أسبوع تراكم الأزمات أمام حكومة نتنياهو

29 مارس 2024
من صدامات شرطة الاحتلال مع الحريديم، سبتمبر 2023 (مصطفى الخاروف/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- نتنياهو يواجه أزمات متعددة تشمل عدم القدرة على حسم الحرب على غزة، صعوبات في المفاوضات لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وتحديات في ردع حزب الله، مما يعكس ضائقة إسرائيل الاستراتيجية وتآكل مكانته سياسيًا.
- استقالة الوزير جدعون ساعر وانفصاله عن حزب "المعسكر الرسمي" يعكس تصدعًا داخل الائتلاف الحكومي، مما يفتح الباب أمام تحديات جديدة ويشير إلى إمكانية اقتراب الانتخابات وتشكيل جبهة معارضة قوية.
- توسع الأزمة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية، خاصة بعد امتناع الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو ضد قرار مجلس الأمن، يضيف بُعدًا دوليًا للتحديات ويعرض إسرائيل لانتقادات دولية وضغوط داخلية متزايدة.

تزامنت في أسبوع واحد مجموعة من الأزمات السياسية والاستراتيجية أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. تأتي هذه الأزمات في ضوء ضائقة إسرائيل الاستراتيجية وعدم قدرتها على حسم حرب الإبادة على غزة، ولا حسم ملف المفاوضات لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمخطوفين، ولا قدرتها على ردع تام لـ"حزب الله" في الجبهة الشمالية، أي على على الحدود مع لبنان، وفي ظل تآكل مكانة نتنياهو السياسية الداخلية والدولية. هذه الأزمات نتاج تراكم سيرورات سابقة كانت تدار على نار هادئة، لم يعد بالإمكان احتواؤها معاً بعد.

استقالة ساعر من حكومة نتنياهو

قدم الوزير جدعون ساعر في الأسبوع الأخير استقالته من حكومة نتنياهو بعد أن أعلن انفصاله عن حزب "المعسكر الرسمي" بقيادة الوزير بني غانتس. ساعر برر استقالته من الحكومة بسبب عدم ضمه لمجلس إدارة الحرب المصغر، وعرض انتقادات عديدة على أسلوب إدارة الحرب ونتائجها لغاية الآن.

ساعر يسعى، عن طريق الاستقالة، أن يميز حزبه "أمل جديد" عن سياسات وأداء الحكومة وخصوصاً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وكذلك عن غانتس، تمهيداً لخوضه الانتخابات المقبلة بشكل مستقل أو عبر تحالف جديد يقوده هو.


ساعر، بتجربته وخبرته السياسية، بدأ يشتّم رائحة انتخابات قريبة

صحيح أن استقالة ساعر لا تشكل تهديداً مباشراً وفورياً على التحالف الحكومي، إلا أنه فتح بذلك الباب، وأعطى شرعية، أولاً لانسحاب حزب يميني داعم للحرب وأهدافها من الحكومة وقت الحرب، وهو الذي عارض ذلك قبل أسابيع قليلة؛ وثانياً بدأ حملة انتقادات تجاه الحكومة وأدائها خلال الحرب، واتهامها بإضاعة فرصة للقضاء على "حماس"، والتورط في غزة.

ساعر يحرج بتصرفاته هذه الوزير بني غانتس، الذي بات محل انتقادات ليست بسيطة من محللين وصحافيين غير معدودين على معسكر نتنياهو، بسبب أدائه في الحكومة وعدم تمكنه من لجم نتنياهو، أو فرض اتفاق لتبادل الأسرى والمخطوفين، وبسبب التخبط في إدارة الحرب. على ما يبدو أن ساعر، بتجربته وخبرته وحواسه السياسية، بدأ يشتم رائحة انتخابات قريبة، وسارع بالتحرك.

توسع الأزمة مع الإدارة الأميركية

شهد الأسبوع الماضي تصاعداً في دالة التوتر بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية، نتيجةً لامتناع الولايات المتحدة عن استعمال حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، في التصويت على مشروع قرار يقضي بوقف لإطلاق النار في غزة.

بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، حتى ولو أن القرار لا يندرج تحت البند السابع ولا يفرض عقوبات مباشرة على إسرائيل، إلا أنه يعني إحراج إسرائيل في المحافل الدولية، ويوضح أن الحماية الدبلوماسية الأميركية غير مطلقة، وأن الخلافات مع الإدارة الأميركية يمكن أن تترجم في خطوات عقابية، ولو كانت في هذه المرحلة تصريحية فقط.

