أذربيجان والعرب... أوهام طائفية

02 أكتوبر 2020
من تظاهرة في إسطنبول دعماً لأذربيجان (أوزان كوز/فرانس برس)
+ الخط -

تمثّل الحالة الأذرية في الحرب مع أرمينيا، وهي ليست المرة الأولى، نموذجاً يُذكّر بهوس البعض بالمذهبية والطائفية، في الواقع العربي الأسوأ منذ نصف قرن. فخلال أسبوع، كشفت حرب ناغورنو كاراباخ، كيف أن المصالح تأتي في المقدمة.
متناقضات كثيرة، ومحيرة للبعض في هذه الحرب؛ رؤية طهران غير آبهة بجارتها "الشيعية" أذربيجان. فطهران ساهمت، منذ الغزو الأميركي للعراق، في شد العصب الطائفي في المشرق العربي، وصولاً إلى الاستدعاء الكبير له في سورية، ومن خلال أذرعها، وبفتاوى وخطابات كارثية. كما أن وقوف تركيا مع باكو لا يختلف كثيراً في سياق المصالح القومية والاقتصادية، فوق الطائفية، وعلى مستوى عرقي. وعلى الرغم من نفي طهران وقوفها مع أرمينيا، فإن مشاغل "ولاية الفقيه" واضحة منذ 1994، خشية على موزاييك النسيج الإيراني متعدد القوميات، إلى جانب مصالح وطنية-اقتصادية.

ما يثير حيرة بعض الشارع العربي ليس فقط تلاقي الأضداد في القوقاز، بل انحدار مستوى ومكانة سياسة المصالح العربية المشتركة. وبدل ذلك تُمارس سياسات طفولية، في مناكفة تركيا في شرق المتوسط والشمال السوري وليبيا والقوقاز، وفي ذات السياق الهرولة نحو التطبيع مع الاحتلال باسم مواجهة طهران، التي يلتقون معها في دعم حاكمٍ مستبدٍ في دمشق.

النفخ في بوق الطائفية والمذهبية في المشرق العربي، بالتأكيد تتحمّل طهران الجزء الأكبر منه، وأنقرة في المقابل تستغل الفراغ والانكفاء العربيين، في ظل تغييب دولة القانون والمواطنة، وانحدار مستويات وسياسات عواصم عربية كبرى، لتقدّما نفسيهما بديلاً، بعد أن أثمر ذلك النفخ عن اصطفافات مدمرة. فاستدعاء أنظمة مستبدة لصيغ شد العصب الطائفي، وأحياناً التطرف الشعبوي، وتجريم أي مطلب حقوقي وديمقراطي، أو الوقوف مع القضية الفلسطينية، ينتج مزيداً من الاستغلال، بشعارات "ممانعة"، في الحالة الإيرانية وأذرعها، وشعارات دينية تركية في المقابل.

وفي كل الأحوال، ما دامت السياسات العربية تقوم على هذه البدائية الارتجالية، مع ازدهار التخندق الطائفي، وحرق جسور التواصل العربي-العربي، فإن أوهاماً كثيرة ستبقى تنتشر، ومن بينها الاعتقاد أن الارتماء بأحضان الصهيونية سيحمي العروش، ويواجه إيران. بل ذلك سيعزز استغلال حالة التشرذم العربي. فاللعب على مشاعر المذهبية والطائفية مؤشر على أن الحالة العربية، دون المواطنة والحريات الحقيقية، والالتقاء على أبسط القواسم المشتركة، ستظل مفعولاً بها بين اللاعبين بحثاً عن مصالحهم.

المساهمون