هذه أبرز المنشآت النووية الإيرانية وسط التهديد الإسرائيلي باستهدافها

09 أكتوبر 2024
محطة بوشهر النووية، 28 إبريل 2024 (Getty)
+ الخط -

بعد الهجوم الإيراني الواسع على أهداف عسكرية وأمنية إسرائيلية في الأول من الشهر الجاري، دأبت وسائل إعلام إسرائيلية وأميركية على نقل تهديدات إسرائيلية بإمكانية قصف المنشآت النووية الإيرانية، باعتبار ذلك فرصة قد لا تتكرر لاحقاً، وسط تحذيرات وتهديدات إيرانية برد ساحق على أي هجوم على المنشآت الإيرانية، وخصوصاً النووية والاقتصادية. وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أمس الثلاثاء، إنّ إسرائيل كانت تنتظر منذ 22 عاماً لحظة الهجمات الصاروخية الإيرانية الأخيرة، من أجل تنفيذ مخططها بشنّ هجمات على المنشآت النووية الإيرانية، لكنها تساءلت عن مدى قدرتها على تنفيذ ذلك خلال الجولة الثانية الحالية من التصعيد، وإمكانية فشل الهجمات من دون دعم أميركي.

وأشارت الصحيفة إلى أن مسؤولين إسرائيليين سابقين وحاليين أقروا خلال مقابلات أجريت معهم بأنهم تساورهم الشكوك حول امتلاك الاحتلال الأسلحة المناسبة للتسبب في ضرر كبير للمنشآت النووية الإيرانية. في السطور التالية نقدّم ما نعرفه عن أهم المنشآت النووية الإيرانية.

  • منشأة نطنز

تعدّ منشأة نطنز أو منشأة "الشهيد مصطفى أحمدي روشن"، العالم النووي الإيراني الذي اغتالته إسرائيل عام 2012، الأهم في إيران لتخصيب اليورانيوم، إذ تحتوي على أكبر عدد لأجهزة الطرد المركزي المستخدمة في التخصيب، وتستوعب طاقتها تشغيل 54 ألف جهاز طرد مركزي. تقع المنشأة في منطقة نطنز بمحافظة أصفهان على بعد أكثر من 220 كيلومتراً من العاصمة الإيرانية طهران.

وتقع أقسام من صالات تخصيب اليورانيوم في نطنز في أعماق 40 إلى 50 متراً تحت الأرض، لكن لكونها تقع في صحراء مفتوحة، فإن ذلك يشكل تهديداً لها أمام هجمات جوية، في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية والأميركية ضد البرنامج النووي الإيراني. غير أنّ إيران عملت على حفر شبكة أنفاق ضخمة جنوب منشأة نطنز، عام 2022، اعتبرته "نيويورك تايمز"، حينها، أكبر جهد إيراني حتى الآن لبناء منشآت نووية جديدة في أعماق الأرض قادرة على الصمود بوجه القنابل والهجمات الإلكترونية.

وأكدت منظمة الطاقة النووية الإيرانية لاحقاً صحة التقارير عن الإنشاءات المحصنة الجديدة جنوب نطنز، مشيرة إلى أن الهدف منها تعزيز التدابير الأمنية. وكذلك نُقل مصنع تسا لصناعة أجهزة الطرد المركزي إليها، والواقع سابقاً في منطقة كرج، غربي طهران، بعد استهداف المصنع عام 2021.

وكشف رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية السابق البرلماني فريدون عباسي، مطلع مايو/ أيار 2021، أنّ منشأة نطنز تعرضت لـ"خمس عمليات تخريبية كبيرة خلال السنوات الـ15 الأخيرة"، مع الحديث عن وقوع عمليات "صغيرة" أخرى في هذه المنشأة.

وبدأت الهجمات "التخريبية" في المنشآت النووية الإيرانية عام 2010 بهجمات إلكترونية، حيث استهدف فيروس ستاكس نت، المصنف على أنه أخطر فيروس عسكري، عام 2010 منشأة نطنز الكبرى في البلاد لتخصيب اليورانيوم، ومفاعل بوشهر النووي بالقرب من الخليج.

  • موقع UCF

وإلى جانب منشأة نطنز، تحتضن أصفهان مركزاً نووياً مهماً آخر تحت مسمى موقع أصفهان النووي أو مركز معالجة اليورانيوم (UCF)، الذي بُني على مساحة 60 هكتاراً، وهو يشتمل على نحو 60 منشأة ومركز إنتاج تعمل في الصناعة النووية الإيرانية، منها عدة مفاعل نووية. ومن أهم النشاطات النووية في مركز معالجة اليورانيوم، انتقال الكعكة الصفراء إليه لمعالجتها، وإعدادها في عملية التخصيب لإنتاج الوقود النووي، لكن المركز لا يقوم بتخصيب اليورانيوم.

