أزمة انتخابية في جورجيا: قواعد الحزب الجمهوري تهدّد النتائج

01 سبتمبر 2024
من انتخابات الإعادة لمجلس الشيوخ في جورجيا، ديسمبر 2020 (تامي شابيل/فرانس برس)
+ الخط -

ما كان يطمح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى تحقيقه في ولاية جورجيا، بقلب نتائج التصويت لصالحه في انتخابات الرئاسة 2020، يعتقد البعض أنه ما زال من الصعب تحقيقه في انتخابات الرئاسة الأميركية المقرّرة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. فالقواعد الجديدة التي أقرّها مجلس الانتخابات في الولاية الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري تعطي مجالس المقاطعات (مسؤولو الانتخابات المحليون) سلطة تقديرية، تتيح لهم إمكانية رفض التصديق على النتائج، وهو ما قد يلقي بظلاله وتأثيره على العملية الانتخابية بأكملها. مسؤولو الانتخابات المحليون المعروفون باسم المُشرفين، تتمثل وظيفتهم قانونياً بجمع نتائج التصويت من مراكز الاقتراع ضمن ولايتهم القضائية، وإضافة النتائج، والإبلاغ عن هذه الأرقام إلى وزير خارجية جورجيا، غير أن القواعد الجديدة تسمح لهم بسلطة كبيرة، إذ تتيح لهم التحقق من وجود اشتباه، وإمكانية اتخاذ قرار برفض التصديق على النتائج.

تعديلات انتخابية تخدم الحزب الجمهوري

شهدت ولاية جورجيا في انتخابات الرئاسة عام 2020، رفض ترامب وحملته النتائج الانتخابية (فاز جو بايدن بالولاية)، ورفع دعاوى عدة بزعم وجود تزوير، تمّ رفضها جميعها، وأعيد فرز الأصوات في الولاية، لأن هامش فوز بايدن كان أقل من نصف في المائة. وطبقاً للقانون، أعيد الفرز يدوياً واستغرق أياماً عدة، لكن في النهاية أُكِّدَت خسارة ترامب الذي رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات، وهاجم آنذاك مسؤولي الانتخابات في الولاية الذين أكدوا نزاهتها وعدم ثبوت وجود تزوير واسع النطاق أثّر في النتائج.

صار بإمكان ترامب هذا العام الاعتماد على مجالس المقاطعات، لإحداث فوضى على الأقل بعد فرز الأصوات

وفي مكالمة مسربة لترامب عقب خسارته التصويت في الولاية عام 2020 وقبل اعتماد النتائج بها، قال مخاطباً وزير خارجية ولاية جورجيا والأمين العام للولاية، براد ريفينسبيرغر (من الحزب الجمهوري): "كل ما أريدك أن تفعله هو الآتي: عليك أن تعثر على 11780 صوتاً، لأننا بالفعل فزنا في هذه الولاية"، ودعا ترامب الأمين العام للولاية إلى إنقاذه من خسارة الانتخابات الرئاسية في هذه الولاية المتأرجحة، التي لم يفز بها ديمقراطي منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، ولكن فاز بها جو بايدن.

وظلّت هذه القضية تدور في المحاكم طوال السنوات الماضية. وكان ترامب قد أكد في مكالمته مع ريفينسبيرغر أنّ "من المستحيل أن أكون قد خسرت جورجيا... لقد فزت بفارق مئات الآلاف من الأصوات"، معتبراً أن "سكّان جورجيا يشعرون بالغضب، سكّان البلاد يشعرون بالغضب". لاحقاً حاول ترامب وحملته تحريض اللجنة الانتخابية في الولاية، على عدم اعتماد نتائج الانتخابات، ولكن محاولاته لم تفلح. اليوم، وبعد أربع سنوات، صار بإمكان ترامب الاعتماد على مجالس المقاطعات، على الأقل لإحداث فوضى في حال رفض حاكم الولاية والأمين العام للولاية الاستجابة لمطالبه.