ويعني أيضاَ أن الخلاف بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو حول توسيع الاجتياح البري إلى رفح من دون خطة واضحة لكيفية تجنيب المدنيين (وفقاَ للإدارة الأميركية) هو اختلاف حقيقي، وله تداعيات سياسية وعملانية قد تعيق تنفيذ الاجتياح البري لرفح.

الولايات المتحدة أرسلت، عبر امتناعها عن التصويت، رسالة تحذير للحكومة الإسرائيلية، خصوصاً لنتنياهو، من استمرار تنفيذ سياسات من دون التنسيق مع الإدارة الأميركية أو إحراجها، أكثر مما هي محرجة لغاية الآن بسبب حرب الإبادة على غزة وانعكاساتها على السياسة الداخلية في الولايات المتحدة، وعلى المشهد الانتخابي. موقف الإدارة الأميركية سيزيد من الانتقادات الداخلية لنتنياهو، ويساهم في تراجع مكانته السياسية والقيادة، خصوصاً أنه يتزامن مع أزمات سياسية جوهرية إضافية.

أزمة قانون إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية

قد تكون الأزمة السياسية داخل التحالف الحكومي حول قانون إعفاء الشبّان اليهود المتشدّدين دينيّاً من الخدمة العسكرية، هي الأبرز في الأزمات المتراكمة والمتزامنة لحكومة نتنياهو. هذه أزمة متعددة المحاور واللاعبين وأثرها يطاول المجتمع الإسرائيلي في جوانب عدة، منها الأمنية والاقتصادية ومكانة الدين بالدولة، ومكانة وتأثير الأحزاب المتشددة ـ الحريدية في المشهد السياسي.

وهي تخلق معضلة لنتنياهو مع حلفائه الطبيعيين من الأحزاب الحريدية، وأزمة مع شريكه في إدارة الحرب بني غانتس، وأزمة داخل حزب "الليكود" ذاته، بل أزمة مع غالبية المجتمع الإسرائيلي الذي يدعم إلغاء الإعفاء من الخدمة للشبان المتشدّدين دينيّاً ـ الحريدي. وفقاً لاستطلاع "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" يدعم إلغاء الإعفاء قرابة 70 في المائة من المجتمع اليهودي.

غالبية المجتمع الإسرائيلي والأحزاب العلمانية التي تطالب بالمساواة في "تقاسم العبء" وتجنيد الشباب الحريدي، لا تطالب بفرض التجنيد الإجباري على كافة الشاب الحريدي، وكذلك المحكمة العليا، إنما تطالب بتحديد أعداد طلاب المعاهد الدينية الذين يحق لهم الإعفاء من الخدمة، والعمل على تجنيد كل من لا يتعلم في معهد ديني.

كما تطالب الأحزاب الداعمة للتجنيد بتحديد عقوبات جنائية أو مالية لكل من يتهرب أو يتحايل على القانون. في المقابل، يعارض المجتمع المتدين ـ الحريدي وأحزابه أي قانون يحدد عدد طلاب المعاهد الدينية المستحقين للإعفاء من الخدمة، ويرفضون أي محاولة لفرض عقوبات على من يتهرب من الخدمة.

الأزمة الحالية وتحديد تاريخ لحكومة نتنياهو من أجل ترتيب موضوع الإعفاء من الخدمة العسكرية بواسطة قانون، جاءت على أثر إلغاء المحكمة العليا عام 2017 التعديل الذي أدخلته الحكومة عام 2015 على قانون التجنيد ووفر الغطاء القانوني للإعفاء ورصد ميزانيات للمعاهد الدينية، وطالبت بتعديل القانون.

صلاحية تعديل قانون التجنيد من عام 2015 انتهت في الأول من يونيو/حزيران 2023، وبدل سنّ قانون جديد قررت الحكومة ترتيب الأمر بواسطة "أمر ساعة" لمدة عام يضمن استمرار الإعفاء.

وهو ما أدى إلى تقديم التماس جديد للمحكمة العليا التي رفضت بدورها، في فبراير/شباط الماضي، تصرف الحكومة وطالبت الحكومة بتوضيح موقفها من الحاجة بسنّ قانون لترتيب الإعفاء من الخدمة وتحديد الأعداد، والتوضيح كيف تستمر في رصد ميزانيات للمعاهد الدينية، بعد انتهاء صلاحية القانون.

أمهلت المحكمة الحكومة الرد لغاية نهاية مارس/آذار الحالي. تزامن انتهاء مدة تعديل قانون التجنيد الذي وفّر الغطاء القانوني للإعفاء، مع الحرب على غزة، أعطى لهذا الملف مكانة خاصة في المشهد السياسي الإسرائيلي.

