قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إنه من المرجح أن يدعو مجلس الأمن إلى جلسة استماع بشأن سد النهضة قريباً، كرد فعل على الرسالتين المتعارضتين اللتين وصلتاه من كل من مصر وإثيوبيا، الأسبوع الماضي، إذ دعت كل منها المجلس للضغط على الطرف الآخر لإقناعه بقبول مقترحاته بشأن استئناف عملية التفاوض. يأتي ذلك بينما يتواصل الجمود بين الأطراف الثلاثة، خصوصاً مع إعلان وزير الري السوداني ياسر عباس، أمس الجمعة، رفض إثيوبيا دعوة سودانية لعقد قمة على مستوى رؤساء الحكومات لبحث قضية السد.
وأوضحت المصادر الدبلوماسية التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أنه على الرغم من أن الملء الثاني للسد أصبح قاب قوسين أو أدنى (يوليو/ تموز المقبل)، فإن التوقعات المصرية للجهد الدبلوماسي الدولي الذي تقوم به مصر على خط الدول الكبرى وأعضاء مجلس الأمن غير الدائمين، تقوم على "احتمال امتداده إلى العام المقبل قبل الملء الثالث للسد". ويأتي ذلك بسبب المؤشرات التي تستبعد حدوث ضرر جسيم بمصر خلال فترة الملء الثاني، التي بدأت إثيوبيا الإعداد له بالفعل، بسبب مؤشرات الفيضان الإيجابية من ناحية، وبدء إثيوبيا مبكراً في عملية تصريف المياه المحجوزة سلفاً من السد، والمتوقع أن تنعكس بزيادة "متوسطة" على مخزون بحيرة ناصر المصرية خلال الشهر المقبل.
لقاءات شكري الأفريقية تناولت إمكانية امتداد المفاوضات
وشرحت المصادر هذا الأمر بأنّ وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال لقاءاته الأفريقية المكثفة التي عقدها في 7 دول أخيراً، ركزت على إمكانية امتداد المفاوضات عاماً أو عامين آخرين، سواء تحت قيادة الاتحاد الأفريقي أو غيره، وفي كل الأحوال تحت عيون مجلس الأمن. وأشارت المصادر إلى أن جولة شكري تضمنت محاولات مصرية لتبديد بعض التصورات الأفريقية غير الصحيحة عن القضية، والتي استطاعت إثيوبيا ترسيخها طوال السنوات الماضية، على رأسها احتكار مصر لمياه النيل. وشملت الجولة كلاً من كينيا، التي ستحصل على عضوية غير دائمة في مجلس الأمن العام المقبل، والنيجر وتونس عضوي مجلس الأمن الحاليين، والكونغو الديمقراطية رئيس الاتحاد الأفريقي، والسنغال الرئيس المقبل، وجنوب أفريقيا وجزر القمر عضوي هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي.
وأوضحت المصادر أن مصر مؤمنة بأنه حتى في حال التوصل إلى اتفاق ملزم لقواعد الملء والتشغيل، فإنّ النشاط الدبلوماسي المستمر للضغط على أديس أبابا لمنعها من الخروج عن هذا الاتفاق المأمول، سيكون بمثابة "الروتين السنوي" لإبقائها تحت الضغط، وتغيير رؤية محيطها الإقليمي والقوى الكبرى للقضية ككل، وخاصة أنه حتى في حال إبرام الاتفاق، فمن الممكن الدخول في حالة مشابهة لما حدث بعد اتفاق المبادئ المبرم في مارس/ آذار 2015، من تراشق بالتفسيرات المتعارضة ومحاولات الالتفاف. وبالتالي، فإنّ الحل الأمثل على المدى البعيد هو أن تقر إثيوبيا سياسياً بضرورة مشاركة مصر والسودان في إدارة عمليات تغيير قواعد تشغيل السد السنوية، خاصة بعد انقضاء سنوات الرخاء الحالية، وإقدام الدول الثلاث على الدخول في مشروعات تكاملية سبق ودرستها الحكومات في عهد ما قبل رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، لتتحقق بالفعل مواد اتفاق المبادئ الخاصة بالعمل المشترك لتحقيق التنمية المستدامة.
