يصاب جنود الاحتلال بتوتر شديد ويسارعون إلى إلقاء القنابل المضيئة للكشف عن محيط المنطقة، وإطلاق النار على كل ما يتحرك، ولو كان حيواناً".

ومن أساليب الإرباك الليلي كذلك، إغلاق الطرق الفرعية الموصلة إلى البؤرة الاستيطانية "أفتار"، إما بالحجارة الكبيرة أو بالسواتر الترابية، أو بحفر تلك الطرق لإعاقة تقدم مركبات المستوطنين. كما يعمد الشبان إلى إطلاق الألعاب النارية وتسليط أضواء الليزر على البيوت الاستيطانية ليلاً. ويشير الأهالي إلى أنهم في إحدى المرات سمعوا أصوات المستوطنين وصرخاتهم، طالبين النجدة من جيش الاحتلال والإطفاء لإنهاء الكابوس الذي عانوه، نتيجة إشعال الإطارات في أكثر من منطقة حول البؤرة الاستيطانية.

نقلة نوعية في أساليب المقاومة الشعبية، تسجل باسم أهالي بيتا في الضفة الغربية، وفق مدير مكتب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية في شمال الضفة، مراد اشتيوي. ويقول اشتيوي، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا شك في أن هذه الأشكال الجديدة من المواجهة، تستنفد العدو وقواه وقواته، وتكلفه مادياً أيضاً". ويضيف اشتيوي: "نعمل على تعميم الفكرة على بقية المواقع في الضفة الغربية، إذ أنها نريدها مهارة حياتية، مع الاختلافات الجغرافية التي قد تفرض نفسها هنا أو هناك". ويلفت إلى أنه "في حال كان الإرباك الليلي صعباً، سنلجأ إلى الإرباك النهاري"، مؤكداً أنها "حالة شاملة في مواجهة الاحتلال والاستيطان، لا تقتصر على مكان أو وقت بعينه".

 

ذات صلة

الصورة
جنديان إسرائيليان يعتقلان طفلاً في الضفة الغربية (حازم بدر/ فرانس برس)

مجتمع

بالإضافة إلى الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، لا يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن التنكيل بالضفة الغربية، فيعتقل الأطفال والكبار في محاولة لردع أي مقاومة
الصورة
ميديا بنجامين (حسابها على إكس)

سياسة

تروي ميديا بنجامين اليهودية الأميركية الأكثر شهرة في التضامن مع غزة حادثة قاسية حصلت معها وغيّرت مجرى حياتها لتصبح الناشطة الأبرز في معارضة الحروب.
الصورة
مسيرة في رام الله تنديداً بمجزرة مخيم النصيرات، 8 يونيو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

خرج العشرات من الفلسطينيين في شوارع مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية، مساء السبت، منددين بمجزرة النصيرات التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
الصورة
الشهيد آدم فراج هو ابن شهيد أيضاً (العربي الجديد)

مجتمع

كان الفلسطيني آدم فراج يستعد لحفل زفاف شقيقته حين عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى قتله على سطح قاعة الأفراح وترك ينزف حتى الموت، ليتحجز الاحتلال جثمانه.
المساهمون