آمال وأوهام تونسية

10 يناير 2022
هناك من يتشبث في تونس بالتجربة الديمقراطية (شاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

أحمد نجيب الشابي، مناضل تونسي، لا يجادل أحدٌ في كفاحه في الأيام الحالكة قبل الثورة وبعدها. وجّه الشابي، منذ أيام، رسالة مفتوحة إلى التونسيين، دعاهم فيها "من كل الأطياف، ألا يتركوا القضاة وحدهم في وجه العاصفة، فهم نيابة عنا يذودون عن الوطن".

ناشد الشابي التونسيين "أن ينسوا انتماءاتهم وصفاتهم المختلفة، وأن يرتقوا إلى مستوى اللحظة التي هي لحظة تونسية بامتياز، لا فرق فيها بين الصحافي والمحامي أو النقابي والسياسي أو المهندس والطبيب، فكلهم تونسيون وكلهم معنيون بمستقبل الحرية والديمقراطية، مكسبنا الأكبر بعد الاستقلال".

وتبدو معركة القضاء في تونس أهم المعارك حالياً، وقد تكون مُحدِدة للمرحلة المقبلة برمتها، ولكنها لن تكون آخرها، فتطور الصراع الذي بيّنته عملية اعتقال القيادي في النهضة نور الدين البحيري يؤكد أن الأمور قد تتحول من منطقة الصراع السياسي الذي يَحترم ولو شكلاً بعض القواعد، إلى منطقة أخرى إذا فقد النظام أعصابه وارتبك ولم يجد من الآليات غير استعمال منطق قوة الدولة.

الانقسام في تونس لا يخفى على أحد. وما بدا في السنوات الأخيرة على أنه نضج ديمقراطي يتوسع بين مختلف الفئات، لم يكن في نهاية الأمر إلا وهماً وسراباً بالنظر إلى كمية الحقد والعمى السياسي التي تجعل أحزاباً وشخصيات سياسية ترضى الخراب العام من أجل أن يسقط عدوها أو منافسها السياسي.

ورغم ذلك، لا يزال في البلاد من يتشبث بالتجربة، وديمقراطيون حقيقيون يدافعون بأجسادهم الضعيفة من أجل حرية غيرهم. وعندما تنظر إلى عز الدين الحزقي، شيخ اليساريين بسنواته الـ78 مضرباً عن الطعام، أو تقرأ مواقف حمة الهمامي المبدئية تتأكد أن ليس كل اليسار مريضاً.

وعندما ترى أحمد نجيب الشابي من فوق سنواته الـ77 مرابضاً أمام مستشفى في بنزرت يدافع عن خصم سياسي هو نور الدين البحيري، ويدعو إلى الوحدة، تتأكد أنها بلاد لن تضيع وأن قدرها كما قال الشابي هو الحوار، وأن ما يحدث الآن هو إهدار لوقت بلد منهك وشعب ضعيف. كما تتيقن أن الثمن الذي سيُدفع سيكون باهظاً.

لكن الكارثة أن كثيرين منا لا يهمهم ذلك في سبيل أوهام التوصل إلى بلد خال من منافسيهم يحكمون فيه وحدهم. يصوّر هؤلاء أنه إذا أزيح أعداؤهم من المشهد (لا أحد يقول كيف سيتم ذلك بسجنهم جميعاً في الصحراء أو نفيهم من البلاد) فستتحول البلاد معهم إلى جنة بلا فساد ولا رشوة ولا ظلم ولا محسوبية ولا نفاق ولا... لأن الشياطين كلهم رحلوا ولم يبق إلا الملائكة.