ومن أهم أعمال المركز أيضاً تحويل الكعكة الصفراء إلى مركبات يورانيوم أخرى مثل ثنائي أكسيد اليورانيوم وسداسي فلوريد اليورانيوم ورباعي فلوريد اليورانيوم. ويُنتج المركز أيضاً غاز فلور الذي يعدّ مركباً أساسياً في الصناعة النووية، وبعد إنتاج سداسي فلوريد اليورانيوم يُنقَل إلى منشأة نطنز لاستخدامه في أجهزة الطرد المركزي لزيادة نقاء اليورانيوم المخصب، الذي ينتقل إلى مركز معالجة اليورانيوم لتجهيزه للاستخدام في وقود المفاعل النووي.

وفي 5 فبراير/ شباط 2024، أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، مشروع بناء المفاعل الرابع، وهو مفاعل بحثي في موقع أصفهان النووي، أو ما يعرف بمركز معالجة اليورانيوم UCF.

  • منشأة فوردو

تعتبر منشأة فوردو موقعاً نووياً أكثر تحصيناً بين المنشآت النووية الإيرانية. عملت السلطات الإيرانية النووية على إنشائها في أعماق 90 متراً داخل جبال منطقة تحمل الاسم نفسه في محافظة قم، التي تقع بين أصفهان وطهران على بعد 160 كيلومتراً من العاصمة الإيرانية.

لم تكن المنشأة معروفة قبل سبتمبر/ أيلول 2009 عندما تسربت معلومات استخباراتية أميركية وفرنسية كشفت عنها، ثم أعلنت الحكومة الإيرانية أنها بنت المنشأة في عمق الجبال لتخصيب اليورانيوم حفاظاً على أمن المواطنين وفي إجراء احترازي في مواجهة أي هجوم جوي محتمل.

تعتبر منشأة فوردو موقعاً نووياً أكثر تحصيناً بين المنشآت النووية الإيرانية

وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 9 يناير/ كانون الثاني 2011 قيام إيران بتخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء 20% لأول مرة في منشآت فوردو، فجلبت انتقادات لها من أميركا والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي.

الاتفاق النووي، حرم إيران تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو، وسمح لها بتخصيب ذلك بنسبة 3.67% في منشأة نطنز فحسب، لكن طهران في إطار تنفيذ المرحلة الرابعة من خفض تعهداتها النووية، اعتباراً من 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، رداً على تداعيات الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018، فعّلت منشأة فوردو الحساسة، واستأنفت تخصيب اليورانيوم فيها عند مستوى 5%.

وفي 28 يونيو/ حزيران 2022، أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، قيام طهران أخيراً بتشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة في منشأة فوردو.

  • مفاعل طهران

مفاعل طهران بحثي يقع وسط العاصمة في شارع أمير أباد شمالي، ويعود إنشاؤه إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 1967، حيث زار خبراء شركة AMF الأميركية طهران، لوضع اللبنة الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، عبر تركيب وتشغيل مفاعل طهران للبحوث، بعدما وافقت الولايات المتحدة الأميركية عام 1959 على إهدائه إلى نظام الشاه، ضمن خطة الرئيس دوايت أيزنهاور المعروفة بـ"الذرة من أجل السلام".

وتوجد النواة المركزية للمفاعل على عمق ثمانية أمتار، بحسب موقع التلفزيون الإيراني، ولدى مفاعل طهران للبحوث "مكانة وأهمية قصوى" في البرنامج النووي الإيراني، بحسب رئيس المفاعل، الذي التقاه "العربي الجديد" في السادس من إبريل/ نيسان 2021 خلال الزيارة، مفضلاً عدم الإفصاح عن اسمه لاعتبارات أمنية.

Image
خريطة المنشآت النووية والنفطية الرئيسية في إيران

وأضاف المسؤول الإيراني أن المفاعل "يشكل البنية التحتية الأساسية ونقطة الانطلاق لتدريب وتعليم العلماء الإيرانيين ممن يعملون في البرنامج النووي"، قائلاً: "تربية العلماء والطواقم أهم أعمال مفاعل طهران للبحوث". غير أن المفاعل، الذي يعمل بقدرة 5 ميغاوات، يتجاوز الجانب النظري إلى نشاطات عملياتية "مثل إجراء اختبار الوقود النووي المنتج في منشآت أخرى"، وهنا يوضح رئيس المفاعل أنّ "بعض الدول يمكن أن تنتج الوقود، لكنها غير قادرة على اختبار فاعليته وجودته".

