أزمة بين المؤسسة العسكرية ودائرة السيسي

16 أكتوبر 2020
الانفجار سيؤدي لعودة القوات المسلحة إلى المشهد (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

تعكف دوائر صناعة القرار المصري والأجهزة السيادية على وضع رؤية للتعامل مع حالة الغضب التي تسيطر على الشارع المصري، جراء السياسات الاقتصادية للنظام، وذلك في أعقاب موجة الغضب التي تفجرت في 20 سبتمبر/أيلول الماضي.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، أن المؤسسة العسكرية وجهت تحذيرات للقيادة السياسية، بضرورة التعامل مع حالة الغضب في الشارع بجدية حقيقية، مع التأكيد على ضرورة إتاحة هامش من الحريات السياسية، لمنع انفجار الأوضاع. وقالت المصادر إن المؤسسة العسكرية تقدمت بتصور كامل بشأن مخاوفها من حالة انفجار مرتقبة، لا يريدها أحد، بحسب تعبير المصادر، إلا أنها قد تكون حتمية في ظل ارتفاع معدلات الغضب لدى الطبقات الأكثر احتياجاً وفقراً في المجتمع المصري.

تتحرك القوات المسلحة على محورين أساسيين للتعامل مع حالة الغضب في الشارع

وأشارت المصادر إلى أن التحذيرات التي قدمتها المؤسسة العسكرية ترجع لكون أنه في حالة انفجار المشهد لن يكون هناك بديل سوى عودة القوات المسلحة مجدداً للمشهد، للسيطرة على الأوضاع ومنع انزلاقها إلى حد سقوط الدولة، لافتة إلى أنه في ظل الغضب المتواجد في الشارع فسيمثّل نزول القوات المسلحة كارثة، لأنه سيكون بمثابة الاصطدام بالمواطنين، بعد فترة ليست بالقليلة من الربط المقصود بين رأس الدولة والقوات المسلحة.
وكشفت المصادر أن القوات المسلحة باتت تتحرك على محورين أساسيين للتعامل مع تلك الحالة، أولهما، تحسين صورتها لدى المواطنين البسطاء، والعمل على رصد الاتهامات الموجهة للقوات المسلحة، وتجهيز الردود الملائمة عليها. أما المحور الثاني، بحسب المصادر، فيرتبط بشكل وثيق بالتدخل لدى القيادة السياسية لمطالبتها بضرورة ترشيد خطابها المتعلق بالقوات المسلحة من جهة، والعمل على سياسات من شأنها امتصاص غضب محدودي الدخل والفئات الأكثر احتياجاً.
وكشفت المصادر أن تقريراً أعدته المخابرات الحربية بشأن حالة الشارع المصري أخيراً، عُرض على وزير الدفاع محمد زكي، قبل أن يجيزه ويصدق عليه للعرض على رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، رصد خلاله الجهاز، التابع للقوات المسلحة، أسباباً وصفها بالحقيقية لغضب الشارع، من بينها أسباب تتعلق بالقرارات الحكومية التي وصفها التقرير بالخاطئة، بالإضافة لتصدر شخصيات لا تحظى برضا شعبي للمشهد، إضافة إلى انتخابات مجلس النواب المزمع انطلاقها في الداخل يومي 24 و25 أكتوبر/تشرين الأول الحالي.

وقالت المصادر إن التقرير أثار غضباً كبيراً داخل دائرة السيسي القريبة، لكون المخابرات الحربية غير معنية بهذه الملفات في الوقت الحالي، إلا أن تبرير وزير الدفاع كان مرتبطاً بكون هذه الأزمة ستؤثر على القوات المسلحة خلال الفترة القريبة المقبلة، إضافة إلى أن القوات المسلحة، بحكم الدستور الجديد، لها اختصاصات متعلقة بحماية الشرعية الدستورية، بحسب تعبير المصادر. وحذر التقرير، الذي اطلعت "العربي الجديد" عليه، من حالة الغضب المتنامي في الشارع المصري بسبب الإجراءات الحكومية الأخيرة والخاصة بإزالة العقارات المخالفة ورفع أسعار الخدمات، مثل المترو. وقال مصدر إن السيسي استجاب لبعض التوصيات التي وردت بالتقرير، الذي حمل عنوان "تحليل اتجاهات الرأي العام... استراتيجية الإعلام والقوى المعادية في الخارج لتوظيف قضية هدم المباني المخالفة لإثارة الشارع المصري"، ومنها تنحية الجيش عن ملف الإزالة لتجنب المواجهة مع الشعب، والوقف الفوري للإزالات، وعمل مؤتمرات لملء حالة الفراغ العام.

