"أبو شجاع"... ابن ضابط الشرطة الذي أصبح قائد "كتيبة طولكرم"

29 اغسطس 2024
الشهيد محمد جابر المعروف بـ"أبو شجاع" (إكس)
+ الخط -

بعد أربع محاولات اغتيال من الاحتلال الإسرائيلي ومحاولة من أمن السلطة الفلسطينية، استشهد قائد كتيبة طولكرم، التابعة لسرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، محمد جابر المعروف بـ"أبو شجاع"، بالإضافة إلى أربعة من رفاقه، فجر اليوم الخميس، واحتجز الاحتلال جثامينهم، في عملية معقدة قام بها الاحتلال، ضمن أكبر عملية عسكرية يشنها على مخيمات شمال الضفة الغربية منذ أكثر من 22 عاماً.

لم يصدق أحد ادعاء الاحتلال باغتيال "أبو شجاع" إلا بعد أن نشر صورته مضرجاً بدمائه، وكرّس إعلام الاحتلال مختلف وسائل إعلامه التي خرجت بعنوان "قتلنا قائد كتيبة طولكرم" للإشادة بإنجاز جيشه باغتيال مقاوم من مواليد 1998، لم يحظ بأي تدريب عسكري، حاله كحال جميع المقاومين من جيله في مخيمات الضفة الغربية المحتلة، ومع ذلك وبقدرات ذاتية استطاعوا إرهاق الاحتلال، و"زعزعة استقراره في الضفة"، على حد تعبير جيش الاحتلال. ويقول والده سامر جابر لـ"العربي الجديد": "تأكدنا من اغتيال ابني (أبو شجاع) من الإعلام العبري، الذي قام بنشر صورته، ليؤكد إنجازه بعد محاولاته الفاشلة السابقة".

مهندس الكتيبة

لم يدرس "أبو شجاع" الهندسة، لأن الاحتلال اعتقله بعمر 17 عاماً، لكنه أصبح "مهندس العبوات المتفجرة" في كتيبة "طولكرم"، وامتلك استراتيجية تقوم على "إيقاع أكبر خسائر بالعدو بأقل خسائر بشرية من المقاومين"، كما يوضح أحد رفاقه لـ"العربي الجديد" في مقابلة سابقة. ولم يترك الاحتلال "أبو شجاع"، وهي كنية أطلقها على نفسه حين كان مراهقاً، ليعيش حياته مثل أي مراهق، حيث اعتقله وهو لم يكمل عامه السابع عشر، وحكم عليه بالسجن عامين ونصف العام، ليتحرر عام 2017، وأمضى فترة قصيرة خارج المعتقلات، قبل أن يعتقل مرة أخرى ويمضي عامين ونصفاً أيضاً، أي ما مجموعه خمس سنوات.

رغم ذلك، أصر "أبو شجاع"، بعد تحرره على الانخراط بموجة المقاومة التي كانت قد بدأت عام 2021 التي قادها شبان في عمره، وأسسوا كتائب المقاومة منذ ذلك الحين، مثل الشهيد جميل العموري المعروف بـ"مجدد الاشتباك"، وأحد مؤسسي كتيبة "جنين"، ليؤسس "أبو شجاع" مع الأسير المحرر الشهيد سيف أبو لبدة الكتيبتين التوأم "طولكرم ونور شمس"، وخلال ذلك الوقت جرى اعتقاله مرتين في سجون السلطة الفلسطينية، ليصبح المطلوب الأول للاحتلال.

تأسست كتيبة "نور شمس" في مارس/آذار 2022، بعد أن شارك "أبو شجاع" في تشكيل نواتها العسكرية الأولى في طولكرم برفقة الشهيد أبو لبدة، الذي أخذ على عاتقه تأسيس الكتيبة ثأراً للشهيد عبد الله الحصري، الذي استشهد برصاص قناص إسرائيلي خلال اقتحام الاحتلال مخيم جنين في الأول من مارس/آذار 2022.

ولم يكن لـ"أبو شجاع" أي أحلام خاصة، بل كل ما كان يفكر به هو التحرير، وأن أي أحلام خاصة يمكن تأجيلها إلى ما بعد التحرير، كما يؤكد والده لـ"العربي الجديد". وحتى بعد أن اغتال الاحتلال شقيقه محمود أحد عناصر "كتيبة طولكرم"، في ديسمبر/ كانون الأول 2023، لم يتوقف "أبو شجاع" عن المقاومة، ولاحقاً اعتقل الاحتلال شقيقيه لفترات متفاوتة، وما زال أحدهما حتى الآن معتقلاً.

ويقول والده: "دمر الاحتلال منزلنا في 21 مارس/ آذار الماضي، ولم يعد صالحاً للسكن، ومنذ ذلك الحين ونحن نعيش عند أقاربنا متفرقين، أي زوجتي وابنتي في بيت أحد الأقارب، وأنا وابني الصغير في بيت قريب آخر، وابن في المعتقل، واثنان شهداء، أي نحن الآن مشتتون".

