ريسا آغ بولا... المتمرد ــ الدليل السياحي ــ الوزير يقاوم انقلابيي النيجر

10 اغسطس 2023
آغ بولا في أغاديز، 2011 (بوريما حما/فرانس برس)
+ الخط -

دخل معطى جديد، أمس الأربعاء، على خطّ أزمة النيجر المستجدة جراء الانقلاب العسكري الذي أطاح في 26 يوليو/تموز الماضي، الرئيس المنتخب محمد بازوم، الذي لا يزال محتجزاً بعد انقلاب نفذه عناصر في الحرس الرئاسي عليه. وفيما تلوّح المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "إيكواس" بالتدخل العسكري، ويدعم الغرب المساعي الدبلوماسية، ولكن فقط لإعادة بازوم إلى السلطة، جاء الدعم من أحد قادة حركات التمرد السابقة في النيجر، ريسا آغ بولا، الذي ينتمي إلى قبائل الطوارق الأمازيغية، المنتشرة في منطقة الساحل الأفريقي، من مالي إلى بوركينا فاسو، والنيجر حيث توجد في صحرائها الشمالية.

والمفارقة أن ريسا آغ بولا، وهو قيادي "انفصالي" إذا ما نظر إلى تاريخه المرتبط بالتمرد في شمال النيجر، كان وزير دولة مكلفاً أمن الرئاسة في عهد بازوم، وعاش سنوات في المنفى الفرنسي، لكن من دون أن يعرف مدى ارتباطه بالأجهزة الاستخبارية الفرنسية أو عمله معها. ومن شأن ذلك، أن يؤثر ربما في مشروعية الرجل، إذا ما نظر إلى حجم التململ الداخلي من الوجود الفرنسي، أو ما إذا كان بإمكانه حشد التأييد لجبهته المناهضة للانقلاب، من خارج معاقله في صحراء شمال النيجر.

أدار آغ بولا مكتباً سياحياً في شمال النيجر، ثم قاد حركة تمرد، قبل انخراطه في السلطة

وقد يشكّل دخول آغ بولا على خطّ الأزمة، بعدما عرض في بيان أمس، المساعدة في جهود "إيكواس" لإعادة بازوم، خلطاً للأوراق، في النيجر، الذي لم ينجح الانقلابيون فيها حتى الساعة في استعادة تجربة انقلابيي مالي وبوركينا فاسو خلال الأعوام الثلاثة الماضية. فهناك، مرّ الانقلابان، اللذان نجحا في طرد فرنسا من إحدى أهم مناطق نفوذها في غرب أفريقيا، وسط تغاضٍ دولي، جنّبهما رغم سيف العقوبات، خطر التدخل الخارجي الذي سيكون كارثياً في منطقة تعجّ بالتوترات والجماعات المتطرفة والفقر والجفاف.

ويعدّ ظهور آغ بولا، والبيان الذي أصدره، أول إشارة لا تزال غير مكتملة العناصر، حول بروز مقاومة لحكم العسكر، إذ أكد إنشاءه ما سمّاه "مجلس المقاومة من أجل الجمهورية"، الذي هدفه وفق البيان إعادة بازوم إلى السلطة، مشيراً إلى أن "النيجر ضحية مأساة هندسها أشخاص كانوا مكلفين حماية البلاد". وأكد آغ بولا أن مجلسه يدعم "إيكواس" وأي لاعبين دوليين آخرين يسعون لإعادة النظام الدستوري إلى النيجر، مضيفاً أنه سيكون متاحاً للكتلة الاقتصادية الأفريقية لأي هدف مفيد. وقال عضو في المجلس (رفض الكشف عن اسمه)، لوكالة "رويترز"، إن عدداً من الوجوه السياسية في النيجر انضمت إلى المجلس الجديد سرّاً خشية سلامتها.

وبحسب مجلة "جون أفريك"، فإن الحديث عن ولادة حركة جديدة بعد الانقلاب، كان قد تردد طوال أول من أمس الثلاثاء، وتحديداً بقيادة آغ بولا. ويبرز اسم ريسا آغ بولا، كأهد أشهر قادة التمرد من الطوارق في النيجر، في تسعينيات القرن الماضي. ولد في صحراء إيفراون، قرب مدينة أرليت، في أسفل هضبة آيير (في إشارة إلى منطقة جبال آيير أو هضاب آيير شمالاً، التي يسكن فيها الطوارق)، على بعد 1700 كيلومتر عن العاصمة نيامي. أسّس في عام 1984 شركة سياحة صغيرة، ثم أصبح في عام 1991 جزءاً من حركة متمردة هي "جبهة تحرير الآيير وأزواغ" (أف أل آي أي)، التي انقسمت إلى 3 حركات في 1993، وواصلت نشاطها حتى 1995. في ذلك الوقت، بنى ريسا آغ بولا لنفسه سمعة قوية كأحد أشرس المقاتلين من الطوارق، وصولاً إلى قيادته عن جانب المتمردين مفاوضات سلام في واغادوغو عام 1995.

