أزمة جديدة بين الرباط ومدريد بسبب زعيم "البوليساريو"

25 ابريل 2021
المغرب يعتبر استقبال إسبانيا لزعيم البوليساريو عملاً منافياً لحسن الجوار (فرانس برس)
+ الخط -

تلوح نذر أزمة جديدة بين الرباط ومدريد، بعدما استدعت الخارجية المغربية، السبت، السفير الإسباني، لطلب توضيحات بشأن استقبال بلاده زعيم جبهة "البوليساريو"، إبراهيم غالي، الذي دخل إلى البلاد بهوية جزائرية مزيفة للعلاج بعد تدهور وضعه الصحي جراء إصابته بفيروس كورونا.

وكشفت جريدة "إلموندو" الإسبانية، مساء السبت، أن الخارجية المغربية أبلغت سفير إسبانيا ريكاردو دييز رودريغيز، خلال استقباله، استياء الرباط من موقف مدريد الذي وصف بأنه "غير عادل"، مؤكدة له "عدم تساهل المغرب في قضية الوحدة الترابية، باعتبار الصحراء موضوعاً وجودياً للمملكة المغربية، وأن تجاهل هذا الواقع عمل ضد الشراكة الاستراتيجية بين البلدين".

وبينما لم تصدر الخارجية المغربية إلى حد الساعة أي موقف رسمي من استقبال مدريد زعيم "البوليساريو"، نقل موقع "le 360" المقرب من السلطات المغربية عن مسؤول وصفه بـ"الكبير في الدبلوماسية المغربية"، استنكاره لما سماه "الموقف الخائن" للسلطات الإسبانية. وقال المسؤول المغربي للموقع: "من خلال الترحيب سراً بزعيم الانفصاليين، لم تعتبر السلطات الإسبانية المغرب صديقاً وشريكاً متميزاً لاستخدام المصطلحات التي استخدمتها السيدة أرانشا غونزاليس لايا"، مضيفاً بنبرة مستنكرة: "لماذا فضلت إسبانيا المناورة واللعب خلف ظهر المغرب، على الرغم من أنها تعرف جيداً أن قضية الصحراء قضية وجودية للمملكة المغربية؟".

ويرى الدبلوماسي المغربي الكبير، بحسب ما أورد الموقع المقرب من السلطات، أن هذا "موقف غير عادل يتعارض مع روح الشراكة وحسن الجوار بين البلدين"، لافتاً إلى أن "هذا الموقف يثير اللبس والتساؤلات في المغرب".

وكانت مدريد قد أقرت، الخميس الماضي، بوجود غالي في إسبانيا، فيما استبعدت وزيرة خارجيتها، في مؤتمر صحافي، أن يكون ذلك سبباً للصراع مع الرباط، مشيرة إلى أن "المغرب دولة صديقة وشريكة في مختلف القطاعات، وهذا لا يمنع من التزام حكومة مدريد تعهداتها الإنسانية".

والخميس الماضي كشفت وسائل إعلام إسبانية، أن غالي أدخل إلى طوارئ مستشفى بلدة لوغرونيو، ليلة الأربعاء، بسبب صعوبات شديدة في التنفس، وأنه لم يكشف هويته الحقيقية لإدارة المستشفى، وقدم هوية جزائرية مزورة، تحمل اسم "محمد بن طبوش".

وبحسب الباحث في العلاقات الدولية، بوبكر أونغير، فإن استقبال إسبانيا لزعيم "البوليساريو" يعتبر وفق الأعراف الدبلوماسية "عملاً منافياً لحسن الجوار، وخروجاً عن اللياقة الدبلوماسية"، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد": "ماذا سيكون رد مدريد مثلاً لو احتضنت الرباط انفصاليي الباسك؟ ألن يكون أمراً معيباً ومسّاً بالعلاقات التاريخية الجيدة التي تربط المغرب بإسبانيا؟ هذا من جهة. ومن جهة أخرى، لماذا تعمدت إسبانيا أن تستقبل زعيم البوليساريو بهوية مزورة؟ أليس ذلك مدعاة للتساؤل عن الخلفيات الحقيقية لإخفاء اسم غالي المطلوب للعدالة الإسبانية والدولية؟ أليس حرياً بدولة ديمقراطية عريقة مثل إسبانيا أن تحرص على احترام القانون الدولي، وأن لا تسمح للمارقين والمجرمين والإرهابيين بأن يحتموا بأراضيها ويستغلوا مؤسساتها؟".

وقال أونغير إن التصرف المغربي باستدعاء السفير الإسباني في محله، لأن الرباط ضاقت ذرعاً بازدواجية المواقف الإسبانية، وباستمرار مدريد في لعب أدوار غامضة وغير مفهومة في علاقتها مع الوحدة الترابية المغربية"، لافتاً إلى أن ما لا تعيه مدريد، أن الدبلوماسية المغربية غيرت أسلوب عملها في السنوات الأخيرة من دبلوماسية متسامحة إلى درجة كبيرة إلى دبلوماسية فاعلة مؤثرة ومستعدة للمواجهة الدبلوماسية.

واعتبر الباحث المغربي أن "استقبال إسبانيا لزعيم الانفصاليين بتدخل شخصي من الرئيس الجزائري وبهوية مزورة كان الغرض منه إخفاء التواطؤ الإسباني الجزائري، والتستر على هوية إبراهيم غالي، لكي لا يعرف المغرب والمنظمات الحقوقية الدولية"، مشيراً إلى أنه "بفعل يقظة المؤسسات المغربية استطاعت الرباط أن تفضح هذا التواطؤ المفضوح، وأن تظهر للرأي العام الوطني والدولي ازدواجية الخطاب لدى الحكومة الإسبانية".

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويأتي ذلك في وقت تعرف فيه العلاقات بين الجارين توتراً منذ إعلان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في 10 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اعترافه بسيادة المغرب على الصحراء، إذ اعتبرت مدريد على لسان وزيرة خارجيتها أن القرار الأميركي لا يخدم نزاع الصحراء، بل يزيد من تعقيده، لأنه يقوم على ما وصفته بـ"القطبية الأحادية"، وليس على البحث عن الحل الذي تشارك فيه مختلف الأطراف، سواء القوى الممثلة في مجلس الأمن أو القوى الإقليمية التي لديها علاقة بالنزاع، وبالتالي ضمان استمرار الحل.

وانعكس الموقف الإسباني بشأن الاعتراف الأميركي سلباً على القمّة الإسبانية المغربية، التي كان من المقرّر عقدها في 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، حيث أُجِّلَت لأكثر من مرة إلى موعد لم يحدد، في إشارة واضحة على تأزم العلاقات بين الرباط ومدريد، التي وصفت طوال العقد الماضي بأنها نموذجية على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، بعد أن تراجعت الملفات الخلافية بين البلدين الجارين، في ظلّ ما يسميه البعض "الجوار الحذر".

وفي وقت اعتبرت فيه الأوساط الإسبانية أنّ الخطوة الأميركية وتمدّد المغرب في الصحراء يزيدان من إضعاف موقف مدريد على المستوى الإقليمي، وأن الرباط تحظى أيضاً بدعم لندن لعزل إسبانيا بشأن قضية الصحراء؛ كان لافتاً حرص وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، خلال مقابلة مع إذاعة محلية، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على بعث رسالة مباشرة إلى الجارة الشمالية عنوانها الرئيس أن المغرب لن يقبل مستقبلاً من الدول الحديث عن حل عادل ودائم، بل الحديث عن مقترح الحكم الذاتي كأرضية لحل النزاع.

المساهمون