اعتبر معارضون للرئيس التونسي قيس سعيد تدني نسبة المشاركة في انتخابات المجالس المحلية "تعبيراً عن فشل المسار الأحادي، ودليل تواصل سقوط شرعية الرئيس وتقهقر شعبيته".
وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس قد أعلنت، أن نسبة المشاركة في انتخابات المجالس المحلية بلغت 11.66% من عدد المسجلين الذين يبلغ عددهم 9 ملايين و80 ألفاً و987 ناخباً.
وقالت المتحدثة باسم الاتحاد الشعبي الجمهوري، مريم الفرشيشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "نسبة المشاركة المتدنية كانت متوقعة رغم التسهيلات والإمكانات الموضوعة، فهي تذكرنا بنفس نسبة الانتخابات التشريعية تقريباً (11.22%)، هذا هو الحجم والخزان المساند لقيس سعيد، وبالتالي فإننا نعتبر أن نسبة عدم المشاركة قرابة (89%)، ليست فقط نسبة رفض الانتخابات التشريعية والمحلية، بل هي رفض لمخطط سعيد".
وشددت على أن "كل ما يحدث مرتبط بقيس سعيد ونتاج مخططه منذ دستور 2022، وهو نتاج قراراته الأحادية الفردية المستخرجة من مشروعه المتمثل في النظام القاعدي والشركات الأهلية وهو يدفع نحو إرسائها"، مؤكدة أن "هذه النسب تعبير عن تراجع شعبية قيس سعيد في حد ذاته، وجواب عن تقهقر شعبيته".
وأفادت بأن "الشعب عبّر عن رفضه لهذه المحليات ولكامل المسار، مستغربة تناقض السلطة التي تدفع لتأسيس مجالس محلية مبنية على فكرة التحكيم وإقرار مشاريع التنمية في بلد يفتقر لكل مظاهر التنمية، وفي الوقت نفسه تصادق الحكومة على موازنة 2024 التي تغيب عنها أي اعتمادات وموارد للتنمية، ما يجعل المسألة بمثابة الضحك على ذقون التونسيين".
وبيّن القيادي في حزب ائتلاف الكرامة، منذر عطية، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أنه "في العالم الديمقراطي المتحضر المحترم، عندما تكون نسبة المقاطعة في حدود الـ90% فهذا يعني رفضاً شعبياً بأغلبية ساحقة للمشروع السياسي، وهذا يقتضي استقالة المسؤول، وفي أدنى الحالات الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة".
وتابع: "الشعب قال كلمته وهي أنه لا يريد استشارة الرئيس (قيس سعيد)، ولا يريد دستوره، ولا يريد برلمانه، ولا يريد مجالسه المحلية ولا الإقليمية، ولا بناءه القاعدي".
وأضاف: "الشعب لا يريد لا قيس سعيد ولا غيره، الشعب يريد عيشاً كريماً، وتوفير المواد الأساسية أولاً، ثم التنمية، فمن نصح قيس سعيد بأن الزج بالسياسيين في السجن سيرفع شعبيته فقد غشّه وكذب عليه، والدليل أن كل معارضيه في السجن، لكن هذا لم يقنع الناس بمشروعه الفاشل ولم يرفع شعبيته".
وأكدت القيادية في حزب النهضة، يمينة الزغلامي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "نسبة الإقبال ضعيفة، لكنها متوقعة لأن كل محطات ما يسمى مسار 25 يوليو، من الاستفتاء إلى الانتخابات التشريعية ثم المحلية عرفت هذه النسب المتدنية"، مشيرة إلى أن "رسالة الشعب للسلطة القائمة هي رفض المسار، صحيح أن الاحتجاجات الشعبية غابت عن الشارع، ولكن هذا الرفض الصامت هو عقاب انتخابي بعدم المشاركة".
واعتبرت أن "مضي السلطة في تركيز المجالس غير مكترثة برسائل الشعب ومقاطعة الناخبين وعزوف المواطنين هو الأخطر على البلاد، وما تبقى من الديمقراطية"، مستبعدة أن "يكون قيس سعيد قد التقط رسالة الشعب المتكررة في غياب أي متابعة لهذه المحطات الانتخابية"، بحسب تفسيرها.
