آخر محطات مفاوضات "طالبان" وواشنطن: هدنة لا وقف للنار

22 اغسطس 2019
يوجد نحو 13 ألف جندي أميركي بأفغانستان(وكيل كوشار/فرانس برس)
+ الخط -
بين الأمل باتفاق ينهي الحرب المستمرة في أفغانستان منذ أكثر من 18 عاماً، والمخاوف من استغلال مجموعات متطرفة، لا سيما تنظيم "داعش"، الوضع الجديد لتكثيف نشاطها وعملياتها، تتأرجح تطلعات الأفغان إلى الحوار بين الولايات المتحدة وحركة "طالبان"، والذي يبدو أنه وصل إلى محطته الأخيرة، مع حديث واشنطن عن أنها "مستعدة لاختتام" المفاوضات خلال الجولة المقبلة المقرّر عقدها في الأيام المقبلة في العاصمة القطرية الدوحة. وكان الطرفان اللذان باشرا منذ عام حواراً مباشراً وغير مسبوق، قد تحدثا عن "تقدّم ممتاز" في جولتهما السابقة من المفاوضات في العاصمة القطرية، والتي انتهت قبل نحو عشرة أيام. ولا تخفي إدارة دونالد ترامب أنها تأمل في أن تكون الجولة المقبلة من المفاوضات الأخيرة، وأن تسفر عن اتفاق تاريخي مع الحركة.

وأعلن الموفد الأميركي إلى أفغانستان زلماي خليل زاد، الثلاثاء، أنّ بلاده "مستعدة لاختتام" مفاوضات السلام مع "طالبان" خلال الجولة المقبلة. خليل زاد وبعد لقاءات له مع مسؤولي الإدارة الأميركية لا سيما مع ترامب الذي التقاه يوم الجمعة وأطلعه على وضع المفاوضات، كتب في تغريدة على "تويتر": "أسبوع مثمر في واشنطن. أطلعت الإدارة على المرحلة التي بلغناها وعلى الخطوات المقبلة. ها أنا عائد مرة أخرى. المحطة الأولى في الدوحة حيث سنحاول اختتام" المفاوضات حول "القضايا المتبقية". وأضاف "نحن جاهزون. فلنرى ما إذا كانت طالبان هي كذلك أيضاً". وبعد الدوحة، سيتوجّه خليل زاد إلى كابول ليجري مشاورات جديدة مع الحكومة الأفغانية "لتشجيع" الاستعدادات لمفاوضات بين الأفغان، بحسب وزارة الخارجية الأميركية، التي لم تستبعد زيارات أخرى قد يقوم بها المبعوث الأميركي إلى شركاء أو دول مجاورة لأفغانستان لوضع اللمسات الأخيرة على التفاهم مع "طالبان".
في السياق، قال مصدر مقرب من المكتب السياسي لـ"طالبان" في الدوحة، إن الجولة التاسعة من الحوار قد تبدأ اليوم الخميس وتستمر يومين. وأضاف أن "طالبان" وبعد مشاورات داخلية، قررت طرح النقاط الخلافية المتبقية بين الطرفين خلال هذه الجولة.

وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد أكد، الثلاثاء، أن "المحادثات تجري بشكل جيد". وقال لشبكة "سي ان بي سي": "نرغب في إيجاد الظروف الميدانية لنقوم بما وعد به الرئيس ترامب، أي خفض" عملية "تكلف دافعي الضرائب بين ثلاثين و35 مليار دولار سنوياً وكذلك أرواحاً أميركية". وأضاف "إذا استطعنا خفض العنف، سنفتح الطريق ليس لسحب الدعم الأميركي فحسب بل كذلك لقوات حلف شمال الأطلسي الموجودة هناك".

