لا تؤكد المعلومات التي نشرها الإعلام الأميركي، أول من أمس السبت، حول بحث الرئيس الأميركي الخاسر في الانتخابات، دونالد ترامب، مع عدد من محاميه ومستشاريه، فرض الأحكام العرفية العسكرية في البلاد، لإعادة الانتخابات، أو تعيين المحامية سيدني باول، مستشارة خاصة للتحقيق في المزاعم التي يسوقها حول تزوير الانتخابات، مدى تشبّثه بالسلطة فقط، بل استمرار رهانه على مجموعة من المستشارين، يُعدّون من التيار الراديكالي المتطرف في الحزب الجمهوري. ولا يزال هذا الحزب بمعظمه صامتاً أمام ما ينشر يومياً من تصريحات وتسريبات حول أفكار هذه المجموعة، التي تضمّ أشخاصاً تسلموا يوماً مناصب حكومية أو استخبارية رفيعة، فيما يحملون اليوم أجندة انقلابية على النظام السياسي.
وهذه ليست المرة الأولى التي يطفو فيها الحديث عن فرض الأحكام العرفية إلى السطح، إثر انتخابات الرئاسة الأميركية التي جرت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفاز بها جو بايدن. فمايكل فلين، مستشار ترامب السابق للأمن القومي، الذي منحه الرئيس الخاسر أخيراً العفو بعد إدانته بالكذب على وكالة "أف بي آي"، حثّ ساكن البيت الأبيض، يوم الجمعة الماضي، في جلسة وصفتها مصادر للإعلام بـ"الصاخبة"، على فرض الأحكام العرفية لإعادة الاقتراع، أقله في الولايات المتأرجحة. وغرّد ترامب لاحقاً بأن هذه التسريبات هي جزء من "الأخبار الكاذبة"، نافياً عزمه الذهاب باتجاه هذه الخطوة. لكن مايكل فلين نفسه، الذي شغل بين عامي 2012 و2014 منصب مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية، كان قد نشر تغريدة، بداية شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، روّج فيها للفكرة ذاتها، عبر إعادة نشر بيان لمجموعة سياسية محافظة، مقرها أوهايو، هي مجموعة "نحن مؤتمر الشعب"، تدعو فيه الرئيس الخاسر إلى فرض الأحكام العرفية لإجراء انتخابات جديدة، إذا "كان المشرعون والكونغرس والمحاكم لا يريدون الالتزام بالدستور"، واصفة فوز بايدن بـ"الاحتيال". وقال البيان إنه "للأسف نحن في مرحلة لا نستطيع فيها الوثوق سوى بالجيش لفعل ذلك، بسبب فساد نظامنا السياسي".
وتؤمن شريحة كبيرة من القاعدة الداعمة لترامب، والمجموعات الراديكالية التي تؤيده، بفساد النظام، ولا تزال تنظر إلى الرئيس الخاسر، بأنه ليس جزءاً منه، لكن الأحكام العرفية، وإمكانية فرضها، استدعت في المرتين على الأقل، ردوداً من الجيش. وقال مسؤول في وزارة الدفاع لموقع "ميليتيري تايمز"، رداً على "نحن مؤتمر الشعب"، إنها فكرة "مجنونة" في عام "ليس من الممكن أن يكون أكثر جنوناً". من جهته، قال بيل بانكس، الأستاذ في جامعة سيراكيوز، والخبير في القانون الدستوري وقانون الأمن القومي، إن فكرة فرض الأحكام العرفية "مستحيلة، فبغضّ النظر عن أن محققي الولايات والمحققين الفيدراليين لم يجدوا أي دليل على حصول تزوير، فإن الأحكام العرفية لا مكان لها في الولايات المتحدة، إلا في حال حصول انهيار كامل لآليات الحكم المدنية".
ورداً على ما تداوله الإعلام حول اجتماع البيت الأبيض، الجمعة، قال سكرتير الجيش الأميركي وقائد القوات البرية، الجنرال جايمس ماكونفيل، في بيان مشترك، إنه "لا يوجد أي دور للجيش الأميركي في تحديد نتيجة الانتخابات الأميركية".
وكان فلين قد طالب ترامب، في وقت سابق خلال الأسبوع الماضي، بفرض الأحكام العرفية لإعادة الانتخابات. وأضاف فلين، في حديث لـ"نيوزماكس"، إن الأمر "ليس غير مسبوق. أعني أن هناك أناسا يتحدثون حول الأحكام العرفية، كما أنه شيء لم نفعله في السابق. لكن الأحكام العرفية قد فرضت (في الولايات المتحدة) 64 مرة".
لم تفرض الولايات المتحدة الأحكام العرفية منذ 1945
وتفرض الأحكام العرفية، بحسب العرف الأميركي، رداً على الحروب، والكوارث وأحداث الشغب، ولكن ليس لقلب نتيجة انتخابات، لاسيما بعدما رفض مسؤولو الولايات والمحاكم والمحكمة العليا، جميع الدعاوى التي حملت مزاعم تزوير. ولم يفرض أي رئيس أميركي أحكاماً عرفية لإعادة الانتخابات.