وأوضح المتحدث باسم حراك تونس الإرادة، عمر السيفاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الشعب التونسي كرر الرسالة نفسها للرئيس قيس سعيد، وقال بوضوح إنه مسار عقيم كما قالها في الانتخابات التشريعية العام الماضي، فالمسار أثبت فشله في كل محطة وتجربة، وهذا البناء الجديد الذي يتحدثون عنه لا يحظى باهتمام الشعب التونسي".
وأوضح السيفاوي أن "النظام يؤسس لهياكل ومؤسسات لا تمثل الشعب وتمثل القلة القليلة".
وبيّن الأمين العام لحزب التكتل من أجل العمل والحريات، خليل الزاوية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "نسبة المشاركة ضعيفة جداً، والتونسيين يرفضون بوضوح المشاركة في هذه العملية الانتخابية. وهم مقتنعون بعدم جدوى هذا المسار واهتماماتهم مختلفة تماماً، فهم منشغلون بطوابير الحليب والزيت والخبز على صناديق الاقتراع".
وشدد على أن "هذه النسبة دليل فشل القائمين على المشروع الجديد في إقناع الشعب وفشل جديد في تحقيق تمثيلية شعبية بعد فشل مجلس نواب الشعب".
وأفاد بأن "رسالة القطيعة بين الشعب والسلطة والعزوف عن العملية السياسية هي عمق الأزمة، فالشعب لا تمثله هذه العملية والمسار".
جبهة الخلاص: نتائج الانتخابات "مضخمة"
إلى ذلك، وصفت جبهة الخلاص الوطني، اليوم الاثنين، نتائج الانتخابات المحلية بـ"الهزيلة والمضخمة"، مبينة أن نسبة المشاركة ضعيفة، وأن المقاطعة قاربت 90 بالمائة من الناخبين.
ودعت الجبهة خلال مؤتمر صحافي، اليوم الاثنين، القوى الوطنية والسياسية، إلى معالجة الأوضاع، والإسراع بإيجاد حل من خلال حوار وطني.
وبيّن رئيس جبهة الخلاص الوطني، أحمد نجيب الشابي في كلمة، أن رقم 11.66 بالمائة هو رقم "مضخّم ولا يعكس الواقع، وأن هذا المجلس هش من حيث التمثيلية الشعبية، ولا يمثل إرادة الشعب"، مشيراً إلى أن "قيس سعيد لا يبالي بنتائج الانتخابات، وكل ما يهمه هو تركيز مشروعه الشعبوي".
وقال الشابي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه جرى تضخيم نتائج الانتخابات المعلنة، لأن هناك عزوفاً كبيراً، مشيراً إلى أن "الأدوار في هذه المجالس غير واضحة وقد شكلت تراجعاً على دستور 2014"، فيما أشار إلى أن "سياسة الهروب إلى الأمام ستؤزم الوضع أكثر، لأن كل ما يهم السلطة هو إرساء إرادتها، وفرض هياكل محلية، وتركيز الحكم الفردي بهياكل هشة".
من جهته، اعتبر رئيس حزب "العمل والإنجاز"، عبد اللطيف المكي، أن "هيئة الانتخابات بصدد الانزياح إلى المشروع السياسي لقيس سعيد، وتبريرها نتائج الانتخابات أمس الأحد دليل على ذلك.. هذا سيستمر وسنفقد مكسباً آخر من مكاسب الثورة، ولا بد من الانطلاق في البحث عن بديل".
بدوره، أكد مستشار رئيس حركة النهضة رياض الشعيبي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "النسبة التي قدمتها هيئة الانتخابات بعيدة كثيراً عما شاهده الجميع من خلو لمكاتب الاقتراع"، مضيفاً "حتى وإن كانت النسبة صحيحة فهي لا تعبر عن انتخابات حقيقية محترمة، فالعزوف قارب التسعين بالمئة، وعلى السلطة أن تراجع نفسها".
وشدد الشعيبي على أن "السلطة وحدها تتحمل مسؤولية الفشل، وعليها تعديل سياستها، لأن الشعب التونسي أعلن رفضه لهذا المسار الذي بدأ بانقلاب 25 يوليو 2021".
"النهضة": سلطة الانقلاب مصرّة على تكرار الفشل
إلى ذلك، أكدت حركة النهضة التونسية أنّ "سلطة الانقلاب مصرّة على تكرار الفشل، والمواصلة في نهج العزلة والانفراد، وفرض مسار لا يحظى إلا بدعم أقلية غير قادرة على إدارة الدولة فضلاً عن نيل ثقة المواطنين".