قبل حرب الإبادة على غزة نجحت الحكومات الإسرائيلية بالمراوغة والمناورة والتهرب من حسم هذا الملف. ناهيك أن المؤسسة العسكرية لم تضغط بشكل جدي لتجنيد الحريديم بسبب عدم وجود نقص جدي، أو حاجة لإضافة قوى بشرية في الجيش.

كما وفّرت الأحوال الاقتصادية الجيدة في العقد الأخير، واستمرار النمو الاقتصادي وارتفاع الناتج المحلي وتراجع البطالة، إمكانية زيادة الميزانيات المخصصة لفئات الحريديم ورفع المخصصات الحكومية لطلاب المعاهد الدينية. لغاية الحرب على غزة لم يشكل الوضع الأمني او الاقتصادي عامل ضغط جديا لتغيير الترتيبات القائمة.


تخلق مسألة تجنيد الحريديم معضلة لنتنياهو مع الأحزاب الحريدية، وأخرى مع غانتس وداخل "الليكود"

إلا أن الوضع تغير منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبات الجيش بحاجة إلى قوى بشرية إضافية لسد الخسائر في الحرب على غزة؛ والحالة الاقتصادية لا تسمح باستمرار رصد ميزانيات للحريديم والمتدينين على حساب تقليصات في بقية بنود الميزانية، كما حصل فعلاً في ميزانية 2023 و2024.

وبات من غير المقبول على غالبية المجتمع الإسرائيلي المس بقيم المساواة و"تقاسم العبء" لصالح الفئات المتدنية، التي لا تساهم في الجهد العسكري ولا تندمج في سوق العمل والاقتصاد.

أزمة قانون إعفاء الحريديم من الخدمة، هي أزمة جوهرية تطاول جوهر علاقات الأحزاب مع جمهور ناخبيها. الفئات الحريدية لا تستطيع التعايش مع قانون إعفاء يحدد حصص واضحة للإعفاء، ويفرض عقوبات مالية أو جنائية على كل من يتهرب من الخدمة، ويتحايل على القانون.

الأحزاب الحريدية تخشى أن يؤدي أي تغيير في موضوع الإعفاء من الخدمة العسكرية، وقت الحرب، إلى فرض تغييرات أوسع في تفاهمات الحفاظ على "الوضع القائم" (ستاتيكو) المعمول بها بين التيارات الدينية المتشددة والدولة، منذ خمسينيات القرن الماضي. لذلك ستعمل كل ما بوسعها لمنع أي تغيير ولو اضطر الأمر لتفكيك التحالف الحكومي.

في المقابل عدم حسم الملف، أو على الأقل ترتيب جديد لمعادلات الإعفاء، سيحرج غانتس أمام جمهور داعميه، بحيث وعد بشكل علني بإلغاء الغبن القائم في "تقاسم العبء". وكذلك يمكن أن يؤدي ذلك إلى ثمن سياسي يدفعه نتنياهو، وهذه المرة في قواعد اليمين وداعمي "الليكود"، الذين يطالبون أيضاً بترتيب الإعفاء من الخدمة العسكرية.

وقد تعالت بعض الأصوات داخل حزب "الليكود" ذاته ترفض استمرار الوضع القائم. ناهيك عن أن وزير الأمن يوآف غالانت أعلن قبل شهر أنه لن يقدم اقتراح قانون لإعفاء الحريديم، من دون أن يكون مقبولاً على كافة مركبات التحالف الحكومي. غالانت لا يستطيع التراجع عن موقفه العلني، وإلا سيفقد أي شرعية سياسية.

تزايد وتزامن الأزمات، وصعوبة التوصل إلى حل لأزمة قانون إعفاء الشاب المتشدد دينياً ـ الحريدي من الخدمة العسكرية، وتراجع مكانة وسلطة نتنياهو السياسية، وتلميح الأحزاب الحريدية بالذهاب إلى انتخابات مبكرة لمنع أي تغيير في معادلات الإعفاء، يمكن أن يفتح الباب على احتمالات جديدة في المشهد السياسي في إسرائيل، ويزيد من أزمات نتنياهو.

ويمكن أن يؤدي أيضاً، كما كان في مرات سابقة، إلى هروب نتنياهو إلى الأمام لتخطي أزماته السياسية، بصيغة توسيع حرب الإبادة على غزة باجتياح بري لرفح، أو توسيع الجبهة الشمالية أمام "حزب الله".