وينتج المفاعل النَّوويدات المشعَّة (Radionuclide)، التي تستخدم في مجالات الطب والزراعة والصناعة، حسب رئيسه، الذي أشار أيضاً إلى إنتاج "التوربينات" النووية (Turbine)، لمواجهة التلوث البيئي والتحليل النووي للمواد الزراعية واكتشاف آثار الجريمة.

وأوضح رئيس مفاعل طهران، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن أهم وظائف المفاعل على الصعيد الطبي، تتمثل بإنتاج 5 أصناف من أدوية مشعة، ويستفيد مليون مريض سرطان من أدوية المفاعل، بحسب تصريحات رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي لوكالة "إيلنا" العمالية الإصلاحية.

  • مفاعل بوشهر

بدأ مشروع بناء مفاعل بوشهر النووي (المخصص لإنتاج الكهرباء) قبل انتصار الثورة في إيران عام 1979، وعقدت إيران صفقة مع شركة "سيمنز" الألمانية لبنائه، لكنها تخلت عن المشروع بعد الثورة، وتولت شركة "أتوم ستروي إكسبورت" الروسية استكماله. ودخلت المحطة الخدمة عام 2011 لإنتاج نحو ألف ميغاوات من الكهرباء. وتزود شركة روس أتوم ستروي إكسبورت الروسية هذا المفاعل الإيراني بالوقود.

وخططت إيران عام 2014 لبناء محطتين أخريين في مفاعل بوشهر، ثم بعد ذلك أطلق رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية السابق علي أكبر صالحي، خلال نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2019، عملية بناء المفاعلين من خلال صبّ الخرسانة بحضور ألكسندر لوكاشين، رئيس "روس أتوم".

وقال صالحي، حينها، إن كلاً من المفاعلين سينتج طاقة كهربائية تقدر بـ1050 ميغاواط (2114 ميغاواط للمحطتين)، معتبراً المشروعين الأضخم في إيران، حيث تبلغ كلفتهما 10 مليارات دولار. ومن المقرر تدشين مفاعلي بوشهر الثاني والثالث في العامين 2025 و2026، بحسب التصريحات الإيرانية.

  • مفاعل خنداب (أراك)

يعتبر هذا المفاعل أحد أكبر المنشآت النووية الإيرانية. يقع على بعد 5 كيلومترات من مدينة خنداب وسط إيران. بدأت عملية بنائه عام 1998 لإنتاج الماء الثقيل المستخدم في الصناعات النووية، ثم افتتح عام 2006. ظهرت أول معلومات عن مفاعل خونداب الإيراني، المعروف سابقاً باسم مفاعل آراك للماء الثقيل في ديسمبر/ كانون الأول 2002، عندما نُشرت صور بالأقمار الصناعية من قبل معهد العلوم والأمن الدولي.

وتنتج إيران سنوياً 20 طناً من الماء الثقيل، وحسب تصريحات سابقة للمتحدث باسم الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، تصدّر إيران هذا الماء إلى 8 دول. ويتشكل المفاعل من قسمين كبيرين، الأول مجمع لإنتاج الماء الثقيل، والثاني مفاعل بحثي. يحتوي الوقود المستنفد من المفاعل على البلوتونيوم، الذي يمكن استخدامه في تصنيع قنبلة نووية. ويعد مفاعل خندان "أكثر تعقيداً من مفاعل طهران للبحوث"، حسب تصريحات للرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي.

وأبدت مجموعة 5+1 (تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا)، قلقها من إنشاء المفاعل بسبب إنتاجه سنوياً نحو 8 كيلوغرامات من مادة البلوتونيوم، معتبرة أن هذه الكمية تكفي لصناعة قنبلة إذا قررت إيران التوجه نحو صناعة الأسلحة النووية، وبالتالي اتفقت إيران والمجموعة بموجب البند الثالث من الملحق الأول بالاتفاق النووي على إغلاق قلب المفاعل بالإسمنت وإعادة بنائه.

وبحسب الاتفاق النووي، فقد تشكلت مجموعة عمل لإعادة برمجة مفاعل أراك للماء الثقيل بعضوية إيران والصين والولايات المتحدة الأميركية، لكن بعد انسحاب الأخيرة من الاتفاق استُبدِلَت ببريطانيا. لكن المجموعة لم تنفذ التزاماتها بشأن هذا المفاعل، وبدأت إيران بنفسها بإعادة برمجة الموقع لاحقاً.