وحتى ذلك الحين، بحسب المصادر، ستواصل مصر تنويع خطابها بين الحشد الدبلوماسي والتلويح بالحل العسكري، الذي ما زال مستبعداً من قائمة القرارات قصيرة الأجل، حفاظاً على الشرعية الدولية التي تكتسب مصر احتراماً وقبولاً عالمياً من خلالها، من دون أن تعرض نفسها لعقوبات أو تضييق من أي جهة.
وحول تدارس مقترح الانسحاب من اتفاق المبادئ، كشفت المصادر أنّ المخابرات العامة ووزارة الخارجية عقدتا، الأسبوعين الماضيين، جلسات فردية وجماعية عدة مع بعض الأكاديميين والخبراء المصريين والأجانب في القانون الدولي، وتم طرح هذه النقطة بين نقاط أخرى تخص سد النهضة. وتباينت الردود بين آراء مؤيدة لضرورة الانسحاب لنزع الشرعية عن التصرفات الإثيوبية، وتحفظ على ذلك لإبقاء الاتفاق كمرجعية لفضح المخالفات. وبرز اتجاه ثالث بأن تبادر مصر لإعلان أن إثيوبيا تعتبر منسحبة من اتفاق المبادئ والدعوة لإعادة التدارس حول اتفاق مبادئ جديد بسبب تفسيراتها الملتفة والتصرفات المناقضة لروح الاتفاق.
إثيوبيا رفضت دعوة سودانية لعقد قمة لرؤساء الحكومات
ومطلع إبريل/ نيسان الحالي، علم "العربي الجديد" أن بعض المسؤولين في مصر والسودان يطرحون أسباباً للتردد في هذه الخطوة، كالخشية من الفشل في إجبار إثيوبيا على تقديم أي تنازلات إذا انقضى اتفاق المبادئ، والخشية من المتاجرة الدبلوماسية من قبل أديس أبابا بأن خطوة الانسحاب تتناقض مع الرغبة في التوصل إلى اتفاق، أو اعتبارها مقدمة للحل العسكري الذي لوّح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي به للمرة الأولى، نهاية الشهر الماضي، ثم عاد واستبعده.
ووفقاً للمقترح المتداول، فإن الانسحاب من الاتفاق قد يكون في صورة إعلان ثنائي من القاهرة والخرطوم. ومن المطروح أيضاً أن تسبق دولة الأخرى إلى ذلك كنوع من التنسيق التكتيكي بينهما، وفي الحالتين سيكون الانسحاب خطوة مباشرة للجوء إلى مجلس الأمن بإرسال شكوى رسمية جديدة ضد إثيوبيا.
عباس: الاتحاد الأفريقي منحاز إلى الجانب الإثيوبي إلى حد ما
في غضون ذلك، أعلن السودان، أمس الجمعة، وضع سيناريوهات وخطط فنية وقانونية وسياسة عدة، في حال الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي من دون إخطار. وأكد وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس، في تصريحات صحافية، أن "إثيوبيا رفضت مقترح السودان للوساطة الرباعية". وأوضح أن "إثيوبيا رفضت أيضاً الدعوة التي وجهها أخيراً رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك لعقد قمة على مستوى رؤساء الحكومات لبحث قضية سد النهضة الإثيوبي، وهي ترى أن يترك الأمر للاتحاد الأفريقي"، مضيفاً أنّ الأخير "منحاز إلى الجانب الإثيوبي إلى حد ما، ولم يلعب دوره القيادي، بل اكتفى بدور المراقب فقط. ونحن نرى أنه لم تكن هناك منهجية جادة للتفاوض للوصول لاتفاق. واتهم عباس إثيوبيا بأنها "تماطل في الوصول لاتفاق لتجعل ملء السد أمراً واقعاً". ولفت إلى أنه "لا نتوقع نشوب حرب بين الدول الثلاث بسبب قضية سد النهضة"، مشيراً إلى أنّ السودان "سيعمل على حشد الرأي العام العالمي والإقليمي لضرورة مواصلة التفاوض الجاد للتوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة".