أزمة داخل الحكومة السودانية بين العسكر والحركات المسلحة: عملية السلام مهددة

29 مايو 2021
حركة الكفاح المسلح تتهم مجلس السيادة بالتباطؤ في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية (الأناضول)
+ الخط -

انفجرت أزمة جديدة داخل الحكومة السودانية بين المكون العسكري وحركات الكفاح المسلح التي انضمت مؤخراً للحكم، سببها تبادل الاتهامات بشأن تأخير تنفيذ بند الترتيبات الأمنية ضمن اتفاق سلام وُقع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويضم المكون العسكري أعضاء مجلس السيادة من العسكريين، أما حركات الكفاح المسلح فهي التي انضمت للحكومة بعد توقيعها على اتفاق سلام في جوبا العام الماضي، ومن أبرزها: "حركة تحرير السودان"، و"العدل والمساواة"، و"حركة تحرير السودان- المجلس الانتقالي"، و"الحركة الشعبية"، و"فصيل مالك عقار"، و"تجمع قوى التغيير".

ووقع انفجار الخلافات بين الطرفين، حين أصدر قادة الأجنحة العسكرية لحركات الكفاح المسلح، بياناً لم يتأخروا به، في اتهام المكون العسكري داخل مجلس السيادة الانتقالي برئاسة رئيس المجلس القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بـ"التباطؤ في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، وصناعة حركات مسلحة موازية، لتعقيد المشهد العسكري وإفشال عملية السلام"، كما جاء في البيان.

ونص بند الترتيبات الأمنية الواردة في اتفاق جوبا بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة، ضمن ما نص، على وقف إطلاق النار، وكافة الأعمال العدائية، ونزع السلاح والعمل على دمج وتسريح المقاتلين في الحركات المسلحة، وتكوين قوات مشتركة من الأطراف قوامها 12 ألف عنصر لحماية المدنيين في إقليم دارفور، ودمج الحركات المسلحة في المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، وذلك على 3 مراحل، وفي مدة لا تقل عن 39 شهراً.

ولتنفيذ تلك البنود، نص الاتفاق، على تشكيل مجلس أعلى مشترك لمتابعة عمليات الدمج، وتعيين عدد من ضباط الحركات في القوات البرية والشرطة والمخابرات العامة.

وبعد 7 أشهر من التوقيع على الاتفاق، الذي تلاه مشاركة الحركات المسلحة في مجلس السيادة بواقع 3 أعضاء وفي مجلس الوزراء بواقع 6 وزراء، ترى الحركات الموقعة على اتفاق السلام، أن نسبة تنفيذ الترتيبات الأمنية، مخيبة للآمال، ولم تتجاوز 5%، طبقاً لنائب رئيس "الحركة الشعبية" ياسر عرمان، الذي أدلى بتصريحات تلفزيونية، اتهم فيها استخبارات الجيش السوداني بتعطيل العملية. 

وتلا ذلك بيان، يوم أمس الجمعة، من قادة الأجنحة العسكرية، جاء فيه، أنّ المكون العسكري "لم يتقدم خطوة واحدة لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية،" وأنه "يعمل على كسب الوقت بغرض تخريب السلام"، قبل أن يتهم ذات المكون بعدم الجدية، وعدم الرغبة في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية.

واستشهد البيان، لعدم جدية المكون العسكري، بعدم إصدار رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، قرارات بإشراك قادة الكفاح المسلح في إدارة الأجهزة الأمنية على المستوى السياسي والتنفيذي، كما لم يصدر قرار بتعيين وزراء دولة في وزارتي الدفاع والداخلية، ولم يعين ضباط من الحركات المسلحة في هيئة الأركان المشتركة للجيش السوداني، ولا في هيئة قيادة الشرطة، ولقيادة جهاز المخابرات، والدعم السريع.

