أطماع الاستيطان وهوس الأمن تحوّل وادي قانا إلى منطقة عسكرية مغلقة

03 مارس 2024
علّق مستوطنون لوحات في الوادي كتب عليها "منطقة عسكرية مغلقة" (الأناضول)
+ الخط -

حوّل الاحتلال الإسرائيلي وادي قانا إلى منطقة عسكرية مغلقة يمنع على الفلسطينيين دخولها، بعد طردهم منها، في 24 من الشهر الماضي، تمهيداً للاستيلاء الكامل على الوادي الواقع شمال سلفيت، شمالي الضفة الغربية، بمساحة تبلغ نحو 16 ألف دونم من أراض زراعية، ومحميات طبيعية، تستخدم للزراعة، ورعي الأغنام، وفيه عشرات ينابيع المياه.

وكان الاحتلال قد مهّد للاستيلاء على الوادي في خطوات سابقة في بلدة دير استيا بمحافظة سلفيت، إلا أنه سارع الخطى منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتقييد حركة الفلسطينيين ومنعهم من الوصول إلى الوادي، وجال المستوطنون بلباسهم العسكري وأسلحتهم الرشاشة في جولات استفزازية في الوادي، مهددين أصحاب الأراضي، ومنع المزارعين من استصلاح أراضيهم هناك.

ويعتبر وادي قانا ضمن الأراضي المصنفة "ج" وفق اتفاقية أوسلو، أي تحت السيطرة المدنية والأمنية والإدارية الإسرائيلية، ويمنع فيها البناء أو استصلاح الأراضي، أو الحصول على أدنى مستويات الخدمات، ويحيط به تسع مستوطنات مقامة على أراضي سلفيت، هي: معاليه شمرون، جنات شمرون، قرني شمرون، نافيه مناحيم، شيلو، ألفيه منشيه، حفات يائير، عمانوئيل، أرئيل. إضافة إلى منطقة بركان الصناعية.

ولم يتسلم مجلس دير استيا ورقة رسمية تشير إلى تحويل وادي قانا إلى منطقة عسكرية مغلقة، كما هو متعارف عليه قانونياً، وفقاً لرئيس المجلس فراس ذياب الذي يقول لـ"العربي الجديد"، إن جنود الاحتلال منعوا المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في الوادي، وعرضوا عليهم القرار دون تسليمه، فيما فوجئوا لاحقاً بتعليق المستوطنين لوحات كتب عليها أن المنطقة "عسكرية مغلقة". 

ويلفت ذياب إلى أنه قبل صدور القرار العسكري، عملت سلطات الاحتلال على تضييق الخناق على وادي قانا، عبر مصادرة ممتلكات البلدية الخدماتية، ثم منع المتضامنين الدوليين من الوصول إلى الوادي، وحصر حركة الدخول والخروج في من يحمل هوية شخصية وأوراقاً تثبت وجود أرضٍ له في الوادي. 

وأضاف، أن وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش نفذ، في سبتمبر/أيلول 2022، حملته الانتخابية في وادي قانا، وأعلن فيها النوايا الإسرائيلية في السيطرة الكاملة على الوادي وضمّه إلى المستوطنات المحاذية. و"منذ ذلك الحين حتى اليوم، يواجه أصحاب الأراضي حججاً واهية من المحاكم الإسرائيلية لرفضهم الالتماسات التي قدمت بذريعة أن القرار من الحاكم العسكري وفق الظروف الأمنية". 

ويقول أحد أصحاب الأراضي في وادي قانا، وهو أيوب أبو حجلة، لـ"العربي الجديد" إنه يملك 22 دونماً في الوادي، ويحمل أوراقاً ثبوتية بملكيّته للأراضي منذ العهد الأردني والانتداب البريطاني، وشهادة إخراج قيد من المحاكم الإسرائيلية في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن هذا كله لم يتعاط معه الاحتلال، ولم يردعه في خطوات استيلائه على الأراضي". 

يوضح أبو حجلة أن المستوطنين المسلّحين بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي "خرّبوا نحو 130 شجرة من أشجار زيتونه، بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الاول الماضي، وقطعوا إمدادات المياه الواصلة إلى الأراضي، وتدفقت مياه المستوطنات العادمة إلى الوادي لتلوث التربة وتميت الشجر، وجعل المنطقة غير صالحة للرعي، ما دفع الكثير من العائلات إلى ترك أراضيها".

ويضيف: "تنفّذ دوريات قوات الأمن الخاصة بالمستوطنات جولات تفتيشية على من تبقى من مزارعين في الوادي، بعد أن نصبوا عشرات كاميرات المراقبة في المنطقة، ومنعوا الفلسطينيين من التصوير فيها، بهدف تسريع تهجيرهم من المكان".

وعن دور الجهات الرسمية الفلسطينية في دعم أصحاب الأراضي، يجيب أبو حجلة: "دورهم ضعيف، لا يُذكر، ونحن وهم تحت الاحتلال، وكل شيء تغيّر منذ السابع من أكتوبر الماضي".

وادي قانا: مطامع استيطانية وهوس أمني

ويرى الخبير في قضايا الاستيطان من سلفيت، خالد معالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاحتلال لديه "اعتبارات في استيلائه على وادي قانا، أولها، أنه يقع في منطقة محاذية لتجمع مستوطنات كبير، ما يجعله منطقة استراتيجية واصلة بين كل مستوطنات شمال سلفيت، تمهيداً لتحويل أراضٍ من الوادي إلى محمية طبيعية خاصة بالمستوطنات، مع الاستعداد لإنشاء مرافق عامة، وأماكن مخصصة لاستقبال السيّاح للمناطق الفلسطينية التي يدّعي الاحتلال بأنها أقيمت على أماكن يهودية". 

ولا يمكن فصل المطامع الاستيطانية، عن الهوس الأمني الذي يعيشه الاحتلال، بحسب ما يقول معالي، موضحاً "أن الاحتلال بات يخشى من أي مساحة يوجد فيها فلسطيني بمحاذاة المستوطنات خشية وقوع أي عملِ مقاومة، وهذا نهج جديد قديم بخلق مساحات فارغة، بين حدود المستوطنات، أو مرافق أخرى مخصصة للاحتلال، وبين الوجود الفلسطيني". 

ووفق معالي فإن منطقة وادي قانا لولا التوسع الاستيطاني فيها، وجعلها منطقة عسكرية، ومنع الفلسطينيين من الزراعة والاستثمار في الثروة الحيوانية فيها، لكانت "سلّة الغذاء الفلسطيني"، نظراً إلى وقوعها فوق الحوض المائي الغربي الأكثر غزارة في المياه، مضيفاً "أن الاحتلال يسعى لتوسيع المستوطنة المعروفة بـ (المنطقة الصناعية) المحاذية للوادي لجعل آلاف الدونمات فيه مقسّمة، ما بين مناطق صناعية وسياحية وعازلة عن السكّان الفلسطينيين".

المساهمون