استهداف السلطة عائلة أبو شجاع

دفعت عائلة أبو شجاع فاتورة كبيرة بسبب انخراط أبنائها في المقاومة، ولم يشفع للوالد الذي أمضى من عمره 29 عاماً بالعمل ضابطاً في الشرطة الفلسطينية؛ أي منذ تأسيس السلطة، حيث قامت السلطة بوقف راتبه منذ أكثر من أربعة أشهر عقاباً له لأنه والد "أبو شجاع". ويقول والده: "حاولت أجهزة أمن السلطة اعتقال (أبو شجاع) قبل أربعة أشهر، ونجا بأعجوبة، فيما استشهد رفيقه معتصم العارف، وحينها انتقدت السلطة لقيامها بذلك، فما كان منهم إلا أن قاموا بقطع راتبي".

ويتابع: "ليس الانتقاد هو سبب قطع راتبي، وإنما السبب الأصلي أن ابني مقاوم، السلطة لا تريد لأحد أن يقاوم الاحتلال لأن ذلك ضد مشروعها، وأنا ابني أغلى من الراتب، ويساوي عندي العالم كله". ويؤكد والده أن "ما زاد من غضب السلطة هو عندما كتبت بحسابي على (الفيسبوك) أنني أعمل ضابطاً في الشرطة منذ 29 عاماً، وليس لدي أي مشاكل في عملي، وتم قطع راتبي لأن لدي ابناً شهيداً وثانياً أسيراً وثالثاً مقاوماً مطارداً"، معقباً بالقول: "الغريب أنني من مؤسسي هذه السلطة".

تعمق الهوة بين السلطة والكتيبة

واغتالت السلطة في إبريل/ نيسان الماضي، معتصم العارف أحد عناصر كتيبة "طولكرم" حين حاولت اعتقاله و"أبو شجاع"، إلا أن الأخير نجا بأعجوبة وتمكن من الفرار بعد اشتباك مسلح معهم، وأصيب بشظايا، فيما أصيب العارف إصابة حرجة استشهد على أثرها بعد وقت قصير. ونعت كتيبة طولكرم – سرايا القدس، في بيان لها، في حينه، العارف، جاء فيه: "نزف الشهيد المشتبك والقائد الميداني في كتيبة طولكرم، ابن مخيم نور شمس معتصم خالد العارف، الذي ارتقى على يد الأجهزة الأمنية".

وتعمّقت الهوّة أكثر بين السلطة و"كتيبة طولكرم" حين أعلنت "العصيان المدني"، رداً على اغتيال العارف، وقامت حسب بيانها: "بإغلاق جميع مداخل طولكرم، وبشكل خاص مداخل مخيم نور شمس، بالسواتر الترابية والعبوات الناسفة حتى تضع الحرب أوزارها". وكانت هذه لحظة فارقة انقطع معها حبل التواصل والكلام بين أي من ممثلي السلطة في مدينة طولكرم والكتيبة، وكان مصطلح "العصيان المدني" يُذكر ويطبق لأول مرة، الأمر الذي أخذته السلطة على محمل الجد.

وتتشكل حالة المقاومة في مخيم طولكرم من ثلاث كتائب تعمل بشكل مشترك في الميدان هي: "شهداء الأقصى الذراع العسكرية لحركة فتح التي حظرها الرئيس محمود عباس عام 2007، وسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، وكتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، وجميعهم مطاردون من الاحتلال والسلطة الفلسطينية".

السلطة تلاحقه داخل المستشفى

وفي 26 من الشهر الماضي، حاصرت قوات كبيرة من أمن السلطة مستشفى الشهيد "ثابت ثابت" الحكومي في مدينة طولكرم، بعد أن وردها خبر بأن "أبو شجاع" حضر للمستشفى لتلقي العلاج بعد إصابته بشظايا عبوة متفجرة كان يقوم بصناعتها، واندلعت اشتباكات مسلحة بين المقاومين وأجهزة الأمن التي انسحبت بعد أن أصدرت فصائل المقاومة في طولكرم "سرايا القدس والقسّام وشهداء الأقصى" بيانات دعت فيها المواطنين إلى النفير والتوجه للمستشفى لفك حصار "أبو شجاع"، وهذا ما حصل حيث انسحبت قوى الأمن وخرج "أبو شجاع" محمولاً على الأكتاف.

لقد كان أكثر ما يؤلم والد "أبو شجاع"، حسب قوله: "حملات التشويه المنظمة التي طاولت ابنه، واتهم فيها بكل الاتهامات السيئة من العمل مع الاحتلال وتجارة المخدرات". يُذكر أن هذه التهم وحملات التشويه المنظمة التي يقودها ذباب إلكتروني وشخصيات معروفة قريبة من السلطة الفلسطينية باتت أمراً شائعاً في السنوات القليلة الماضية، وتطاول جميع المقاومين بلا استثناء.

وجاء في آخر منشور لـ"أبو شجاع" على موقع "فيسبوك" في 15 أغسطس/ آب الماضي: "بالنسبة لي لا أظن أن يتعافى قلبي على الإطلاق، وسأبقى أشعر بالتقصير مدى الحياة، رغم أنني لا أملك فعل شيء ولم أفعله، ولكن لا يمكنني أيضاً طرد شعور سيء ينتابني كلما رأيت تضحيات الآخرين وما أصابهم، أرى اعتقالي ومطاردتي وخسارتي لمنزلي وبعدي عن أهلي وفقد أخي محمود وعدد من المقربين مني أموراً عابرة مقابل طفل فقد أمه، أو أب فقد طفله، أو أسير سيمضي في زنزانته عقوداً ويحرم منه أبناؤه".