حذر التقرير من حالة الغضب المتنامي في الشارع المصري بسبب الإجراءات الحكومية الأخيرة

وأوضح التقرير أن قانون التصالح في مخالفات البناء أثار منذ صدوره حالة من الغضب الشعبي المتنامي لدى قاعدة غير قليلة من المصريين، تأثرت بشكل مباشر من تنفيذه. كما رافق تنفيذ القانون حالة من الارتباك إثر وجود الكثير من الجوانب غير الواضحة في القانون، خصوصاً ما يتعلق بالمسؤول عن دفع مبالغ التصالح والغرامات. وأضاف التقرير أنه مع توجه الدولة لهدم المنازل المخالفة خلال الفترة الأخيرة، تنفيذاً لتوجيهات السيسي، تزايدت حالة الغضب الشعبي بشكل كبير للغاية، بسبب هدم عشرات المنازل المخالفة، سواء بُنيت بالتعدي على الأراضي الزراعية، أم على أراضي الدولة. وزادت هذه الحالة من الغضب بتوازي أعمال الهدم مع قرارات اقتصادية تم اتخاذها أخيراً أثارت موجة غضب، مثل قرار رفع أسعار تذاكر المترو والقطارات وأسعار الكهرباء وقيمة تجديد رخص قيادة السيارات وغيرها من القرارات.

وأشار التقرير إلى أن حديث السيسي، أثناء افتتاح بعض المشاريع في محافظة الإسكندرية في 29 أغسطس/آب الماضي، عن ضرورة هدم المباني المخالفة، واستعداد الدولة للدفع بالقوات المسلحة نحو القرى لهدم هذه المخالفات، "كل هذا تسبب في عمل القوى والإعلام المعادي في الخارج، وتحديداً في إسطنبول والدوحة ولندن، على استغلال هذا الأمر لتسخين وإثارة الشارع المصري ضد الإدارة السياسية وضد شخص السيسي، وأن هذا الأمر دفع إلى خلق حالة احتقان حقيقية في المجتمع المصري". وقال التقرير إن هذه القنوات "روّجت أن هناك انقسامات داخل مؤسسة الدولة، وأن القيادة السياسية لا تستمع لتقارير هذه المؤسسات". وأضاف أن "قنوات الإعلام المعادي ركزت على كلمة الرئيس فيما يتعلق بإمكانية قيام المؤسسة العسكرية بهدم البيوت المخالفة. وطرحت هذه المنصات الإعلامية تساؤلات بشأن هل من مهام المؤسسة العسكرية القيام بذلك؟ وأن ذلك سيؤدي إلى خلق حالة عداء للمؤسسة العسكرية إذا قامت بهدم المنازل المخالفة. على الرغم من أن هناك عِلماً لدى الدولة المصرية بوجود ملايين المخالفات وليست كلها تعديات على الأراضي الزراعية، وإنما مخالفات متفاوتة درج عليها المصريون منذ عقود، وسمحت بها الدولة من خلال وزاراتها المتمثلة في التنمية المحلية والكهرباء والمياه، بتوصيل تلك الخدمة كاملة دون اشتراط إزالة أي مخالفة". وأشار إلى أن الدولة تحاسب ملايين الملاك الصغار من الكادحين الذين وضعوا أموالهم في مبنى صغير، أو عقار، وتترك المخالفات التي يقوم بها رجال الأعمال والمسؤولون والمستشارون والضباط. وأشار التقرير إلى اهتمام مختلف المنصات بفيديو الشيخ مبروك عطية الذي كان ينتقد فيه هدم المنازل باعتباره أعظم ذنباً من التعرض للمسجد الحرام، وكذلك التركيز الكبير على هدم المساجد وترك الكنائس.

