أزمة الدينار تضيق خيارات حفتر

21 مارس 2024
ليبيون في أحد أسواق طرابلس، فبراير(محمود تركيا/فرانس بر س)
+ الخط -
اظهر الملخص
- التنافس الدولي في ليبيا يتجلى في الجانب الاقتصادي، خاصة بعد الأزمة المالية ومقترح زيادة الضريبة على بيع النقد الأجنبي من قبل محافظ البنك المركزي، والذي وافق عليه رئيس مجلس النواب لسداد الدين العام.
- معارضة واسعة داخل ليبيا لقرار زيادة الضريبة، بما في ذلك من مجلس النواب ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، وسط اتهامات بتدخلات دولية تؤثر على القرارات الاقتصادية في البلاد.
- الولايات المتحدة تسعى لمواجهة التوغل الروسي في شرق ليبيا، وتدعم خليفة حفتر والحكومة المتحالفة معه لتجاوز الأزمات المالية، في ظل تداول عملة ورقية مزورة في شرق البلاد ونفي روسيا لعلاقتها بطباعة هذه العملة.

يبدو أن مظاهر التنافس الدولي المكتوم في الساحة الليبية لا يزال يسير حثيثاً في طريقه نحو المزيد من الخطوات، لكن من دون أن تتبيّن ملامح نتائجه حتى الآن، أو تظهر بعض المعطيات، والتي يمكن أن تُبنى عليها قراءة للتكهن وتحليل المستقبل.

تمظهرات التنافس تتشكل وتتبدل في أكثر من مسار، وآخرها في المسار الاقتصادي، والذي ظهر خلال الأيام الماضية في شكل أزمة أحاطت بقيمة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية.

وبشكل فجائي ومن دون مقدمات، خاطب محافظ البنك المركزي الليبي، الصديق الكبير، بداية شهر مارس/ آذار الحالي، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بمقترح يقضي بزيادة الضريبة على بيع النقد الأجنبي بنسبة مضاعفة، قبل أن يوافق الأخير على المقترح لعدة أسباب، أهمها "سداد الدين العام".

وضع البنك القرار موضع التنفيذ فور صدوره، على الرغم من موجة المعارضة الواسعة في الأوساط الليبية، ومن بينها مجلس النواب نفسه، والذي عقد جلسة، الاثنين الماضي، لمناقشة القرار والتأكيد على صدوره بشكل أحادي من قبل عقيلة.

كما عارضه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الذي خرج في خطاب متلفز، الاثنين ليلاً، ليقول لليبيين إن حكومته أنهت الدين العام من واقع مخصصات بيع النقد الأجنبي بالضريبة السابقة، والتي فرضت عام 2021 لهذا الغرض، كاشفاً النقاب عن أن الدين العام الذي يقصده عقيلة هو "الإنفاق الموازي من قبل حكومة مجلس النواب".

ورغم حالة المتابعة الشديدة لتصريحات المسؤولين الرافضين للقرار، إلا أن تصريحاً في الأثناء أدلى به النائب الأول لرئيس مجلس النواب فوزي النويري، الجمعة الماضي، أكد فيه أن قرار عقيلة صالح "صدر تحت ضغط وتدخلات وإملاءات دول أجنبية من خلال سفرائها".

وبينما لم يسمِّ النويري سفراء تلك الدول، إلا أنه من الواضح أنه كان يقصد السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، الذي التقى، قبل يومين من قرار صالح، محافظ البنك المركزي وناقش معه "إجراءات المحافظة على الاستدامة المالية للدولة وتعزيز قيمة الدينار الليبي"، بحسب بيان "المركزي" في 6 مارس/ الحالي، والذي لم يكشف عن طبيعة هذه الإجراءات، فيما شدّد على الحاجة لتوحيد البنك المركزي وإعداد موازنة موحدة في البلاد، والشفافية في الإنفاق الحكومي.

وفي وقت انصرف فيه المشهد العام في البلاد لمناقشة تبعات قرار عقيلة صالح على معاش المواطن وارتفاع الأسعار، يبدو أن الخطوة تأتي في سياق سياسات واشنطن في التوسع والتوغل باتجاه معسكر الشرق، والذي يعاني فيه قائد مليشياتها خليفة حفتر من أزمات مالية خانقة.

ويبدو أن واشنطن تريد إنقاذه منها وتسوية العهد المالية لحكومة مجلس النواب المتحالفة معه، قبل المضي بخطوات أخرى في اتجاه تشكيل حكومة تصريف الأعمال، والتي سبق وأعلن نورلاند، في الأسابيع الماضية، أنه ناقش سبل تشكيلها مع الدبيبة.

وتزامنت هذه الخطوات مع كشف البنك المركزي، في شهر فبراير/ شباط الماضي، تداول عملة ورقية مزورة على نطاق واسع في مناطق شرق ليبيا، طُبعت في مزرعة بضواحي بنغازي، وسط أنباء انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي تتحدث عن علاقة روسيا بطباعة العملة المزورة.

وبينما نفت السفارة الروسية في طرابلس، في بيان رسمي، نهاية فبراير، هذه الأنباء، أصدرت حكومة مجلس النواب قراراً بالقبض على كل من يرفض التعامل بتلك الفئة من العملة، على الرغم من تأكيد البنك المركزي أنها مزورة.

كل تلك الأحداث تكشف عن سعي أميركي حثيث لمواجهة التوغل الروسي بتوغل آخر في اتجاه شرق البلاد، وقطع الطريق أمام المزيد من ربط وشائج التحالف الروسي مع حفتر واحتوائه، وبالتالي الذهاب خطوات أخرى في طريق تنفيذ خططها الرامية للسيطرة على المشهد وتوجيهه.

لكن السؤال المثار هو ماذا عن مواقف وردود موسكو ضمن مشروعها، والذي بات واضحاً أنه يتخذ من شرق البلاد قاعدة استراتيجية للتوسع في فضاءات أكثر عمقاً في اتجاه أفريقيا؟ وماذا عن وضع حفتر المستقبلي، والذي باتت خياراته تضيق بين مصالح الطرفين؟

المساهمون