ويسيطر الحزب الجمهوري على منصب حاكم الولاية والهيئات التشريعية في جورجيا، ويبلغ عدد أعضاء مجلس الانتخابات فيها خمسة أعضاء، ومع تعيين ثلاثة أعضاء من الحزب الجمهوري هذا العام، ذكرهم ترامب بالاسم خلال تجمعاته الانتخابية، وهم جانيل كينغ، والدكتورة جانيس جونستون، وريك جيفاريس، فإن هؤلاء الذين يتمتعون بالأغلبية في المجلس، أجبروا على إجراء تعديلات جديدة كان قد طالب بها أنصار الرئيس السابق، ما دفع منتقديهم إلى القول إنهم يعملون لاسترضاء ترامب.

وفي أغسطس/آب الماضي، أقرّ أعضاء المجلس في جورجيا قواعد جديدة، حيث تنص القاعدة الأولى بعد التعديل، على أن مجلس المقاطعة يمكنه فقط التصديق على الانتخابات "بعد تحقيق معقول للتأكد من أن فرز الانتخابات كامل ودقيق، وأن النتائج تمثل حساباً حقيقياً ودقيقاً لجميع الأصوات المدلى بها في تلك الانتخابات"، فيما تسمح القاعدة الثانية لأعضاء مجلس انتخابات المقاطعات الفرديين "بفحص جميع الوثائق المتعلقة بالانتخابات التي أُنشئت في أثناء إجراء الانتخابات قبل التصديق على النتائج".

يخشى مدافعون عن حقوق التصويت أن تجعل القرارات الجديدة التصديق على الأصوات تقديرياً وليس إلزامياً

تمنح هذه التعديلات مسؤولي الانتخابات المحليين الحق في مراجعة الوثائق بحثاً عن مخالفات، ثم رفض التصديق على النتائج بناءً على استنتاجهم الشخصي بأن الانتخابات لم تجر بشكل صحيح بناءً على الاشتباه في الاحتيال. والتصديق هو التأكيد الرسمي، وهو جزء إلزامي في عملية التصويت كعلامة اختيار نهائية للتحقق من النتائج مع مكتب وزير الخارجية. فيما كان القانون القديم يمنح الحزب الذي يشكك في وجود مخالفات، الحق في أن يطعن بالنتائج. وعلّقت رئيسة الحزب الجمهوري في إحدى المقاطعات، سالي غروبس، التي تعتقد أن الانتخابات سُرقت في مقاطعتها، على هذه القاعدة الجديدة، قائلة إن مجالس الانتخابات المحلية لا ينبغي أن توافق على نتائج الانتخابات إذا لم تكن متأكدة من النتائج.

ويخشى الديمقراطيون أنه في حال خسارة ترامب جورجيا في انتخابات نوفمبر، فمن المرجح أن تضغط حملته على المسؤولين المحليين لاستخدام هذه السلطة، استناداً إلى الضغوط التي حاول ترامب وحلفاؤه فرضها على المسؤولين المحليين في 2020. ويخشى جمهوريون أنفسهم من فوضى في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بحال عدم التصديق على النتائج، ما يضع الولاية في موقف قد يؤثر في العملية الانتخابية برمتها، ويصفها مراقبون بأنها قد تؤدي إلى عملية تخريب التصويت في الولاية بأكملها.

انتقادات ودعوى ديمقراطية

أول من وجّه انتقادات لاذعة إلى هذه القواعد، وزير خارجية الولاية منذ 2019 ومسؤول الانتخابات الأول فيها المنضوي في الحزب الجمهوري براد ريفينسبيرغر، الذي طالب بوضوح مجلس الانتخابات بتأجيل التعديلات المستقبلية لما بعد الانتخابات الرئاسية هذا العام، وانتقد محاولة فرض هذه التغييرات في "اللحظات الأخيرة في الإجراءات الانتخابية"، كذلك طلب حاكم الولاية الجمهوري بريان كيمب، أخيراً من المدعي العام للولاية (كريس كار وهو ينتمي إلى الحزب الجمهوري) توجيهاً، بشأن ما إذا كانت لديه السلطة لطرد أعضاء مجلس الانتخابات الثلاثة من الحزب الجمهوري المسؤولين عن القواعد الجديدة. وكان ترامب قد أشاد بأعضاء المجلس الثلاثة، ووصفهم بأنهم "كلاب شرسة تقاتل من أجل الصدق والشفافية والنصر".