أشار التقرير إلى أن الدولة تحاسب ملايين الملاك الصغار وتترك مخالفات رجال الأعمال والمسؤولين

وجاء في التوصيات أنه يجب الأمر بشكل عاجل و"داخلي" دون إعلان رسمي بوقف تنفيذ عمليات الإزالة الفعلية، والتركيز، على الأقل حالياً، على تحصيل غرامة المخالفة، خصوصاً أن مشاهد الإزالات حالياً سيصعب منع تصويرها، وهي توفر مادة دسمة للإعلام المعادي ليستخدمها لتأجيج مشاعر المصريين وزيادة الاحتقان. إضافة إلى "التركيز على هدم بعض المخالفات التي قام بها بعض رجال الأعمال والأثرياء، وكذلك بعض المستشارين والمسؤولين، لإظهار أن الدولة لا تستهدف البسطاء فقط"، و"زيادة النشاط الحكومي على مستوى المؤتمرات الصحافية لملء حالة الفراغ الكبيرة الموجودة في المجال العام". كما نصح التقرير بإعلان الرقابة الإدارية "إحالة عدد من المسؤولين السابقين في الأحياء للمحاكمة، نتيجة الفساد والسماح بوجود مخالفات بناء"، والتسريب للصحافة عن "قرب عمل تعديل وزاري وكذلك حركة محافظين، لأن ذلك سيخلق حيوية وجدلاً مجتمعياً". وأخيراً أكدت التوصيات على ضرورة "تنحية القوات المسلحة عن الانخراط في هذا الملف حتى لا يفقد المواطنون الثقة بها، والدخول في مواجهات معها، وبالتالي ضعف مكانتها وقيمتها لديهم".

وكانت مصادر كشفت، في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، أن "فتوراً" يعتلي العلاقة بين السيسي وزكي، يصل إلى حد الخلاف بين الرجلين. وقالت المصادر إن إصرار زكي على عدم الزجّ بالجيش في أي خلافات داخلية منذ فترة طويلة، وكذا إصراره على سحب عناصر الجيش بشكل كامل من الشارع، منذ فترة، وتفريغه لمهامه المعني بها في المقام الأول، والخاصة بتأمين حدود البلاد، والمهام العسكرية، بدعوة أن ذلك مطلب قيادات الجيش، على غير رغبة السيسي، تسببت في حالة من الفتور، التي دفعت الرئيس لتوجيه تعليمات بتخفيض حجم الظهور الإعلامي لوزير دفاعه، وهو ما كان سبباً في عدم التفاعل مع مشروع حرب نفذه الجيش المصري، نهاية أغسطس الماضي، بمشاركة وزير الدفاع، وحضور عدد من الإعلاميين، حيث لم يحظَ بتغطية إعلامية مباشرة على الرغم من حضور الوزير.

وأوضحت المصادر أن تخفيض الظهور الإعلامي للوزير كان ضمن مجموعة تعليمات أخرى، تضمنت مشاركة رئيس الأركان وحده في المناورات، إلى جانب قادة الأفرع بدون مشاركة من جانب زكي. وبحسب المصادر، فإن الوزير، من جانبه، لا يكترث بمثل هذه التعليمات ولا تشغله، وأن كل ما يهمه فقط هو تنفيذ خطته الرامية للنأي بالمؤسسة العسكرية بعيداً عن مناطق النزاع أو الصدام مع الشعب. وتولى وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي منصبه في 14 يونيو/حزيران 2018 خلفاً للوزير صدقي صبحي الذي كان محصناً بنص الدستور، بحيث كان ينص الدستور المصري وقتها على أن يستمر في منصبه لمدة 8 سنوات، إلا أن السيسي أطاحه بعد الحديث عن خلافات دبّت بينهما بسبب موقفه الرافض من التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.

المساهمون