استمع إلى الملخص
- تتعرض المنظمة لتشويه وتضييق من السلطة، مما يضعف الحركة النقابية ويؤثر على حقوق العمال، مع تضارب المواقف داخل الاتحاد بسبب التيارات السياسية المتعددة.
- يطالب معارضو القيادة الحالية بتقديم موعد المؤتمر لإنقاذ المنظمة، مشيرين إلى تأثير الوضع العام في البلاد على العمل النقابي وضرورة عقد مؤتمر استثنائي لانتخاب قيادة جديدة.
لم يعد خافياً أن الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة في تونس، يشهد خلافات عميقة وقوية، يمكن وصفها بالأزمة، برغم تقليل بعص النقابيين من حدتها واعتبارها خلافات طبيعية لن تؤثر على الصف النقابي. وتصاعدت وتيرة الخلافات بشكل مطرد منذ أشهر، حول عدد كبير من الملفات الحساسة، أولها الوضع السياسي العام في البلاد، وكذلك تراجع موقع المنظمة النقابية التي كانت رقماً لا يمكن تجاوزه في الشأن الوطني في كل الملفات، وإدارة الخلافات الداخلية.
وأشار الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، في اجتماع نقابي، الأسبوع الماضي إلى أن "الاتحاد اليوم في لحظة تأمل وتقييم لمحطات سابقة، مع الإقرار بحصول أخطاء". وأضاف "أخطأ الاتحاد في بعض القضايا، وأصاب في عدة قضايا أخرى"، مؤكدًا أن الاتحاد يعتزم تجديد خطابه ودوره النقابي وتصوراته للمستقبل. وبحسب ما نقل موقع الشعب نيوز التابع للاتحاد عن الطبوبي قوله، فإن المنظمة النقابية تواجه تشويهًا رغم ما قدمته، إضافة إلى تضييق للخناق وتلفيق ملفات هدفها ضربها وإضعاف الحركة النقابية التونسية والاستفراد بالعمال وضرب حقوقهم.
وأصبحت علاقة الاتحاد العام التونسي للشغل مع السلطة أبرز نقاط الخلاف داخل المنظمة، التي تُعرف بأنها مكوّنة من روافد سياسية متعددة، أهمها التيارات اليسارية بمختلف تنويعاتها، والقوميين. وكان تردد المنظمة وتضارب مواقفها أحياناً سبباً في تعميق حدة الخلافات. وحاولت القيادة الحالية احتواء الغضب الداخلي لقواعدها التي كان بعضها في منافسة مع السلطة في الانتخابات الأخيرة (المقربون من حركة الشعب والمرشح زهير المغزاوي)، إضافة إلى حزب العمال المُقاطِع بقوة للمسار السياسي.
وكان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، قال قبيل الانتخابات، إنّ "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تجاوزت قرارات المحكمة الإدارية بما لا يسمح بتوفير بيئة سليمة لإجراء انتخابات نزيهة تعكس بشكل حقيقي إرادة الناخبين والناخبات". وأكد حينها أن "اتحاد الشغل لا يمكنه اليوم التغافل عما آل إليه المشهد السياسي حالياً من انحراف في إدارة وتسيير الشأن العام، لا سيما في ظل عدم تفعيل العديد من المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المحكمة الدستورية"، معتبرا أن "الملاحقات والمحاكمات والإيقافات التي طاولت صحافيين ومدونين ونقابيين، فاقمت من احتقان المناخ السياسي والاجتماعي، ووسعت نطاق التضييق على الحريات بما فيها حرية التعبير".
ويعتبر معارضو القيادة الحالية أن هذه المواقف جاءت متأخرة وأن الاتحاد فقد قوته وتأثيره في المشهد العام. وطالبوا بتقديم موعد المؤتمر المقرر عقده في 2027 وتمسكوا بموقفهم خلال المجلس الوطني الذي انعقد في سبتمبر/ أيلول الماضي بمدينة المنستير، ولكن ذلك المجلس انتهى من دون اتفاق وفاقم الخلافات داخل المنظمة النقابية، بين جزء من القيادة الحالية، وجزء آخر معارض لها مع عدد من الجهات داخل البلاد، أبرزها جهة صفاقس ذات التأثير النقابي التاريخي.
من جانبه، أكد الكاتب العام المساعد للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس، محمد عباس في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "جهة صفاقس بصدد القيام مع عديد الجهات والقطاعات الأخرى، بتحركات وخطوات للضغط على قيادة الاتحاد، لتقديم المؤتمر، من أجل إنقاذ المنظمة في إطار الوحدة". وأضاف "في ظل فشل إدارة الصراع والخلاف مع الحكومة ارتأينا تقديم المؤتمر من أجل إنقاذ المنظمة في بعديها الوطني والاجتماعي"، مؤكدًا أن "من أسباب دعوة شق نقابي لتقديم موعد مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل وانتخاب قيادة جديدة هو ما تردى إليه الوضع داخل الاتحاد وعدم توصل القيادة الحالية إلى فرض روزنامة جديدة للمفاوضات الاجتماعية بشأن حقوق العمال والزيادات في الأجور وتطبيق اتفاقات سابقة ظلت معلّقة".
وأكد عباس "أنه كان هناك إجماع خلال المجلس الوطني (الذي يعد ثاني سلطة قرار في المنظمة النقابية) على تقديم موعد المؤتمر لتجاوز الإشكاليات الناجمة عن غياب الانسجام بين أعضاء المكتب التنفيذي الحالي الذي يقوده الأمين العام نور الدين الطبوبي". واعتبر المتحدث أن "تقديم موعد المؤتمر هو الحل الوحيد لتجاوز الأزمة الداخلية الحالية للمنظمة والحفاظ على وحدتها وصلابتها ودورها الاجتماعي في الدفاع عن حقوق الشغالين".
وتابع "خلال المجلس الوطني السابق تم الالتفاف على مطلب تقديم موعد المؤتمر ما أدى إلى انسحاب الأغلبية من المجلس تعبيراً عن رفضهم لتجاوز ما تضمنته لوائح المجلس، ثم جرى تعليق المجلس الوطني من دون المصادقة على الفصل المتعلق بتقديم تاريخ المؤتمر".
وتحدث محمد عباس عن "أزمة صلب المنظمة ناجمة عن تأثيرات الوضع الخارجي للمنظمة، أي الواقع العام في البلاد، على غرار تعطيل الحوار الاجتماعي وتعطيل جلسات التفاوض بين النقابات والسلطة وتوجيه تهم كيدية للنقابيين" مشيراً إلى أن" ذلك أدى إلى توتير الأجواء في المنظمة النقابية التي أصبحت في شبه عطالة" .
وأقر محمد عباس بـ"وجود تصدع صلب هياكل النقابة نتيجة ما وصفه بخنق المنظمة والتضييق عليها ورفض الحكومة فتح أبواب الحوار حول المطالب الاجتماعية". وقال "تفاقمت الأزمة صلب الاتحاد نتيجة الوضع العام للبلاد وتأثيراته على سير العمل النقابي". وأشار المسؤول النقابي إلى "سعي العديد من الجهات والقطاعات إلى رأب التصدعات في صلب المنظمة والانطلاق في خطة نضالية موحدة تعيد المنظمة إلى دورها القيادي التاريخي في الدفاع عن حقوق العمال"، مؤكدًا نية "الجهات والقطاعات الداعية إلى عقد مؤتمر استثنائي لانتخاب قيادة جديدة ومواصلة الضغط في إطار القوانين الداخلية للمنظمة لتحقيق هذا المطلب وإنقاذ المنظمة"، التي وصفها بـ"المستهدفة " .