وقالت النهضة، في بيان مساء اليوم، إن تونس "كانت تفخر بانتخاباتها والتي تتالت منذ" الثورة، مضيفة أن تونس "كانت تحتل موقعاً متقدماً، خلال عشريّة الحريات، ضمن نادي البلدان الديمقراطية، وصار شعبنا رائد الأمم التائقة للتحرر والسيادة والحرية، بعد كلّ ذلك، عادت تونس إثر انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021 لتجدّد عهدها مع طمس إرادة شعبنا وإجراء الانتخابات تلو الأخرى، في ظلّ إعراض تامّ من التونسيين والتونسيات".
وأكدت النهضة أن الانتخابات المحلية "تمثل اكتمال الدائرة للمشروع الشخصي والمسار السياسي الذي فرضه انقلاب الخامس والعشرين من يوليو/ تموز، وأثبتت النتائج الرسمية المعلنة أن نسبة المشاركة تقارب عُشر الناخبين، وأنّ تسعة أعشار الشعب التونسي كانوا مقاطعين أو لا مبالين، وهو ما صدّق توقّعاتنا بأنّ هذه الانتخابات لا تمثّل حدَثاً، وأنّ شعبنا لا يعقد عليها أملاً، وأنّه سيواجهها بالتجاهل واللامبالاة".
واعتبرت النهضة أن "النتائج المصرّح بها إثبات لعدم شرعية هذه المجالس وعدم تمثيلها إرادة الغالبية العظمى من الشعب التونسي، وفشل ذريع في تعبئة الرأي العام لصالح المشروع السياسي للسلطة".
كما اعتبرت أن" إعراض المواطنين عن الانتخابات ومقاطعتها بالنسبة العالية المعلنَة رفضاً للانخراط في المسار السياسي للسلطة الذي لم يعدْ يحظى بالتأييد حتى من قِبل جزءٍ ممّن كانوا محسوبين على الموالاة، ورفضاً من أبناء وبنات شعبنا للتورّط في شهادة زور، وإعطاء شرعية لمَن لا يستحقّها".
وأكّدت النهضة أنّ المواطنين "الذين اضطرّتهم السياسات الفاشلة لسلطة 25 يوليو للوقوف في الطوابير الطويلة أمام المخابز والمساحات التجارية للحصول على الرغيف وعلى المواد الأساسية لن يتسابقوا للاقتراع، في ظلّ نظام يدمّر مكاسب ثورتهم، ويقتل فيهم الأمل والثقة في المستقبل".
أنصار قيس سعيد ينتقدون العزوف أيضاً
وانتقد أنصار الرئيس قيس سعيد، من داعمي مسار 25 يوليو 2021، هذا العزوف غير المسبوق وضعف المشاركة الشعبية، منبهين إلى تواصل انقطاع المواطن عن الشأن العام.
وعلّق رئيس المكتب السياسي، لمسار 25 يوليو، عبد الرزاق الخلولي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على ضعف الإقبال قائلاً: "صحيح أن هذه الانتخابات والمجالس تجربة جديدة، وكنظام يمكن أن يؤسس لمجالس أفضل من التشريعية الأخرى، ولكن يبدو أن الظروف والمناخ الاجتماعي والاقتصادي غير مهيأ لها".
وتابع: "فوجئنا بعزوف الشباب، فهو عزوف عن المشاركة في الشأن العام وعزوف عن الاقتراع والانتخاب، وهذا مؤشر سلبي، فالشباب غير راضين عن الأوضاع منذ 2011 حتى اليوم، ووجدوا أنفسهم خارج السياق، وحالة اليأس والتشاؤم والتهميش تتزايد".
وأفاد الخلولي بأن "الشباب الذين ساهموا بقوة في انتخابات الرئاسة في 2019 في انتخاب الرئيس قيس سعيد، وجدوا خلاصهم في قيس سعيد بعد عدم تحقيق الثورة مطالبها، وقد وجدوا فيه مصلحاً ومنقذاً، واليوم بعد 25 يوليو 2021، بقيت الحالة كما هي عليه، وربما أصبحت أكثر، وهو مؤشر لانتخابات الرئاسة في 2024 التي ربما تشهد عزوفاً من الشباب وربما وضعية مشابهة لليوم".
وشدد على أن "كل من ينوي الترشح للرئاسة في 2024 عليه أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار ويسرّع في الإنجاز وحلحلة مشاكل الشباب".
