مافيات لها نفوذ توجد في السجون العراقية والعفو الخاص سينهي مشكلة
هناك حالات انتزاع اعترافات بالإكراه وفقاً لما أبلغنا به سجناء
أغلب الموجودين في السجون العراقية حُكموا بتهم تتعلق بالمخدرات
يحذّر رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي، أرشد الصالحي، من تعرّض العراق لمساءلة دولية وعقوبات في حال بقاء ملف المخفيين قسراً، الذين جرى تغييب الآلاف منهم على يد مليشيات مسلحة، بدون حلول منطقية. ويؤكد في حوار مع "العربي الجديد"، أن "مافيات" لها نفوذ توجد في السجون العراقية، وأغلب نزلائها حُكموا بتهم تتعلق بالمخدرات.
* كيف تقيّمون واقع حقوق الإنسان في العراق، خاصة في السجون، وما هي أهم ملاحظاتكم؟
واقع السجون في العراق ليس جيداً. التقينا وزير العدل أكثر من مرة، وأكدنا له أن هناك معلومات وشهادات تؤكد وجود انتهاكات لحقوق الإنسان، ووضع مزرٍ في ملف إطعام السجناء. كما تطرّقنا لمشكلة اكتظاظ السجون، والحكومة العراقية الجديدة أقرت بوجود الخروقات، وفتحت بريداً إلكترونياً لاستلام الشكاوى، أعلن عنه مستشار رئيس الوزراء لحقوق الإنسان زيدان خلف، فيما انهالت الرسائل عليه. ونعتقد أن النظر فيها (الرسائل) يحتاج لتضافر جهود جميع مؤسسات الدولة، عبر عملية فرز دقيقة لبيان دقة ما ورد في كل شكوى، والتعامل معها للوصول إلى الحقائق وتقديم المتورطين للقضاء، وإنصاف الضحايا.
* قلتم قبل أسبوعين إنكم وجدتم كارثة في السجون العراقية مرتبطة بمافيات. هل تتحدثون لنا عن ذلك بالتفصيل؟
وصلتنا في لجنة حقوق الإنسان النيابية شكاوى من سجناء وذويهم عبر نواب، قمنا على إثرها بإجراء زيارات مفاجئة لعدد من السجون، ووجدنا مافيات لها نفوذ مُقسّمة بين من تُدخل المخدرات وتوزعها على المتعاطين، ومن تبيع وتشتري (تبتز) السجناء، وثالثة معنية بالأطعمة، وأخرى متخصصة بإدخال الهواتف النقالة (الخلوية) وشبكات الإنترنت.
الصالحي: وجدنا قاعات "VIP" دفع من خلالها السجناء رشوة لتوفير وسائل راحة وخدمات كاملة
وكذلك وجدنا قاعات "VIP" دفع من خلالها السجناء، بغض النظر عن خلفياتهم، رشوة تصل قيمتها إلى 300 ألف دينار (200 دولار) شهرياً لتوفير وسائل راحة وخدمات كاملة. كذلك يُطلب في بعض السجون مبالغ من عوائل السجناء للسماح لهم بمقابلتهم، رغم أنه حق يُفترض أن يتم دورياً وحسب القوانين النافذة، وهذا فساد واضح ينبغي عدم السماح باستمراره.
بعد الزيارة جهزنا تقريراً، وننتظر استضافة وزير العدل خالد شواني ومدراء السجون في لجنة حقوق الإنسان النيابية، وعلى ضوء نتائج الاستضافة سيتم رفع توصيات إلى رئيس مجلس الوزراء (محمد شياع السوداني). من بين التوصيات المقترحة أن يُوزع السجناء على سجون قريبة من المحافظات التي قدموا منها، كأن يكون هناك 3 مواقع مركزية شمال ووسط وجنوب العراق، لأن هناك عوائل تتكبد عناء كبيراً في التنقل من شمال العراق إلى جنوبه للقاء أبنائهم، ولذلك تأثيرات مادية ونفسية مؤذية.