وتمنح الأحكام العرفية قائد الجيش في منطقة أو في البلاد، سلطات مطلقة. وبحسب "مركز برينان"، فإن المسؤولين الفيدراليين أو مسؤولي الولايات، قد أعلنوا الأحكام العرفية 68 مرة على امتداد التاريخ الأميركي، لكن الدستور لم يذكر مرة الأحكام العرفية، كما أن لا قانون في الكونغرس يحددها. وفرضت الأحكام العرفية للمرة الأولى في ديسمبر 1814، بحسب المركز، مع اقتراب نهاية حرب 1812 (بين الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى) حين قاد الجنرال أندرو جاكسون جيشاً صغيراً، لحماية نيو أورليانز (لويزيانا) من قوات غازية بريطانية. وكجزء من الأحكام العرفية، فرض جاكسون الرقابة على الصحف، وحظر تجول، وتمّ اعتقال أشخاص من دون اتهامات. وفرضت الولايات المتحدة بكثافة الأحكام العرفية خلال الحرب الأهلية. وبحسب المركز، فقد عرفتها البلاد كثيراً منذ بداية الحرب الأهلية، وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية (في الولايات وعلى مستوى البلاد)، لكن ذلك اختفى نهائياً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وبسبب الحروب، فرضت الأحكام العرفية مرتين، عام 1814 مع أندرو جاكسون، وحين وافق الرئيس فرانكلين روزفلت على إعلان الأحكام العرفية في هاواي بعد قصف اليابان لبيرل هاربور، في 1941.
وبالعودة إلى اجتماع المكتب البيضاوي، الجمعة، فقد حثّ محامي ترامب، رودي جولياني، الرئيس الخاسر أيضاً، على الاستيلاء على آلات التصويت، لكن وزارة الأمن الوطني أكدت أن لا سلطة لها لفعل ذلك، كما أنه ليست واضحة المنفعة منه. وكان وزير العدل ويليام بار، الذي أقاله ترامب أخيراً، قد أكد لوكالة "أسوشييتد برس"، في وقت سابق خلال الشهر الحالي، "أن وزارتي العدل والأمن الوطني قد حققتا في مزاعم تقول إن آلات التصويت تمّ برمجتها خصيصاً لتزوير نتائج الانتخابات"، مؤكداً أنه "حتى الآن، لم نجد أي دليل لذلك".
بحث ترامب تعيين المحامية سبدني باول، مستشارة خاصة للتحقيق في مزاعم التزوير
وعلى هذا المنوال، وفي ظلّ هذا الترويج المكثف لنظريات المؤامرة من قبل ترامب وفريق ضيّق ملتصق به، يبدو أن الرئيس الخاسر قد بحث أيضاً تعيين المحامية سيدني باول، مستشارة خاصة للتحقيق في مزاعمه حول تزوير الانتخابات. وكان فريق ترامب القضائي، قد تبرأ، الشهر الماضي، من باول كأحد الأعضاء في فريقه، بعدما هّددت، مجازياً، بـ"تفجير" ولاية جورجيا، بـ"قنبلة إنجيلية"، إذا لم تذهب هذه الولاية إلى إعادة فرز الأصوات يدوياً، بعدما أعلنت وسائل الإعلام فوز بايدن فيها، قبل أن تصادق الولاية على فوزه رسمياً.
وذهب ترامب، خلال اجتماع الجمعة، إلى حدّ بحث فكرة منح باول تصريحاً أمنياً، يخولها الاطلاع على المعلومات المصنفة سرّية. ووفق القانون الفيدرالي، يحق لوزير العدل، وليس للرئيس الأميركي، تعيين المستشارين الخاصين. ونقلت صحف ومواقع أميركية عدة، أجواء اجتماع البيت الأبيض، وقال موقع "بوليتيكو"، إنه تضمن صراخاً، حيث رفض كبير الموظفين مارك ميدوز، ومستشار البيت الأبيض، بات سيبولوني، الفكرة.
وكانت باول قد ساقت نظريات مؤامرة عدة حول الانتخابات، منها أن أنظمة الانتخابات قد صممت في فنزويلا بـ"أمر من هوغو شافيز"، الرئيس الفنزويلي السابق الذي توفي في عام 2013. كما زعمت أن شركة "دومينيون"، التي تصنع آلات التصويت، ساهمت في فوز بايدن، حيث قالت إن تلك الآلات تحتوي على مشكلات تقنية أدت إلى قلب الموازين لصالح نائب الرئيس السابق، ما دفع الشركة إلى الطلب منها سحب تصريحاتها بعدما "تعرّض موظفوها للتشهير والملاحقة".