واعتبر المتحدث باسم حركة الشعب، أسامة عويدات، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "حركة الشعب توقعت نسب مشاركة متدنية، وقد نبهنا لذلك في بيانات رسمية منذ أشهر، لأن التونسي يطالب بتغيير وضعه المعيشي والاجتماعي، ولذلك فإن نسب الإقبال على الشأن العام فيها معادلة، فبقدر ما تطرح اهتمامات الناس ومشاغلهم على طاولة السياسة والحكم، تزيد مشاركة الشعب في الشأن العام، وبقدر ما تغيب مشاغل الناس يكون العزوف".
وأوضح عويدات أن "الناس اليوم يقفون في طوابير الحليب والمواد المعيشية ويعانون غلاء الأسعار، وهو ما انعكس في ضعف الإقبال، وهو ما سيقود إلى التشكيك في العملية من معارضي مسار 25 يوليو 2021".
وأشار إلى أن "على الحكومة أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار، وأن يكون برنامجها منسجماً مع خطاب رئيس الجمهورية، وتقدم حلولاً تخفف بها من وطأة وصعوبة وضع التونسيين، ففي حالة الرفاه الاجتماعي يفكر التونسيون في الشأن العام".
نتائج متدنية وخروقات بالجملة
إلى ذلك، أكدت منظمات وجمعيات تعنى بالشأن الانتخابي، أن نتائج الانتخابات المحلية في تونس "ضعيفة ومتدنية"، معلنة عن جملة من الخروقات.
وقدمت شبكة مراقبون، ومرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية، وجمعية شباب بلا حدود، والمركز التونسي المتوسطي، في مؤتمر صحافي التقارير الأولية لملاحظة الانتخابات المحلية، مبينة أن الخروقات نفسها تتكرر من انتخابات إلى أخرى، وأن العزوف كان لافتاً للانتباه هذه المرة.
وقال المدير التنفيذي لمرصد شاهد، الناصر الهرابي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية، كانت ضعيفة ومتدنية"، مبيناً أن "السجل الانتخابي يقدر بأكثر من 9 ملايين ناخب، ولكن الإقبال كان ضعيفاً جداً، خاصة أن السياقات نفسها والمناخات تتكرر".
وتابع أن "المرسوم عدد 10 الذي اعتمد الاقتراع على الأفراد لم يقد إلى خروج التونسيين للاقتراع، في غياب الأحزاب السياسية الوازنة، وهذا أدى إلى نسبة ضعيفة جداً وعزوف تواصل طيلة اليوم".
وبيّنت رئيسة مرصد شاهد، علا بن نجمة، في كلمة لها أنه "لا بد من انفتاح أكبر لهيئة الانتخابات على المجتمع المدني والجمعيات المختصة بالشأن الانتخابي، بما في ذلك ما تقدمه من قراءات للانتخابات والمراسيم، ورصد الاختلالات"، مؤكدة أنه "لا مبرر لتكرار الهنات والأخطاء نفسها".
وقالت بن نجمة في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "ضعف الإقبال لم يكن مفاجئاً"، مضيفة أن "أبرز الخروقات المسجلة تتمثل في خرق الصمت الانتخابي.. كانت هناك لافتات وبيانات لمرشحين يوم الاقتراع، إلى جانب بعض محاولات التأثير على الناخبين"، مؤكدة أن مخالفة توزيع الأموال كانت أقل بكثير مما سجل في انتخابات سابقة.
ويرى رئيس منظمة مراقبون، سليم بوزيدي، أن نسبة المشاركة التي جرى تسجيلها ضعيفة، مع وجود تفاوت كبير بين المناطق، وارتفاع نسبي في محافظة قفصة جنوب البلاد، لافتاً إلى "تسجيل ضعف في إقبال الشباب في أغلب مناطق الجمهورية".
وتابع "المرصد سجل مخالفات عدة يمكن وصفها بجرائم انتخابية، منها توجيه إرادة الناخبين من قبل بعض المرشحين أو أقاربهم داخل وخارج مراكز الاقتراع، ومخالفات في توزيع أموال، وخرق الصمت الانتخابي".
وأكد في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "تسجيل نسبة 11.2 بالمائة حسب تقييمهم أو 11.66 حسب الهيئة، تستدعي وقوف جميع الفاعلين من سياسيين ومختصين لفهم أسباب العزوف، خاصة أن 9 من 10 من الناخبين لم يدلوا بأصواتهم".