* ما هي بقية ملاحظاتكم بعد زياراتكم الميدانية للسجون؟
يتم تعيين كثير من الحراس الإصلاحيين من دون خبرات أو تأهيل أو شهادات مرتبطة بهكذا أعمال، كأن يكون لديهم شهادة في علم النفس. وكذلك هناك فقط حارس أو اثنان لكل قاعة يصل عديد من فيها إلى 300 سجين.
كما أن هناك طبيبا أخصائيا واحدا لكل قاعة أو سجن، وهذا قليل جداً، وأيضاً لا يوجد تصنيف للسجناء، إذ يتم خلط المتهمين بالإرهاب والقتل والمخدرات مع من لديهم قضايا كأن تكون مرتبطة بالتزوير البسيط (كتزوير وثيقة من أجل نيل وظيفة بالدولة)، أو بسبب حادث مروري. وكمعدل، وجدنا مثلاً في أحد السجون ذي الـ 10 آلاف نزيل أن أغلب، وربما 70 في المائة من السجناء، حكموا بقضايا تتعلق بالمخدرات، ونعتقد بوجوب فصلهم وبقية السجناء كل حسب جرمه، لتمكين الدولة من تأهيلهم بشكل أفضل وفق برامج محددة.
* مشكلة اكتظاظ السجون العراقية كيف تقرأونها، وهل ثمة مقترحات من قبلكم؟
الاكتظاظ حالة سلبية للغاية. هناك ما بين 60 و70 ألفاً في سجون مكتظة، 25 في المائة منهم متهمون بقضايا على صلة بالإرهاب، والحكومة تقوم حالياً بمشاريع لبناء سجون جديدة ستخفف من الاكتظاظ، بحسبها. ونحن بدورنا اقترحنا إصدار عفو خاص عن المتهمين في قضايا لا تؤثر على أمن الدولة وغير مرتبطة بالمخدرات، أو الإرهاب، أو قضايا فيها وصمة اجتماعية، والقتل العمد، كمرحلة أولى، ويشمل كذلك النساء والأحداث، ونعتقد أن هذا الأمر سيقلل عدد السجناء إلى النصف.
* يشتكي الكثير من السجناء من تأخر حسم قضاياهم منذ سنوات، وكذلك عدم عرضهم على قضاة. كيف تتابعون ذلك؟
طلبنا من مجلس القضاء الأعلى ضرورة تواجد المدعين العامين في السجون وتسهيل عمل محامي المتهمين، لأن البعض منهم اشتكوا من عدم تمكنهم من لقائهم لتسجيل شهاداتهم وترتيب أوراقهم وإكمال متطلبات إطلاق سراحهم، ممن لا يوجد مبرر لبقائهم وأكملوا فترات محكومياتهم. اقترحنا آلية سيتم مناقشتها مع وزير العدل خلال استضافته، تتضمن سقوفاً زمنية مُلزمة تمنع الضغط على السجين وابتزازه داخل السجن لتحريك قضيته، وكذلك تمنع المحامين من الطمع وتعطيل الإجراءات، لأن البعض منهم يطلب أموالاً مقابل إكمال الإجراءات.
* كيف تُقيّمون تحقيقات الحكومة وهيئة النزاهة في ملف إطعام السجناء، وما نتج عنه؟
ملف إطعام السجناء شابته الكثير من الخروقات من قبل الشركات المتعهدة. كل سجين يخصص له 11 ألف دينار عراقي (7 دولارات تقريباً) وما يصرف على إطعامه وكذلك ملف الحوانيت (مقصف الطعام) عليه شوائب، إذ هي تابعة لجهات سياسية، ويُضطر بعض السجناء للشراء من الحوانيت بسبب رداءة الطعام، وما يباع فيها أكثر من سعره الطبيعي بـ 3 و4 أضعاف. وبصراحة، فإن تحركات الحكومة وهيئة النزاهة الأخيرة حسنت ملف الإطعام، لكن الموضوع يحتاج إلى المزيد من الخطوات.
* ماذا عن ملف التعذيب في السجون؟
هناك حالات انتزاع اعترافات بالإكراه، وفقاً لما أبلغنا به سجناء أجبروا فيها على الإفادة بأنهم تورطوا في جرائم لم يرتكبوها. وينبغي على الأجهزة الأمنية اعتماد الوسائل التقنية للاطلاع على فحوى مكالمات ومحادثات المتهمين، وكذلك اعتماد المراقبة العينية والاستخباراتية للوصول إلى الحقائق.