بعد اتفاق السلام، انخرط ريسا آغ بولا في السلطة، وعيّن وزيراً للسياحة، وهو منصب استمر فيه من عام 1997 إلى 2004، وسيطر من خلاله على نشاط المتمردين السابقين (وربما أنشطة التهريب)، الذين تحول جزء كبير منهم إلى العمل في قطاع السياحة (في منطقة الصحراء الشاسعة في النيجر) بعد انتهاء التمرد. ويعني المنصب أيضاً، التحكم في الأنشطة التجارية في صحراء النيجر وعمليات التهريب. في عام 2004، اتهم ريسا آغ بولا، بالتواطؤ في جريمة قتل آدم أمانغي، الذي كان رئيس فرع للحزب الحاكم آنذاك (في عهد الجنرال إبراهيم بايري مايناسارا)، الحركة الوطنية لتنمية المجتمع، وأدين فعلاً بالتواطؤ في فبراير/شباط من ذلك العام، حين استقال من الحكومة ثم سجن لمدة عام.

ورداً على ذلك، قام شقيقه، محمد آغ بولا، وهو أيضاً أحد قادة التمرد السابقين، بخطف 4 جنود نظاميين وأسرهم في جبال آيير، حتى إطلاق سراح شقيقه الذي منح العفو وغادر إلى المنفى الفرنسي الذي بقي فيه من 2007 إلى 2008 (إثر مفاوضات لتحرير الجنود الأسرى شاركت فيها ليبيا في عهد العقيد الراحل معمر القذافي). قاد محاولة تفاوض باسم المتمردين من الطوارق في المنفى، في ذلك الوقت، وحكم عليه بالإعدام غيابياً، ما دفعه إلى العودة للتمرد تزامناً مع إطلاق "حركة النيجريين للعدالة" تمرداً جديداً في عام 2009. أسّس آغ بولا حزباً سياسياً حظي بدعم في أغاديز، وهو "جبهة قوى النهوض"، وذلك بعد محاولته لعب دور داخل "حركة النيجريين للعدالة"، التي كان يقودها أغالي ألامبو، الذي كان آغ بولا قائده بزمن التمرد الأول في التسعينيات.

عيّن آغ بولا وزيراً للسياحة ثم وزير دولة لشؤون الرئاسة

بعد الانقلاب العسكري في النيجر عام 2010 الذي أطاح حكم الرئيس مامادو تانجا، عاد آغ بولا إلى نيامي، في محاولة لتسريع دمج المتمردين السابقين. اعتقل في مارس/آذار من ذلك العام، لكنه منح إسقاطاً للتهم الموجهة إليه، ثم انتخب في عام 2011 مستشاراً إقليمياً لأغاديز، وفي سبتمبر/أيلول من ذلك العام، مستشاراً للرئيس آنذاك محمد إيسوفو، ثم وزير دولة لشؤون الرئاسة. هذا المنصب ظلّ آغ بولا يشغله في عهد حكومة بازوم المطاحة، لكن ولاءه ظلّ موجهاً لإيسوفو. في مقابلة سابقة له في موقع "آيير إنفو"، يؤكد آغ بولا أن الهدوء في مناطق شمال النيجر، يعود الفضل فيه إلى جهود إيسوفو، حيث تمكنت البلاد من الحفاظ على السلام والهدوء، رغم أحداث ليبيا خصوصاً، وهو ما استكمله بازوم، برأيه.

في العلاقة مع ليبيا، برز اسم ريسا آغ بولا، كأحد الأسماء التي قيل إنها ساعدت سيف الإسلام القذافي (أو عدداً من أفراد عائلة القذافي) للهرب مع اندلاع الثورة من ليبيا إلى النيجر، وهو ما ذكره موقع صحيفة "ذا غارديان" البريطانية في تقرير في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2011. ونقلت الصحيفة حينها عن آغ بولا قوله، إن "سيف القذافي إذا جاء إلى النيجر فإن النظام سيقبله، ولكن أيضاً سيكون عليه الالتزام بالقرارات الدولية"، مضيفاً أن "الأمر يعود لسيف ليقرّر".

في 24 إبريل/نيسان 2021، أي بعد تصديق المحكمة العليا على انتخاب محمد بازوم رئيساً في مارس الذي سبقه، انتقد تقرير لموقع "نيجر دياسبورا"، الإبقاء على آغ بولا في منصب وزير الرئاسة، وهو منصب أمني. ووصف التقرير ريسا آغ بولا، بأنه "رجل غير نمطي، كرّس جزءاً من حياته للتشكيك في وحدة أراضي النيجر، خلال سنوات من التمرد المسلح".

ورأى الموقع أن هذا الرجل "من دون خبرة في المجال الأمني ولحماية الرئيس". ووصف التقرير آغ بولا أيضاً بأنه "رجل متسرع، ظنّ دائماً أنه فوق بعض قواعد المجتمع". كذلك اعتبره "متمرداً سابقاً وانفصالياً، عليه مهمة حماية أمن رئيس الاستمرارية (في إشارة إلى بازوم وبأنه استمرار لعهد إيسوفو). واعتبر التقرير أن بقاء آغ بولا في المنصب أزعج بعض السفارات الأجنبية، وأن تسميته وزيراً للدولة لشؤون أمن الرئاسة هي "أول أخطاء العهد الجديد"، لأنه "بالنسبة إلى المواطنين فإن الرجل ليست لديه صورة السياسي الجمهوري، وإن إيكاله مهمة بهذا الحجم، خطأ جسيم يلطخ أكثر سمعة النظام".

(العربي الجديد)

المساهمون