أنيل سوكلال لـ"العربي الجديد": دول "بريكس" لا تشكل تهديداً لأحد

21 اغسطس 2023
سوكلال: علينا كسر الحواجز بين شمال العالم وجنوبه (العربي الجديد)
+ الخط -

تعقد بين 22 و24 أغسطس/آب الحالي، في مدينة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، القمة الـ15 لمجموعة دول "بريكس"، بمشاركة رؤساء الصين شي جين بينغ، والبرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وجنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، وروسيا فلاديمير بوتين (عبر الفيديو)، بالإضافة إلى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وعشرات القادة وكبار المسؤولين لدول طلبت الانضمام رسمياً إلى المجموعة، من بينها الإمارات والسعودية والجزائر. وقد أعلنت وزارة التعاون الدولي في جنوب أفريقيا أن نحو 1800 صحافي وإعلامي سيشاركون في تغطية أعمال القمة.

وحول أعمال القمة والتحديات التي تواجه "بريكس"، التقت "العربي الجديد" أنيل سوكلال، سفير جنوب أفريقيا لدى المجموعة وأحد المشرفين على تنظيم أعمال القمة، وما سبقها من اجتماعات فنية على مستوى الخبراء ووزراء الخارجية، والتي بلغت نحو 200 خلال العام الحالي.

*ما أهمية قمة "بريكس" التي ستجرى خلال أيام في جوهانسبرغ، وأبرز الملفات على أجندتها؟

تعقد القمة في وقت يعيش فيه المجتمع الدولي واحدة من أكثر اللحظات تحدياً في التاريخ الحديث وحقبة ما بعد الحرب الباردة. فنحن نشهد استقطاباً متزايداً في العالم، وتتحمل البلدان الأكثر فقراً وطأة التأثير المستمر لفيروس كورونا، والصراع بين روسيا وأوكرانيا، وانعدام الأمن الغذائي وأزمة أمن الطاقة، ودول "بريكس" يجب أن تُظهر الريادة في رسم جدول أعمال جديد للعالم في مواجهة هذه التحديات.

نحن في "بريكس" نعمل كمجموعة واحدة كما هو الحال مع مجموعة السبع

تنقسم أجندة القمة بشكل عام إلى ثلاثة مجالات، سياسية وأمنية واقتصادية، ننظر فيها إلى النقاط الساخنة داخل منطقتنا وعلى مستوى العالم، وما الذي يمكن أن تفعله المجموعة لحل تلك الأزمات. ففي الحرب الروسية الأوكرانية، حاول قادة المجموعة إيجاد حلول لوقف الحرب، والتقوا الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وطرحت الصين خطة سلام من 12 نقطة، وكنا أكثر الدول إصراراً على إيجاد حل دبلوماسي للأزمة.

*من أين تنبع قوة "بريكس"، وما هي آفاق التعاون بين دول المجموعة؟

تمثل المجموعة أكثر من 40% من سكان العالم، ونحو ثلث مساحة اليابسة، وأكثر من 20% من حجم التصنيع العالمي، وما يزيد قليلاً عن 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو أكبر من الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة الدول السبع الكبرى. وقد كتب مؤخراً جيم أونيل، الذي صاغ مصطلح "BRIC" في العام 2001، (صاغ أونيل، الرئيس الأسبق لشركة "غولدمان ساكس" مصطلح BRIC في وصفه للأسواق الدولية الكبرى الناشئة، وقد كانت البرازيل وروسيا والهند والصين)، أنه بحلول العام 2030، ستشكل مجموعة "بريكس" ما يقارب 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وبالطبع حصة أكبر من التصنيع.

* ما الفرق إذاً بين عمل مجموعة "بريكس" وتجمعات أخرى مثل مجموعة العشرين والسبع الكبرى؟
مجموعة العشرين تعمل كدول مستقلة ذات سيادة، وليس كتكتل سياسي واقتصادي، ونحن في "بريكس" نعمل كمجموعة واحدة، كما هو الحال مع مجموعة السبع، وهناك تعاون ديناميكي بيننا كدول المجموعة، وهذه إشارة على قدرتنا على العمل معاً إذا كانت هناك إرادة سياسية، كما أننا منفتحون على التعاون مع أي كيان أو منطقة أخرى.