ومع تلك الاتهامات، صمت المكون العسكري عن الرد باستثناء ما قاله مصدر عسكري مجهول، نفى أولاً الاتهامات ضد استخبارات الجيش التي أكد حرصها على وحدة الحركات الموقعة على اتفاق السلام، مشدداً على أنّ الاستخبارات "غير ضالعة في شق تلك الحركات، أو إنشاء أخرى، وذلك لما هو معلوم بالضرورة من تداعيات سلبية خطيرة على الأمن القومي والعسكري الناتج عن ذلك التكاثر"، طبقاً لما جاء في تصريح للمصدر. 

وأوضح المصدر أنه "ليس هناك مصلحة للقوات المسلحة واستخباراتها في تشظي شركاء السلام وتأخير اندماجها في الجيش"، وذكر ، أن واحداً من أسباب عدم تنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية هو "عدم توفر التمويل".

أما المستشار الإعلامي للبرهان، العميد الطاهر أبوهاجة، فقد تعاطى مع بيان الحركات المسلحة، بمقال نشره على نطاق واسع، استنكر فيه تناول مسألة الترتيبات الأمنية في الصحف، والوسائط الإعلامية المختلفة، لأنها، حسب تقديره، "مسألة حساسة مرتبطة بأفراد وقوات بطرفي التفاوض"، مشيراً إلى أنها قضية "لا تحتمل التشويش والعمل الإعلامي الضار في هذه المرحلة التاريخية الحرجة".  

وأضاف أن عقلية التخوين وطرق التفكير السالبة من الأفضل أن توضع أرضاً، "فلا أحد يريد أن يهضم أو يسلب حقوق الآخرين".

وأضاف أن من الواجب "المحافظة على إنجاز اتفاق السلام التاريخي بالعقل والحكمة"، نافياً وجود علاقة للمكون العسكري والقوات المسلحة ببند الترتيبات الأمنية، مؤكداً أن المهمة تختص بها لجنة مشتركة من أطراف السلام ويشرف عليها وزير الدفاع، ولجنة عليا مهمتها متابعة تنفيذ الاتفاق، مشكّلة من قادة الحركات الموقعة، وقادة الأجهزة الأمنية، وسبق أن توصلت تلك اللجان إلى أنّ العقبة الرئيسة هي التمويل.

ومع تلك الخلافات، يبدو أن اتفاق السلام بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح، حسب تقديرات كثيرين، مهدد بالانهيار في أي لحظة، وربما يمتد أثر ذلك على المفاوضات التي تجريها، هذه الأيام،الحكومة في جوبا مع "الحركة الشعبية" فصيل عبد العزيز، التي تعد كبرى حركات التمرد في البلاد، لأن عدم تنفيذ الاتفاقيات السابقة يدفع "الحركة الشعبية" للتشدد أثناء التفاوض.

ويرى المحلل السياسي عبد الله رزق، أنّ بند الترتيبات الأمنية "عنصر جوهري في كل اتفاقيات السلام التي وقعت في السودان، منذ العام 1972، تاريخ أول اتفاق بين الحكومة ومتمردين مروراً ببقية الاتفاقيات".

ويشير، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن المسألة ألأكثر إلحاحاً في أي ترتيبات أمنية "هي التسريح والدمج وإعادة الدمج، ونجاحها بدمج المقاتلين في الجيش الحكومي أو تأهيلهم للحياة المدنية، وأن أي قصور فيها ربما يعيد الأوضاع لنقطة الصفر".

وأضاف رزق أنّ "الاستفادة من دروس وتجارب الاتفاقيات السابقة هي مدخل لعلاج الخلاف الحالي بين الحركات المسلحة والمكون العسكري، لأن استمرار الخلافات بمثابة ثغرة واضحة في عملية السلام، حتى ولو بدت تلك الخلافات وكأنها تباين في وجهات النظر أو تفسيرات متناقضة لبنود الاتفاق".

وشدد رزق على "أهمية تفعيل اللجان المشتركة والجلوس على مائدة التفاوض تماماً كما حدث حينما دخلت الحركات المسلحة للمدن بما في ذلك الخرطوم قبل عدة أشهر، إذ تدخل المكون العسكري، وأمر بنقلها إلى خارج المدن تنفيذاً لما جاء في اتفاق السلام".

المساهمون