أثر كورونا: مؤشرات لكسر الجمود السياسي في إسرائيل

21 مارس 2020
يفكك غانتس تحالف "كاحول لفان" بائتلافه مع نتنياهو(Getty)
+ الخط -

يبدو أن ما لم تفعله ثلاث حملات انتخابية إسرائيلية متتالية في أقل من عامين، بين إبريل/نيسان 2019 ومارس/آذار 2020 فعلته أزمة كورونا. فبعد أن فشل كل من رئيس الحكومة الحالية، بنيامين نتنياهو، وخصمه الجنرال بني غانتس، في تشكيل حكومة ائتلافية أو حكومة وحدة وطنية بعد انتخابات إبريل وسبتمبر/أيلول 2019 الماضيين، تلوح في الأفق في إسرائيل مؤشرات لاحتمال كسر حالة الجمود في السياسة الإسرائيلية، لجهة تشكيل حكومة جديدة، قد تكون على ما يبدو حكومة وحدة وطنية، بعد أن تراجع حزب "كاحول لفان" بقيادة غانتس، عن مبدأ عدم الدخول في حكومة يقودها "رجل تلاحقه الشبهات وتوجد ضده لائحة اتهام"، إلى التفاوض على أسس ومبادئ لحكومة وحدة تقوم على مبدأ التناوب في الحكم، مع التوقف عند المدة التي سيحظى بها نتنياهو في رئاسة الحكومة، وما إذا ستكون لعام أم لعامين.

وتأتي هذه التطورات في ظل الاتصالات الأخيرة بين "الليكود" و"كاحول لفان"، من جهة، واستمرار التراشق في التصريحات على صفحات التواصل الاجتماعي بين قطبي الحزبين من جهة أخرى، فيما يبدو أن الجنرال غانتس بحسب مصادر رفيعة في "كاحول لفان" وفي "الليكود" على حد سواء، يتجه نحو ترجيح الانضمام لحكومة وحدة وطنية بالشراكة مع "الليكود" بقيادة نتنياهو، على خيار تشكيل حكومة أقلية بدعم خارجي من القائمة المشتركة للأحزاب العربية. ويأتي هذا التطور مع تفاقم أزمة كورونا، من جهة، وازدياد الأصوات المعارضة داخل تحالف "كاحول لفان" لهذه الخطوة. فبالإضافة إلى عضوي الكنيست، يوعاز هندل وتسفي هاوزر، المعروفين بموقفهما المعارض لحكومة من هذا النوع، أعلن رئيس الأركان الأسبق الجنرال غابي أشكنازي، القطب الرابع في تحالف "كاحول لفان"، أنه يعارض حكومة من هذا النوع ويفضل حكومة وحدة وطنية. وسبق إعلان أشكنازي هذا الموقف تصريحٌ نُسِب لزوجته وهي تقول للمحتجَين أمام منزلهما، إن أشكنازي لن يؤيد حكومة بدعم من "داعمي الإرهاب"، وهو الوصف الذي ألحقه نتنياهو منذ المعركة الانتخابية ضد نواب القائمة المشتركة للأحزاب العربية، للطعن في أي شرعية لحكومة من هذا النوع.

ولفتت "يديعوت أحرونوت" في هذا السياق إلى أن حالة انسداد الأفق التي يواجهها غانتس، وعدم اليقين بوجود تأييد لتشكيل حكومة أقلية، جعلت الأخير يفضّل الاتجاه نحو حكومة وحدة وطنية بقيادة نتنياهو، مع اشتراط سنّ قانون خاص يضمن تنفيذ نتنياهو لعملية التناوب معه بعد انتهاء المدة المخصصة له والتي يدور التفاوض حولها حالياً. وبحسب مصادر إسرائيلية مختلفة، فإنه في ظل "عناد" كل من الجنرال موشيه يعالون رئيس حزب "تيلم" الذي يشكّل أحد مركبات "كاحول لفان"، ورفض يئير لبيد، زعيم حزب "ييش عتيد"، الحزب الثاني في "كاحول لفان"، فإن من شأن الجنرال غانتس، أن يفضّل الوحدة مع نتنياهو وتفكيك تحالف "كاحول لفان" على أن يبقى خارج الحكومة وأن يفشل للمرة الثانية في تشكيل حكومة، مما قد يهدد مستقبله السياسي.



