أبو علي البصري... مسؤول الظل المتنقل بين الهيئات الأمنية العراقية

09 يوليو 2023
شرطي عراقي في بغداد، فبراير الماضي (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

عاد اسم أبو علي البصري للتداول بين العراقيين عقب قرار رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، الأربعاء الماضي، تنصيبه رئيساً لجهاز الأمن الوطني، وذلك ضمن سلسلة تغييرات واسعة شملت عدداً من المؤسسات والهيئات الأمنية الحساسة في البلاد.

ولأبو علي البصري تاريخ طويل في إدارة الهيئات والخلايا الأمنية والتنقل في المناصب الهامة منذ عام 2006، من دون معرفة العراقيين اسمه الحقيقي، ولا حتى صورته، طيلة أكثر من 16 عاماً، وتحديداً منذ بدء تداول اسمه داخل المؤسسات الحكومية العراقية. مع العلم أن عدنان إبراهيم المحسني، وهو قيادي في "الحشد الشعبي"، يعرف أيضاً باسم أبو علي البصري، لكنه يظهر على الإعلام.

ماضي أبو علي البصري

يكثر الجدل حول شخصية أبو علي البصري، كونه بقي مصراً على الحفاظ على اسمه "الحركي" الذي كان يستخدمه إبان وجوده في إيران مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ومشاركته في القتال ضد الجيش العراقي إلى جانب إيران في الحرب العراقية الإيرانية (1980 ـ 1988)، ثم التدرج في مهام ووظائف في المجلس الإسلامي الأعلى ومنظمة بدر ثم حزب الدعوة، وصولاً إلى عودته إلى العراق عقب الاحتلال الأميركي عام 2003، ليستقر في وزارة الداخلية.

وبحسب مصدر رفيع من وزارة الداخلية عمل في وقتٍ سابق إلى جانب البصري، فإن "البصري، واسمه الحقيقي عبد الكريم عبد فاضل حسين، له تاريخ طويل في العمل في مجال السياسة والأمن خلال وجوده في إيران إبان الحرب العراقية الإيرانية، فقد كان قريباً دائماً من قيادة المجلس الإسلامي الأعلى ومنظمة بدر، وقد قاتل إلى جانب الإيرانيين في الحرب العراقية الإيرانية".


مصدر في وزارة الداخلية: البصري حاصل على الجنسية السويدية

وأوضح المصدر، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه في "عام 1991، كان البصري أحد القادة المهمين الذين شاركوا في الانتفاضة الشعبانية، جنوبي العراق (بين 1 مارس/آذار 1991 و5 إبريل/نيسان من العام نفسه).

عقب ذلك، تمكن من تأسيس جمعيات معنية بتدريس القرآن، إضافة إلى تجمعات مثل (التجمع الإسلامي)، وكان فيلق القدس الإيراني مسؤولاً عن تمويل تلك التجمعات، في سبيل استقطاب الشباب العراقي آنذاك".

وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أنه في "عام 2003، عاد البصري إلى العراق، بعد أن عاش سنوات قليلة في السويد وحصل على الجنسية هناك، وفور وصوله، جرى تعيينه ضمن ملاك وزارة الداخلية، ورغم أنه بلا رتبة وليس خريجاً من كلية عسكرية، غير أنه شغل منصب مدير هيئة الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في الوزارة.

وفي عام 2006، أسس خلية الصقور، وهي خلية معلوماتية تشبه في عملها جهاز المخابرات". وكشف المصدر أن البصري "فقد منصبه في يناير/كانون الثاني 2021، جرّاء قرارات صدرت عن مكتب رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، إثر تفجير ساحة الطيران في بغداد".

لكن مع تكليف محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة العراقية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عيّن في أول قراراته الحكومية البصري رئيساً للهيئة العليا لمكافحة الفساد، موجهاً الأوامر بالتعاون معه "بهدف مكافحة الفساد، لتسريع مواجهة ملفات الفساد الكبرى واسترداد المطلوبين بقضايا الفساد والأموال العامة المعتدى عليها"، وفقاً لبيان رسمي صدر عن السوداني آنذاك.

