أحمد نجيب الشابي لـ"العربي الجديد": لا يمكن أن نشارك بمسخرة انتخابية

04 يوليو 2024
أحمد نجيب الشابي، 14 فبراير، 2022 (ياسين القايدي/الأناضول)
+ الخط -

يتحدث رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس أحمد نجيب الشابي لـ"العربي الجديد"، عن رؤيته للمشهد السياسي الحالي في تونس، قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ويؤكد الشابي أن موقف الجبهة لم يتغير، وهي ترفض المشاركة في انتخابات صوَرية وصفها بـ"المسخرة" إذا لم تتوفر شروط المنافسة النزيهة ولم يتم تنقية المناخ السياسي والإفراج عن المعتقلين. ويُعتبر أحمد نجيب الشابّي (80 عاما، محام)، أحد رموز الديمقراطية التونسية، فقد قضى عمره في الدفاع عن الديمقراطية وحرية التعبير، وناضل ضد الحكم الفردي زمن الرئيسين الراحلين، الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، ويواصل الدور نفسه إلى اليوم. كان دائماً عامل تجميع للمعارضة التونسية على اختلاف مكوناتها الفكرية، في كل الأزمنة. شارك الشابي سنة 1983 في تأسيس التجمع الاشتراكي التقدمي، ثم ترأس الحزب الذي اتخذ لاحقا اسم الحزب الديمقراطي التقدمي. في سنة 2006 وبعد 23 سنة من قيادة الحزب، ترك منصب الأمانة العامة للراحلة مية الجريبي. بعد الثورة، انتُخب نائباً في المجلس الوطني التأسيسي، وأسس الحزب الجمهوري، الذي استقال منه بعد ذلك. وفي سنة 2022 أسّس جبهة الخلاص الوطني التي تضم عدداً من الأحزاب والشخصيات المعارضة للرئيس قيس سعيّد.

أحمد نجيب الشابي: لسنا ديكوراً انتخابياً

عن المشهد السياسي الحالي، يؤكد أحمد نجيب الشابي أن "البلاد تعيش أزمة حادة، لأن الحكومة تبدو في عزلة سياسية تامة ولا قوة إسناد لها وتواجه فراغاً، وفي المقابل لا توجد قوة ذات بال تعارضها، لا في المجتمع السياسي ولا المدني، ولذلك فإن الوضع هو وضع فراغ مطبق لا ينبئ بأي خير، وهو يسبق موعداً انتخابياً بعد ثلاثة أشهر من اليوم". ويضيف: "بالنسبة للسلطة، فإن الانتخابات هي فقط مناسبة إجرائية لتجديد ولاية رئيسها قيس سعيّد، أما بالنسبة للمعارضة، التي كانت تتمنى أن تكون فرصة للتغيير، فستستفيق بعد هذا الموعد لتجد نفسها أنها أمام نفس الجدار الذي أفرغ الساحة من الزعامات السياسية وقيادات الرأي والنشطاء، كل هذا في ظلّ أزمة مالية حادة تدار بمعالجة يومية من دون حلول على المستوى البعيد"، مستنتجاً أن "الوضع السياسي مقلق ومخيف عنوانه الفراغ السياسي في السلطة والمعارضة قبالتها، لأن السلطة أحدثت الفراغ عن طريق القضاء والأجهزة الأمنية لإفراغ الساحة السياسية والمدنية".

ويتابع الشابي: "بمقياس الانتخابات بما هي منافسة نزيهة وشفافة على السلطة، لا توجد انتخابات، ورهان انتخابات أكتوبر ليس المنافسة للتداول على السلطة لأن شروط التداول والمنافسة تفترض حرية تعبير لا وجود لها، بل هناك مصادرة للكلمة، فكل الإعلاميين الذين يديرون الحوارات إما في السجن أو مهددون بالسجن، كذلك منصات التواصل الاجتماعي تخضع لرقابة المرسوم 54 وهيئة الانتخابات فقدت بالتمام والكمال استقلاليتها، والقضاء فَقَد بعد مقاومة طويلة واستثنائية أجزاء من استقلاليته... وبالتالي لا يمكن الحديث عن انتخابات".

أحمد نجيب الشابي: لم ندع إلى المقاطعة الآن، ولكن قد ندعو إليها مستقبلاً

وعن الترشحات المطروحة اليوم على الساحة، يقول أحمد نجيب الشابي: "لا يمكن الحديث عن ترشحات، فهي إما ترشحات من وراء القضبان أو ترشحات من وراء البحار أو تحت تهديد القضايا، فالمرشحون إما في السجن أو في الخارج يخشون العودة بسبب التهديد أو مهددون بالملاحقات العدلية". وعن موقف جبهة الخلاص التي كانت تشدد على أنها لن تشارك في الانتخابات إلا إذا توفرت شروط المنافسة النزيهة، يبيّن الشابي أن "موقف جبهة الخلاص لم يتغير، فلا يمكن أن تشارك في مسخرة انتخابية ولا أن نكون ديكوراً انتخابياً، وهذا ليس دور معارضة جدية تحترم نفسها وتحترم المواطن وتفكر في الوضع". ويضيف: "لم ندع إلى المقاطعة الآن، ولكن قد ندعو إليها مستقبلا، ونحن أعدنا تقييم الملف وما زلنا نعتبر أنه لا وجود لأي مؤشر لتقديم مرشح لأن هناك انهياراً للحريات خلال الشهرين الأخيرين".

