أسئلة صعبة تنتظر إجابات من بوتين في خطاب 21 فبراير

20 فبراير 2023
لا يملك بوتين إجابات دقيقة عن موعد انتهاء الحرب (Getty)
+ الخط -

في حين تتضارب الأنباء حول الأوضاع الميدانية في محيط مدينة باخموت شرقي أوكرانيا، تسابق القوات الروسية الزمن من أجل تسجيل "إنجاز" على الأرض يمكن أن يقدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه السنوي أمام الهيئة التشريعية والحكومة غداً الثلاثاء، تزامناً مع الذكرى السنوية لاعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين عن أوكرانيا، وقبيل 3 أيام من حلول الذكرى السنوية الأولى للغزو.

ومع عدم وجود تسريبات حول أهم النقاط التي سيطرحها بوتين في خطابه، ازدادت التكهنات بشأن إمكانية عرض نقاط تحتاج إلى مصادقة المشرعين الروس، خصوصاً بعدما أعلن مجلس الدوما (البرلمان) عقد اجتماع استثنائي صباح الأربعاء المقبل، أي بعد يوم من خطاب بوتين، تليه جلسة في ظهيرة اليوم ذاته لمجلس الاتحاد (الشيوخ) يرجح أن تكون لإتمام المصادقة على أي قرارات منتظرة.

وذهب خبراء ومحللون مقربون من الكرملين إلى أن خطاب بوتين سيفجر مفاجآت، كما كان الحال في 22 فبراير/شباط 2022، حين صادق المشرعون الروس على قرار الرئيس الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين ومعاهدة الصداقة والتعاون، ومن ضمنها التعاون الأمني والدفاعي مع دونيتسك ولوغانسك، والموافقة على قرار إرسال قوات لـ"حماية" الجمهوريتين من هجوم محتمل للقوات الأوكرانية.

من المستبعد أن يعلن بوتين تحويل "العملية العسكرية الخاصة" إلى حرب

وعلى الرغم من تعثر القوات الروسية وعدم تحقيق إنجازات كبيرة، لم يستبعد بعض المتفائلين إعلان بوتين ضم جمهوريات انفصالية جديدة، مثل أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، أو حتى جمهورية بريدنيستروفيا الانفصالية (ترانسنيستريا) عن مولدوفا، على خلفية التوتر الكبير في العلاقات بين موسكو وكيشيناو.

ومع زيادة التكهنات والتحليلات حول سبب عقد جلستين استثنائيتين لمجلس الدوما والاتحاد قبل أسبوع فقط من الموعد المقرر سابقاً، قال رئيس لجنة النظام في مجلس الاتحاد فياتشيسلاف تيموشينكو، الخميس الماضي، إن الاجتماع سينظر في "القوانين الخاصة بدمج مناطق جديدة في المجال القانوني للاتحاد الروسي، والتي يجب اعتمادها قبل 1 مارس/آذار" المقبل.

وذكرت رئيسة المجلس فالنتينا ماتفيينكو أن الحكومة طلبت من أعضاء مجلس الشيوخ "اعتماد العديد من القوانين المتعلقة بقانون الضرائب والموازنة، حتى يبدأ العمل بها اعتباراً من مطلع مارس المقبل".

خطاب مؤجل وأسئلة صعبة

ويأتي خطاب بوتين بعد نحو عام من انطلاق "العملية العسكرية الخاصة" في دونباس، التي لم تحقق النتائج المرجوة، وتغيرت أهدافها أكثر من مرة. ورغم ذلك، لم يتعجل الكرملين في تغيير مسماها الرسمي إلى حرب.

ومن الواضح أن انعدام الرؤية وعدم وجود إجابات دقيقة عن آفاق انتهاء الحرب وتأثيراتها، أو حتى تقريبية حول مآلاتها وانعكاساتها على حياة الروس ودور روسيا العالمي مستقبلاً، منعا بوتين من توجيه الخطاب السنوي العام الماضي.