* هناك من يرى أن مجموعة "بريكس" تسعى لتغيير قواعد اللعبة الدولية، وخاصة الهيمنة الغربية ومؤسساتها وأدواتها، مثل الدولار، والأنظمة المالية مثل نظام التحويلات المالية "سويفت" وبطاقات الائتمان، والسيطرة على المنظمات الدولية مثل مجلس الأمن؟
منذ البداية سعت دول "بريكس" لإنشاء بنية حوكمة عالمية جديدة. ما قلناه هو أن الهيكل الحالي، ليس فقط السياسي بل المالي والاقتصادي، قد عفا عليه الزمن ولا يمثل واقع العالم الآن. ومن المثير للاهتمام أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ردد هذا المعنى على هامش قمة مجموعة السبع التي عقدت في اليابان مؤخراً، مشيراً إلى وضع مجلس الأمن الدولي، وإلى استمرار الالتزام باتفاقية "بريتون وودز" التي على أساسها أصبح الدولار عملة تبادل دولية. وهذا أيضاً أكده رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا ونظراؤه الأفارقة في قمة باريس مؤخراً. وهذا دليل على أنه حتى المؤسسات التي أنشأناها قد حازت على قدر كبير من الاهتمام والدعم العالمي الذي تريد البلدان التعايش معه.

*لكن بعض المراقبين يرون أن المجموعة بوزنها الاقتصادي والسياسي تمثل بالفعل تهديداً للنظام الدولي القائم؟
دول "بريكس" لا تشكل تهديداً لأي دولة أو منطقة أو المجتمع العالمي، هي مجموعة من البلدان تدافع عن مصالح المجتمع العالمي لضمان عدم وجود بنية عالمية أحادية القطب، أو ثنائية القطب. وقد أكدنا من قبل أننا لسنا بصدد التحدي أو إعلان حرب على دولة أو عملة ما، نحن نبحث عن مصالحنا، وقد طرح الرئيس الكيني وليام روتو سؤالاً: إذا كانت كينيا تتاجر مع جيبوتي فلماذا تتاجران بالدولار، لماذا ليس بالعملة المحلية؟ وعندما تتاجر الصين مع الهند لماذا لا يمكنهما استخدام اليوان أو الروبية؟ لماذا يجب علينا فقط استخدام بطاقة "فيزا كارد" أو "ماستر كارد" كطريقة للدفع؟ ألا يمكننا إنشاء أنظمتنا الخاصة. وقد نجحت عدة دول، مثل الهند والصين وروسيا، في إنشاء نظم دفع خاص بهم نتيجة للعقوبات أحادية الجانب على روسيا.

 الهدف من مجموعة "بريكس بلس" هو إقامة شراكة لتبادل المنفعة مع جميع شركائنا


لهذا السبب وقعنا منذ عدة سنوات على اتفاقية بين بنوك دول "بريكس" لبدء التداول بالعملات المحلية، لكنها خطوة أولى، ثم إيجاد أنظمة جديدة لتسوية المدفوعات. وفي هذا الإطار، أنشأنا بنك التنمية الجديد، وقررنا كخطوة أولى أن يكون 30% على الأقل من الاقتراض الجديد بالعملة المحلية، فيمكن للصين الاقتراض باليوان، ويمكن للهند الاقتراض بالروبية. لا يتعين علينا الاقتراض بالدولار ثم الذهاب واستبداله بعملتنا المحلية، ثم سداده بالدولار مرة أخرى ونخسر الكثير في فرق أسعار الصرف كل مرة.

*هناك الكثير من التناقضات والتباين في السياسات والتوجهات بين دول المجموعة. ألا يعد ذلك نقطة ضعف للمجموعة؟
ندرك وجود اختلافات كبيرة في مجالات عدة بيننا كدول، لكن هناك المزيد من نقاط التقاطع والمصالح المشتركة بيننا، وهذا هو الغراء الذي يربط بعضنا ببعض ويجعلنا أقوياء للغاية، ويقوي الجنوب العالمي والمجتمع العالمي. وهذا هو السبب في استمرار صعود "بريكس" كصوت رئيس لجنوب الكرة الأرضية، وجهة فاعلة رئيسية في الهيكل الجيوستراتيجي العالمي على الأصعدة السياسية، والأمنية، والمالية، والاقتصادية، وتعزيز التفاعل بين الناس وتعميم دور مجتمعاتنا. وأعتقد أن هذه هي القوة الدافعة لتعاون "بريكس".

* لكن ألا تخشون أن يتسبب توسيع العضوية في ترهل المجموعة وإضعافها؟
السؤال حول ما إذا كان التوسع سيؤدي إلى إضعاف أو تعزيز "بريكس"، هذا أيضاً جزء من المناقشة. الآن إذا نظرت إلى تجارب توسع الكيانات العالمية بسرعة فستجدها قد واجهت تحديات، والاتحاد الأوروبي مثال جيد، فقد رأت المملكة المتحدة أن انسحابها من الاتحاد سيكون أفضل لها، وقد كانت هناك آثار جانبية سيئة. لذلك عندما تتحدث عن التوسع، ومعادلة التوسع، هناك طرق مختلفة يمكنك أن تنظر منها إلى هذه الخطوة، مثل العضوية الكاملة، والعضوية المنتسبة، والشراكة وما إلى ذلك، وكل هذه الأشكال من العضوية ستجرى مناقشتها في القمة.