وكان عبد اللطيف المكي، الأمين العام لحزب العمل والإنجاز (أحد الأحزاب المكونة لجبهة الخلاص الوطني) أعلن رسميا ترشحه للانتخابات الرئاسية، وهو موقف يتعارض مع رؤية الجبهة. ولكن أحمد نجيب الشابي يؤكد: "نحن جبهة سياسية لم تتأسس على قاعدة انتخابية، نحن نعمل على استعادة الديمقراطية والشرعية، وفي ضوء ذلك يمكن طرح القضية الانتخابية، ولذلك هناك اجتهادات داخل الجبهة على غرار عبد اللطيف المكي وحزب العمل والإنجاز الذي يرى أن تقديم مرشح اليوم يمكن أن يدفع نحو شروط منافسة نزيهة ويُدخل حركية، رغم أنه يقر بأن شروط المنافسة النزيهة معدومة، بينما جبهة الخلاص لا ترى ذلك". ويضيف الشابي: "نحن جبهة ارتأت التعاون في ما اتُفق عليه، ونتسامح في ما اختلف حوله، ونحن متأكدون أننا سنجد أنفسنا أمام نفس جدار الديكتاتورية".

ويعتبرأحمد نجيب الشابي أن "قانون الحياة يقوم على المد والجزر وهناك فترات ذروة وفترات انحسار، ونحن نعيش الآن فترة جزر، فجبهة الخلاص التي كانت تحشد الآلاف (يؤكد أنها بلغت 25 ألف متظاهر في إحدى مسيراتها) تراجعت اليوم قدرتها على التعبئة بسبب تفشي الخوف والتهديد، والناس مهددون بالسجون وليست لهم حماية وبلا أفق قريب".

وعن فشل المعارضة التونسية في الاتفاق على موقف موحد من الانتخابات أو مرشح موحد لمنافسة سعيّد، يقول الشابي إن "المعارضة تجرّ وراءها أمراضا قديمة، مثل الانقسامات الأيديولوجية، وليس على أساس خيارات وبرامج، وهي تعاني من التنافر الأيديولوجي الذي يعطّلها من العمل الفعّال، والمجتمع المدني كذلك وعلى رأسه الإتحاد العام التونسي للشغل الذي لم تعد لديه القدرة على التعبئة بسبب الأزمة الاجتماعية والسياسية والتهديد بفكّ مؤسساته واعتقال رموزه وزعاماته".

مصير الثورة

ويقول الشابي "إن الثورة التونسية لم تخسر معركتها، لأن الثورات الحقيقية تعرف حالات مدّ وجزر، فبعد الثورة عرفت تونس حالة مدّ ديمقراطي لم تعرف له مثيلاً من قبل، والمؤسسات الديمقراطية كانت منتخبة انتخاباً حرّاً ديمقراطياً ولم يشكك فيها أحد، وكنا بصدد بناء ديمقراطي شهد به كل العالم، ولكن بعد ذلك وقع إخفاق قبل انقلاب قيس سعيّد لأنه حصلت أزمة اجتماعية واقتصادية ووصلت الأزمة السياسية حدّ شلّ المؤسسات ونفر منها المواطن ومهدت للسيد سعيّد للقيام بانقلاب 25 يوليو/تموز 2021، ولكن مصير الثورة والديمقراطية ستنتصر في النهاية"، وفق تعبيره.

وعن سبل الخروج من الأزمة وإن كانت لا تزال هناك إمكانية لحوار سياسي في البلاد، يقول الشابي: "لا وجود حالياً لشروط قيام حوار ديمقراطي بين السلطة والمجتمع المدني والسياسي، لأن السلطة لا تحاور أحداً من الأساس، كما لا يوجد حوار بين مكونات المجتمع السياسي لأنها تعاني من انقسامات سياسية أيديولوجية فتراكم الأزمة الاجتماعية سيدفع إلى انفجارات تفرض على النخب تحمل مسؤوليتها إيجابيا لإيجاد حلول".

الشابي: السلطة اليوم لا تريد التفاهم مع شركاء تونس التقليديين في الخارج

ويشدد الشابي على أنه "من المفروض أن الذي يوحدنا هو مستقبل الديمقراطية ويجب أن نعمل من أجل استعادتها وإيجاد حلول، ولكن مع الأسف هناك عقبة أمام توسع الجبهة أو بناء جبهة جديدة، فلم تتجاوز الحركة السياسية والمدنية عقدة الماضي ونحن سجناء الماضي، ما لم نتحرر من هذه العقدة فسنتعثر وستتكفل الأزمة بأن تقودنا إلى وضع مختلف".

وعن المشهد الدولي ومدى تأثيره في الملف التونسي، يشير الشابي إلى أن "العامل الخارجي عامل مساعد وليس حاسماً، فشركاء تونس التقليديون، أوروبا والولايات المتحدة ومجموعة السبع، كان لهم منذ اليوم الأول موقف نقدي وضاغط من أجل عودة المسار الديمقراطي في تونس، ولكن ليس لهم في الأمر حيلة فهم يتعاملون معه كما نحن، بصفته أمرا واقعا، والعالم الخارجي أمامه سلطة قائمة يتعامل معها في حدود الإمكان، غير أن السلطة اليوم لا تريد التفاهم مع شركاء تونس التقليديين في الخارج، لأن النظرية الشعبوية نظرية كونية تقوم على تحقيق العدل والإنصاف بسجن كل من ساهم في الحياة الاقتصادية باعتباره سارقا وتعتبر أن الشمال أي أوروبا، يمثل الشر كما صرح به الرئيس وأن الجنوب يمثل الخير، والخير والشر يتنافران، وهو ما يفسر محاولات الانزياح نحو الشرق (روسيا والصين)، والمسألة ليست في تغيير التحالفات لأن التحالفات تقوم على الاستقرار السياسي، وهذا معدوم، ورؤية استشرافية للتنمية، أما التأرجح بين القطبين، الغربي والشرقي، فليس حلا ولا سياسة".