الصالحي: ملف إطعام السجناء شابته الكثير من الخروقات من قبل الشركات المتعهدة
كذلك يحدث تشابه في الأسماء يقع ضحيته أبرياء، ويمارس البعض التعذيب لانتزاع الاعترافات لتثبيت هوية البريء على هوية المتهم الحقيقي. التقينا عائلة حُكم فيها نزيل بسجن الحلة بمحافظة بابل بالإعدام لتطابق اسمه الرباعي مع اسم إرهابي رغم اختلاف اسم الأم. هذا الإرهابي تم قتله من قبل الأجهزة الأمنية، وفقاً لما أكده مختار المنطقة ومدير ناحيتها، وليس هو الشخص ذاته الذي حكم. هذه حالات تتطلب تدقيقاً أكبر من الأجهزة المعنية.
* هل تعتقدون أن حراك البرلمان بشأن ملف الانتهاكات في السجون فعال؟
لا يمكن القول إن الحراك فعّال، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تعاونت الحكومة والوزارات المعنية مع اللجنة والبرلمان بعقد اجتماعات دورية تتناول الشكاوى والمعلومات المرصودة. كما أن العراق منذ أكثر من عام بدون مفوضية لحقوق الإنسان، وهذا خطأ كبير يضر بهذا الملف.
ويجب أن يشدد البرلمان على تطبيق ما احتواه الاتفاق السياسي في تشكيل الحكومة، إذ إن هناك مطالبة بإصدار عفو عام عمن لم يثبت تورطهم بالإرهاب وقتل مواطنين، وكذلك هناك مطالبة بإعادة المحاكمة في القضايا المرتبطة بالمخبر السري، أو التي انتزعت فيها الاعترافات تحت التعذيب وفقاً للتقارير. صراحة لم نر نية حقيقية في تفعيل ما ورد في الاتفاقات السياسية في ظل الحكومات المتعاقبة، ونتمنى أن تطبق في عهد الحكومة الجديدة، خاصة وأنها ثُبتت في البرنامج الحكومي.
* ما عدد المخفيين قسراً، ولماذا بقي ملفهم دون تقدم، وما هو موقف المنظمات الدولية؟
لا تتوافر لدى لجنة حقوق الإنسان النيابية أية أعداد للمخفيين قسراً منذ عام 2003، وما بعد أحداث سيطرة "داعش" على مدن عراقية في 2014. الحكومة لم تقدم أي سجل وطني بالمفقودين، والموضوع بحاجة لتوثيق وسجل مركزي، وللأسف لا يوجد حتى الآن طرف معني، أو لجنة متخصصة تجمع بيانات المخفيين، كأن تكون وزارة الداخلية أو المحافظات أو بالتعاون فيما بينهما، لذلك تتفاوت الأعداد. المطلوب عمل مشترك تتضافر فيه الجهود للبحث عن المفقودين، وينبغي الفصل فيما بينهم حسب التواريخ لتنظيم العمل.
أما حسم مصير من لم ترد أي معلومات بأنهم على قيد الحياة، فالموضوع يحتاج لاتفاق سياسي بين الأطراف المُشكلة للحكومة تلتزم بتنفيذه، كأن يعتبر من قدمت معلومات عنهم من قبل ذويهم وثبتت أسماؤهم بأنهم شهداء. بعض المناطق، مثل الصقلاوية والرزارة في محافظة الأنبار تم تثبيت أسماء المخفيين فيها، لكن بقية المناطق لا توجد فيها بيانات ولا أعداد واضحة لمن اختفوا. والعملية، كما قلنا، بحاجة لسجل مركزي.
وفي ما يتعلق بموقف المنظمات الدولية، كانت هناك زيارة للمقرر الخاص لمفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إلى العراق لبحث ملف المخفيين قسراً، وحدثت لقاءات مع مكتب رئيس الوزراء ووزير العدل والجهات الأمنية، وتم لقاؤنا كذلك، والحديث عمن أخفوا قسراً بعد أحداث يونيو/حزيران 2014 في محافظات شمال وغرب العراق. وأكد الفريق أنه سيصدر تقريره في 25 مارس/آذار المقبل، وألمح إلى أنه في حال لم تتجاوب السلطات المعنية بالملف وتقدم المعلومات المطلوبة فسيتم رفع تقرير للأمم المتحدة تترتب عليه قرارات دولية.