إجابات عن مستقبل العملية العسكرية

وبعيداً عن تسريبات لا يعرف مدى صحتها، نظراً لأن خطاب 21 فبراير الحالي يُجهز من قبل فريق صغير في ديوان الكرملين، الذي يضم خبراء ومستشارين في جميع القضايا السياسية الداخلية والخارجية والأمن والدفاع، فإن الجزء الأساسي من الخطاب يتوقع أن يتضمن إجابات عن أهم القضايا، مثل الأوضاع العسكرية الميدانية على الجبهة، ومستقبل العملية العسكرية، وهل يمكن أن تتطور إلى إعلان حرب شاملة أو محدودة.

ومن المؤكد أن بوتين لا يملك إجابات واضحة ودقيقة عن موعد انتهاء الحرب، التي من السهل إطلاقها تحت أي مسمى، ولكن من الصعب التكهن بموعد انتهائها، ومن ستكون له الطلقة الأخيرة في الميدان والكلمة العليا في المفاوضات التي لا يتوقع أن تستأنف سريعاً، نظراً للتضارب الكبير في أهداف الطرفين، بعد ضم روسيا أربع مناطق من أوكرانيا الخريف الماضي، وطرح مفاوضيها شروطاً أقرب إلى الاستسلام، وإصرار أوكرانيا على أنها لن تقبل أي تنازل عن حدودها المعترف بها دولياً في 1991، أي أنها ستواصل العمل لتحرير مناطق دونباس التي كانت تحت سيطرة الانفصاليين التابعين لموسكو قبل فبراير 2022، والأهم إعادة شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في ربيع 2014.

ويبدو أن بوتين سيكون مضطراً للاستعانة بخبرته الطويلة للالتفاف على هذا الموضوع، عن طريق تكرار ما سبق أن تحدث عنه في ما يتعلق بـ"الدوافع الأخلاقية والسياسية والاستراتيجية" لهذه الحرب.

كما أنه سيكون مضطراً للتأكيد أنه لم تكن هناك خيارات أخرى من أجل وقف ما يصفه الكرملين الاستهداف الممنهج للمواطنين الروس والناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا، من قبل من يسميهم بـ"النازيين الجدد" في كييف منذ 2014، وأن الواجب الأخلاقي يوجب دفع تضحيات من أجل إنقاذ الروس في "نوفوروسيا" ومساعدتهم على تقرير مصيرهم الذي اختاروه، وهو الانضمام إلى الوطن الأم.
وقياساً إلى التصريحات المتكررة لبوتين وكبار المسؤولين الروس، فإن الخطاب لن يفوت الفرصة للهجوم على "الغرب الجماعي"، الذي يعمل بكل طاقته من أجل منع روسيا من تبوؤ المكان الذي تستحقه في العالم، ويواصل سعيه لتفكيكها وإضعافها، اقتصادياً وسياسياً، بشتى الطرق.

إعلان حرب؟

ورغم طول "العملية العسكرية الخاصة" أكثر من المتوقع، فإنه من المستبعد أن يعلن بوتين تحويلها إلى حرب، لأسباب عدة، أهمها عدم اعتراف موسكو أصلاً بشرعية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وانطلاقها من أنه امتداد للانقلاب على مناصرها الرئيس الأسبق فيكتور يانوكوفيتش بعد أحداث الميدان في كييف ربيع 2014.

من المنتظر أن يؤكد بوتين متانة الاقتصاد الروسي وقدرته على مواجهة العقوبات الغربية غير المسبوقة

وفي السنوات الأخيرة، بدا واضحاً تركيز بوتين ومنظريه الفكريين وكثير من أركان الحكم على نفي وجود دولة أوكرانية ذات سيادة، والإشارة إلى أن أوكرانيا دولة محتلة من قبل الغرب. ولهذا، فإن إعلان الحرب يعني أن روسيا ستدخل في مواجهة غير مضمونة النتائج، وغير معروف نطاقها مع البلدان المحتلة، وفي مقدمها الولايات المتحدة وبريطانيا، أو المحور الأنغلوسكسوني، كما يطيب لبروباغاندا الكرملين وصف البلدين.