من جهته، أشار أحد قادة "الإطار التنسيقي"، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "البصري يُعد حالياً ضمن الصف الأول من قادة حزب الدعوة الإسلامية، وتربطه بزعيم الحزب نوري المالكي علاقة متينة، وأن اسمه الحركي الذي لا يزال يستخدمه يرجع إلى مخاوف شخصية لديه، كونه يتبع المدرسة القديمة التي أسسها أبو مهدي المهندس في إيران، التي تقضي بأهمية البقاء في مواجهة العدو ومواصلة التمويه".

المالكي خلف تعيين البصري

وأكد القيادي في "الإطار التنسيقي" أن "البصري تسلم أخيراً منصب رئيس جهاز الأمن الوطني بضغط من (رئيس الحكومة الأسبق) نوري المالكي، الذي أثر كثيراً على السوداني وفريقه الاستشاري، علماً أن البصري سيبقى في منصب رئيس فريق الإسناد للهيئة العليا لمكافحة الفساد، الذي ينفذ عمليات نوعية لاعتقال المتهمين البارزين في عمليات الفساد الكبرى، كقوة مساندة لهيئة النزاهة".

ونشرت حسابات تابعة لأعضاء في فصائل عراقية مسلحة ومقربين منها، أخيراً، صورة أبو علي البصري الحقيقية، بعد الجدل الذي أثير في العراق حول تسمية مسؤول بدرجة وزير باسم حركي ومن دون الكشف عن وجهه. وأكدت مصادر، لـ"العربي الجديد"، أن الصورة المتداولة على منصات التواصل هي بالفعل تعود للبصري.


قيادي في "الإطار التنسيقي": المالكي خلف تعيين البصري في رئاسة الأمن الوطني

ورغم أن القانون العراقي لا يقبل أن يشغل أي مسؤول منصبين في وقتٍ واحد، إلا أن النائب عن منظمة "بدر" مهدي تقي أكد أن "البصري أحد أهم رجال الدولة الذين أثبتوا حرصهم على البلاد، ولديه سجل حافل بالانتصارات الكبيرة على التنظيمات والجماعات الإرهابية، وذلك باعتراف كل الصنوف الأمنية، بل حتى التحالف الدولي الذي يقر بالإمكانيات الكبيرة التي يملكها البصري".

وأضاف تقي، في حديثٍ مع "العربي الجديد": "التغييرات الأمنية التي أقدم عليها السوداني كانت ضرورية جداً، لأن استبدال القادة يخدم الوضع الأمني والعسكري، وبقاؤهم في مناصبهم يعرّضهم للتنمر والانتقاد أحياناً، ولعل الاستبدال الحالي هو الأفضل، بهدف ضخ دماءٍ جديدة وإعطاء الفرصة لقيادات أخرى في إدارة الملف الأمني، من أجل رفع كفاءة أداء المؤسسات الأمنية".

واعتبر أن "وجود أبو علي البصري سيسهم في تقوية جهاز الأمن الوطني، لا سيما في المرحلة الحالية التي تشهد تنامياً في ظواهر خطيرة على المجتمع، ومنها انتشار المخدرات".

بدوره، لفت الخبير الأمني فاضل أبو رغيف إلى أن "أبو علي البصري سبق له أن قاد حرباً استخبارية ومعلوماتية ضد أكبر التنظيمات الإرهابية، مثل داعش وجبهة النصرة، وحقق نجاحات كبيرة في هذا المجال".

وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "البصري يملك سجلاً حافلاً في ملاحقة ومتابعة الجماعات المسلحة الراديكالية المتطرفة، ويملك الخبرة العالية في مكافحة الجريمة المنظمة، وقد حقق إنجازات كبيرة في مجالات معالجة الجريمة المنظمة. كما كانت له عمليات أحبطت الكثير من الجرائم المنظمة المختلفة في العاصمة بغداد وباقي المدن العراقية، إضافة إلى إنجازات في مكافحة الفساد، وتنظيم عمليات نوعية هادئة، بالتالي، جاء اختياره وفق ضوابط مهنية خالية من العوامل السياسية".