وذكرت "يديعوت أحرونوت"، في هذا الإطار، أن غانتس أوضح، عبر عضو الكنيست عومر ينكلوفيتش، المقرّبة منه، أنه وفقاً لاستطلاع خاص أجراه "كاحول لفان" فإن 70 في المائة من المصوتين لتحالف "كاحول لفان" يؤيدون حكومة بدعم خارجي من القائمة المشتركة للأحزاب العربية مقابل معارضة 30 في المائة لمثل هذه الخطوة، وهو ما قد يؤدي لاحقاً في حال أُجرِيت انتخابات قريبة إلى فقدان هؤلاء المصوتين لصالح أحزاب أخرى أولها "الليكود".


وأيد هذا الأمر استطلاعٌ أُجرِي أول من أمس الخميس، ونُشرت نتائجه أمس الجمعة، في موقع "معاريف"، أظهر أنه في حال إجراء انتخابات جديدة، فإن "كاحول لفان" سيفقد ثلاثة مقاعد وستتراجع قوته من 33 مقعداً حالياً إلى 30 مقعداً؛ في المقابل، يرتفع عدد مقاعد حزب "الليكود" من 36 مقعداً إلى 40، كما يفقد حزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان هو الآخر مقعداً من قوته. ويعني هذا أن معسكر اليمين والحريديم بقيادة نتنياهو قد يحصل على 62 مقعداً، بينما تتراجع قوة المعسكر المناهض لنتنياهو والمكون أساساً من تحالف "كاحول لفان"، وحزب "العمل - ميرتس"، وحزب "يسرائيل بيتينو" إلى 43 مقعداً يُضاف إليها 15 مقعداً للقائمة المشتركة للأحزاب العربية.

ولا يمكن عزل هذه التغييرات في موقف الناخبين الإسرائيليين عن أزمة كورونا، التي يستغلها نتنياهو، منذ ما بعد الانتخابات النيابية بأسبوع، لتحقيق مكاسب حزبية وسياسية على حساب الخصوم؛ إذ يثابر نتنياهو عبر مؤتمراته الصحافية المتلفزة، بشكل شبه يومي، على الدعوة لنبذ "الخلافات السياسية والحزبية" والانضمام لحكومة طوارئ وطنية أو تشكيل حكومة وحدة وطنية من دون "داعمي الإرهاب" لمواجهة أزمة كورونا. ويستغل نتنياهو الفرص المتاحة أمامه لتكريس عدم شرعية الأصوات العربية، لدعم تشكيل حكومة جديدة ولو من خارج صفوف الحكومة، من جهة، ومحاصرة غانتس أمام الجمهور الإسرائيلي من جهة ثانية، عبر تصويره بأن كل ما يهمه هو تشكيل حكومة ولو عبر الاعتماد على أصوات النواب العرب.

ويبدو أن الظهور المتزايد وشبه اليومي لنتنياهو عبر شاشة التلفزيون لإعطاء تعليمات يومية للإسرائيليين، في كيفية مواجهة كورونا، إضافة إلى إقرار الحكومة الإسرائيلية فجر أمس الجمعة سلسلة أنظمة طوارئ، قد أعطى ثماره، بعد أن ضمن بروزاً لنتنياهو مقابل تغييب غانتس عن المشهد الإعلامي الإسرائيلي العام، إلى جانب حملات الضغط التي شنّتها مجموعات إسرائيلية مختلفة لدفع غانتس باتجاه تشكيل حكومة وحدة بشروط كان يرفضها سابقاً، وهو ما قد يؤشر إلى احتمال الخروج من الأزمة السياسية الإسرائيلية الحالية ولو مؤقتاً بفعل تفاقم أزمة كورونا وخوف خصوم نتنياهو من أن يهدد بقاؤهم خارج الحكومة مستقبلهم السياسي كلياً.