* ما الهدف من "بريكس بلس" على صعيد التعاون. هل هو باب خلفي للعضوية؟
الهدف من مجموعة "بريكس بلس" هو إقامة شراكة لتبادل المنفعة مع جميع شركائنا. وقلنا باستمرار أن دول "بريكس" منفتحة على العمل مع جميع البلدان في الشمال والجنوب. إذا نظرت إلى مجموعة العشرين باعتبارها الهيئة المالية والاقتصادية العالمية البارزة ضمن مجموعة "بريكس"، فإن دول مجموعة السبع ودول "بريكس" تشكل 60% من المجموع. نحن 12 دولة من بين 19 دولة. أنت كمنظمة إقليمية هي العضو العشرين، لكن 12 من 19 دولة هي مجموعة السبع ومجموعة "بريكس".

الهدف من مجموعة "بريكس بلس" هو إقامة شراكة لتبادل المنفعة مع جميع شركائنا

* لوحظ وجود اهتمام عربي وشرق أوسطي بالانضمام إلى المجموعة. ما هي أبرز هذه الدول وموقف المجموعة منها؟
هناك بالفعل علاقات رسمية مع دول مثل الإمارات ومصر باعتبارهما عضوين كاملين في بنك التنمية الجديد التابع للمجموعة، وقد طلبتا رسمياً الانضمام إلى المجموعة. ويمكن تقوية المجموعة بدول نامية كبرى في الأسواق الناشئة من داخل منطقة الشرق الأوسط، مثل الجزائر والسعودية وإيران، وهناك العديد من الدول الأفريقية الأخرى. وهذا مهم جداً من النواحي الاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية، وأعتقد أن لدينا بالفعل تحالف قوي للغاية مع هذا الجزء من العالم، وليس فقط مع البنك. وقد قمنا بدعوة قادة دول من هذه المنطقة لحضور القمة الحالية. وقد رأيتم في الاجتماع الأخير في كيب تاون قبل نحو شهرين حضور وزراء خارجية الإمارات والسعودية وإيران اجتماعات وزراء خارجية "بريكس"، لذلك لدينا بالفعل علاقة ديناميكية للغاية مع ذلك الجزء من العالم.

*بعد مرور 15 سنة على تأسيس المجموعة، ما أبرز النجاحات التي تحققت؟
اسمح لي أن آخذ جنوب أفريقيا مثالاً. في العام 2013، كان إجمالي تجارتنا مع مجموعة "بريكس" نحو 340 مليار راند، وبعد 10 سنوات، أصبح الرقم أكثر من الضعف، وبلغ حجم تجارتنا مع دول "بريكس" أكثر من 800 مليار راند، وهذا نمو كبير في التجارة. لدينا أكثر من 400 كيان صيني في جنوب أفريقيا، ولدينا أكثر من 200 شركة هندية في جنوب أفريقيا. وإذا نظرت إلى دول مثل البرازيل والهند والصين وأفريقيا، فإن حصصها من التجارة تتزايد.

* كيف ترى هذا في المستقبل؟
أعتقد أن ما يتعين علينا القيام به هو كسر الحواجز بين شمال العالم وجنوبه، لا نريد أن نرى استقطاباً عالمياً مجدداً. نحن نعلم الدمار الذي خلفه الاستقطاب خلال الحرب الباردة، ولا نريد الانتقال إلى ما يسمى بالحرب الباردة الجديدة، نريد أن نرى نظاماً جديداً عالمياً عادلاً وشفافاً، ولا يمكننا القيام بذلك إلا إذا عملنا بإخلاص في معالجة البنية العالمية غير العادلة في الوقت الحالي.


سيرة
البروفيسور أنيل سوكلال هو سفير متجوّل لجنوب أفريقيا في آسيا والممثل الرسمي لها في مجموعة "بريكس"، وهو حائز على شهادتي دكتوراه من جامعة كوازولو ناتال في التاريخ والأديان.

شغل مناصب حكومية عدة، منها نائب المدير العام المسؤول عن آسيا والشرق الأوسط وإدارة العلاقات الدولية والتعاون في وزارة الخارجية بجنوب أفريقيا حتى 31 يناير/كانون الثاني 2022. كما مثّل جنوب أفريقيا في منتدى التعاون الصيني الأفريقي ومجموعة العشرين، وشغل أيضاً منصب سفير جنوب أفريقيا لدى الاتحاد الأوروبي وبلجيكا ولوكسمبورغ من 2006 إلى 2012، وعمل في بعثات جنوب أفريقيا في جنيف ونيودلهي.

قبل انضمامه إلى العمل الدبلوماسي، عمل في التدريس في جامعة كوازولو ناتال وجامعة جنوب أفريقيا، وله أكثر من عشرين بحثاً منشورة في مجلات دولية ووطنية، وهو حاصل على العديد من الزمالات والجوائز، منها الزمالة في حقوق الإنسان من مركز الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف.

المساهمون