ونحن، كرئيس للجنة حقوق الإنسان النيابية، قلنا للمفوضية السامية إننا نرفض فرض أية قرارات تترتب عليها عقوبات اقتصادية على العراق، لأن الضحية سيكون الشعب، والأخطاء يحب أن يتحملها من قام بالفعل.
* المختطفون من نشطاء ثورة تشرين (أكتوبر/تشرين الأول) في عامي 2019-2020، وكذلك من أخفوا من الصحافيين والكتاب في ذات الفترة، ما هو مصيرهم؟
اللجنة تابعت ملف نشطاء ثورة تشرين، ولديها قائمة بأسماء من جرحوا وأخفوا وقتلوا، ووصلنا لنتائج توثق مصيرهم بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، ومنهم من تم إطلاق سراحه من قبل خاطفيهم. وكذلك نتابع ملف الصحافيين والكتاب المختطفين. وكذلك لم نعرف مصير نشطاء قيل لنا إنهم مرتبطون بقضايا أمن دولة، ولم تتوفر لدينا أية معلومات بشأنهم من قبل الأجهزة الحكومية.
* هل من جديد عن المدن منزوعة السكان، مثل جرف الصخر ويثرب والعوجة وغيرها؟
الموضوع بحاجة لاتفاق سياسي يُسّرع ما يعرف حكومياً بـ"التدقيق الأمني" لإعادة من خرجوا من تلك المدن. كما أن هناك مشاكل عشائرية تمنع عودة كثيرين منهم بسبب تهم تتعلق بالإرهاب، بحسب المشتكين. ونعتقد بوجوب إيجاد حلول جذرية يكون فيها القضاء هو الحاسم، تنصف ذوي الضحايا، ويأخذ من ارتكب جرائم جزاءه العادل، ويعود من تثبتت براءته، ومن ليست لديه مشاكل لتطبيع الأوضاع في تلك المدن.
* ملف العراقيين العائدين من مخيم الهول السوري، كيف تقيّمونه؟
هناك دفعات مستمرة من العراقيين تعود بعد أن يخضع أفرادها للتدقيق الأمني من قبل السلطات العراقية، والأمر يجري بانسيابية مع الراغبين في العودة. ونحن ندعم هذا التدقيق لمنع تسلل متعاطفين مع تنظيم "داعش"، وكذلك يجب أن تستمر برامج التأهيل النفسي والمجتمعي لإزالة أفكار التطرف التي يبثها الإرهابيون القابعون في المخيم.
في المقابل، هناك من يرفضون العودة، لأنهم مطلوبون لدى القضاء العراقي أو لديهم مشاكل عشائرية في مناطقهم، والعودة قد تثير حساسية، لأن هناك من يتهم أفراداً من العوائل الموجودة في مخيم الهول بأنهم يقفون وراء مقتل أشخاص في تلك المناطق. وكذلك لمسنا رفضاً من الأهالي لعودة البعض بناء على أسباب يعتبرونها مهمة، ونحن والحكومة مع عودة من ليست عليهم مؤشرات أمنية، لكن بعض العشائر ترفض هذه العودة.
سيرة ذاتية
أرشد رشاد الصالحي، من مواليد كركوك عام 1959، اعتقل وحكم عليه بالسجن 10 سنوات مع تسلم حزب "البعث" السلطة في العراق عام 1979. أصبح مسؤول سورية ولبنان للجبهة التركمانية العراقية في عام 2004، وتولى رئاسة فرع كركوك للجبهة التركمانية العراقية عام 2008. فاز بعضوية البرلمان العراقي للدورات 2010 و2014 و2018 و2022. في عام 2011 اختاره المؤتمر التركماني رئيساً للجبهة التركمانية العراقية، وهو رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية لدورتين انتخابيتين 2018-2022.