ومنذ عام 2020، يواجه الحاكم الجمهوري كيمب، هجوماً لاذعاً من ترامب الذي وصفه بأنه "سيئ وغير مخلص"، وسمّاه "برايد الصغير"، وألقى عليه اللوم في خسارته أمام جو بايدن، ولم تسلم زوجته مارتي من لسان الرئيس السابق، وردّ كيمب عليه قائلاً: "يجب عليك التوقف عن الانخراط في الإهانات الشخصية التافهة ومهاجمة زملائك الجمهوريين". وعبّر مدافعون عن حقوق التصويت عن تخوفهم من أن تجعل القرارات الجديدة التصديق على الأصوات من مسؤولي انتخابات المقاطعة، تقديرياً وليس إلزامياً. وقال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب بجورجيا، سام بارك، لشبكة سي أن أن الإخبارية أخيراً: "أسوأ سيناريو هو أن تكون لدينا مجموعة من المقاطعات التي لديها الآن سلطة تقديرية للتصديق على نتائج الانتخابات، ما يتسبب في تأخيرات هائلة وعدم اليقين، ويعني أنه قد لا تتمكن ولاية جورجيا من الآن فصاعداً من تلبية الموعد النهائي للتصديق على النتائج".

كذلك رفعت اللجنة الوطنية الديمقراطية والحزب الديمقراطي في جورجيا، دعوى قضائية للطعن على القواعد الجديدة وتطالب بالتزام قرار قضت به المحكمة العليا بالولاية منذ أكثر من قرن، ينص على أن التصديق على النتائج "واجب وزاري بحت"، وأن هؤلاء المشرفين "ليس لديهم الحق في الحكم على موضوع المخالفات أو الاحتيال" في الانتخابات. وتشير الدعوى إلى أن القواعد تنتهك قانون الانتخابات في الولاية، الذي ينص على أن المشرفين على الانتخابات يجب أن يصدقوا على جميع نتائج الانتخابات المحلية بحلول تاريخ معين، وأن القواعد الجديدة تنتهك قرارات المحكمة العليا للولاية، وأن مجلس الولاية لم يتبع الإجراء السليم عندما أنشأ القواعد الجديدة.

وتقول الدعوى إن قانون جورجيا لا يسمح لمراقبي الانتخابات المحليين بتأخير التصديق على الانتخابات أو الفصل في النزاعات المتعلقة بالانتخابات، وإن كيفية إجراء الانتخابات في الولاية واضحة ومباشرة. فبعد الإدلاء بالأصوات، يفرزها المراقبون المحليون في موعد نهائي، ثم  تُرسَل هذه النتائج إلى وزير الخارجية، الذي يفرزها بنفسه ويصدّق على النتيجة للحاكم، أيضاً في موعد نهائي. وعلاوة على ذلك، في عام الانتخابات الرئاسية، يتطلب القانون الفيدرالي من الولاية تعيين أعضاء الهيئة الانتخابية "في موعد لا يتجاوز التاريخ الذي يكون قبل ستة أيام من الموعد المحدد لاجتماع الناخبين، ما يعني أن تفويت موعد نهائي واحد قد يؤدي إلى سلسلة من العواقب". وإذا لم يلتزم مراقب محلي على الانتخابات مواعيده، فإن ذلك "قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة، ومن شأن هذا أن يؤدي إلى سلسلة من الأحداث بحيث لا يستطيع المسؤولون الكبار أيضاً الوفاء بالمواعيد النهائية الخاصة بهم".

يذكر أن ولاية جورجيا عدّلت قواعد التصويت الغيابي بعد حملات التشكيك التي أثارها الحزب الجمهوري في انتخابات 2020، حيث يتطلب من الأشخاص الذين يسلمون بطاقة اقتراع غيابية باليد أن يأتوا بنموذج من الهوية. وفي السابق كان على المقاطعات قبول أوراق الاقتراع حتى لو لم يُظهر الشخص بطاقة هوية. كذلك ستتطلب قاعدة جديدة أخرى المراقبة بالفيديو بعد إغلاق صناديق الاقتراع، ومراقبة صناديق التصويت عبر البريد، وستُعتبَر جزءاً من وثائق الانتخابات ويُحتفَظ بها لمدة عامين.

المساهمون