لا نية لموجة تعبئة جديدة

وفي موضوع بالغ الأهمية ذي صلة بإعلان الحرب، سيتعين على بوتين الإجابة بشكل واضح عن احتمال إعلان موجة تعبئة جديدة. فعدم إعلان حالة الحرب لم يمنع إجراء أول عملية تعبئة نهاية الصيف الماضي، للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.

ورداً على الشائعات، فالأرجح أن يؤكد بوتين عدم وجود نية لموجة تعبئة جديدة في المستقبل القريب. وما يزيد من هذا الاحتمال أن الجنود الذين جرى استدعاؤهم في الموجة الماضية لم يُزجّ بكثير منهم في الجبهات، نظراً لتأخر تدريبهم بسبب عدم وجود مدربين بما يكفي، وعدم وجود ملابس وأسلحة كافية.

ومن المؤكد أن هناك إمكانية لإرسال قرابة 150 ألفاً، في حال الحاجة إلى الجبهات، وهو عدد جيد إذا أضيف إليه مقاتلو "فاغنر" والمرتزقة الآخرون. والأهم ربما هو الاحتجاجات الشعبية التي رافقت الموجة الماضية، وهروب مئات الآلاف من الشباب الروس إلى الخارج، واعتراضات عدد من الشركات الكبرى التي بدأت تعاني من نقص الكوادر المؤهلة للعمل، ومخاوف من تأثيرات اقتصادية كبيرة على الناتج المحلي.

من جهة أخرى، فإن بوتين لم يصدر مرسوماً بإنهاء التعبئة، مع تقارير لمواقع معارضة عن أن استدعاء جنود الاحتياط وزيادة عدد القوات يتواصل بطرق مقنعة.

دعوة عسكريين لحضور الخطاب

ورغم أنه يجب على بوتين عرض بعض الأخطاء التي رافقت العملية العسكرية الخاصة، فإن دعوة بعض العسكريين لحضور الخطاب، في سابقة هي الأولى من نوعها، تقلل من إمكانية أن يركز على هذا الجانب. والأرجح أن يؤكد أن العملية تسير حسب المخطط، حتى ولو تأخرت نظراً للدعم الغربي غير المحدود، وتوظيف الغرب "الطابور الخامس" داخل البلاد لإضعاف الروح المعنوية للمواطنين، وأن يطالب مواطنيه بمواصلة دعم الجيش لرفع معاناة أشقائهم الروس شرقي أوكرانيا، وتفويت الفرصة على الغرب المتربص بروسيا.

ومن المنتظر أن يؤكد بوتين متانة الاقتصاد الروسي وقدرته على مواجهة العقوبات الغربية غير المسبوقة. وفي هذا الإطار، ورغم الكشف عن ارتفاع عجز الموازنة في يناير/ كانون الثاني الماضي، فإنه لا يستبعد أن يعلن بوتين عن حزمة مساعدات لأصحاب الدخل المحدود والمتقاعدين، وبالطبع، أسر العسكريين والقتلى والجرحى.

والأرجح أن يسلط الضوء على إجراءات لتحسين الوضع الديمغرافي في البلاد، وهي الأزمة التي كانت حاضرة في جميع خطابات بوتين، لكنها تحظى بأهمية خاصة حالياً، نظراً لمعلومات عن مقتل عشرات الآلاف حسب التقارير الغربية، وهروب مئات الألاف من الشباب إلى الخارج.

كما يرجح أن بوتين سيواصل الإشادة بأنواع الأسلحة الروسية المتقدمة والتي "لا نظير لها" في العالم، والاستفادة من دروس الحرب الحالية لجعلها أقوى، وامتداح عمل قطاع الصناعات الدفاعية لتأمين الذخائر ومستلزمات الحرب.