وعزز خليل زاد التفاؤل بشأن التوصل إلى اتفاق سلام الأسبوع الماضي عندما أنهى الجولة الثامنة من المفاوضات مع "طالبان" بتغريدة قال فيها إنه يأمل في أن يكون هذا العام الأخير في الحرب في أفغانستان. وتستهدف المفاوضات التوصل إلى اتفاق يتيح لترامب بدء سحب الجنود الأميركيين من أفغانستان بعد وجود دام أكثر من 18 عاماً. وباتت الخطوط العريضة للاتفاق معروفة. ويفترض أن ينصّ أولاً على انسحاب عسكري أميركي كامل إلى حد ما مع جدول زمني لتنفيذ وعد ترامب الذي تعهد منذ فترة طويلة بإنهاء "الحروب التي لا تنتهي" معتبراً أنها مكلفة جداً. وقال ترامب، الثلاثاء، مجدداً: "نحن هناك منذ 18 عاماً، إنه أمر مثير للسخرية". والانسحاب الأميركي هو المطلب الرئيسي لـ"طالبان" التي تتعهد في المقابل بعدم السماح باستخدام الأراضي الواقعة تحت سلطتها من قبل منظمات "إرهابية". وستوافق الحركة على ما يبدو أيضاً وللمرة الأولى على بدء مفاوضات سلام مع حكومة كابول، يمكن أن تبدأ بسرعة في أوسلو. ويفترض أن يتضمن النص أيضاً هدنة بين "طالبان" والأميركيين أو على الأقل "خفضاً للعنف"، ولكن في المرحلة الراهنة لن يكون هناك وقف شامل لإطلاق النار لأنه مرتبط بالتقدّم الذي يتحقق في أوسلو.

وبرز في هذا السياق، انتقاد المتحدث باسم المكتب السياسي لـ"طالبان" في الدوحة، سهيل شاهين، الحكومة الأفغانية لعدم تمكّنها من إعلان أسماء فريق المفاوضين، معتبراً في تغريدة عبر "تويتر" أن هذا يدل إما على وجود خلافات داخلية أو أن جهة ما تريد السيطرة على الفريق. ورأى أن مثل هذا الفريق لا تكون لديه صلاحية للتفاوض ولا يُعتبر جهة تمثّل جميع الأطراف السياسية، مطالباً الجهات السياسية المختلفة إبراز موقفها. لكن رئيسة شؤون العلاقات الخارجية في وزارة شؤون السلام الأفغانية، ناجية أنوري، قالت في تصريحات صحافية، إن فريق التفاوض مع "طالبان" شُكّل بعد التشاور مع الجهات السياسية ويحظى بموافقة جميع الأطراف السياسية، وستُعلن الحكومة عنه قريباً.
لكن طرق الانسحاب الأميركي وحجمه وبرنامجه كلها نقاط ما زالت مجهولة، وتثير مخاوف جزء من الطبقة السياسية والمراقبين في واشنطن الذين يخشون من أن يؤدي تسرع ترامب في مغادرة أفغانستان قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 2020 في الولايات المتحدة ويأمل في الفوز بولاية ثانية فيها، إلى تفاقم الحرب الأهلية وإحياء التهديد الإرهابي. ورداً على سؤال عن إمكانية الإبقاء على قوة في أفغانستان في مواجهة تهديد تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، أكد ترامب، الثلاثاء، أن الولايات المتحدة ستبقي "دائماً على وجود في أفغانستان". وأضاف "سنعيد جزءاً من قواتنا إلى البلاد، لكننا سنبقي على وجودنا" هناك، من دون أن يوضح ما إذا كان الأمر يتعلق بقوات قتالية أو حدات استخبارات. وكان الجيش الأميركي ينشر أخيراً 14 ألف جندي في أفغانستان وهو عدد تم تخفيضه إلى 13 ألفاً، بحسب ترامب.


وتحدثت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن انعكاسات سلبية لأي اتفاق بين واشنطن و"طالبان"، ناقلة عن مسؤول غربي لم تكشف هويته أن "داعش يحاول الاستفادة من أي انشقاقات في صفوف طالبان بعد اتفاق السلام"، مشيراً إلى أن التنظيم نشر رسائل تنتقد الحركة "لتفاوضها مع العدو". وقال المسؤول الغربي إن "داعش" يمكنه القيام بالكثير من الدمار مع ناشطين فرديين، "كما رأينا في هجوم الزفاف (السبت الماضي ونفذه "داعش" وأدى إلى مقتل أكثر من 80 شخصاً). وكان التنظيم يجنّد الشباب في الجامعات الأفغانية، ويبحث عن أولئك الذين يستطيعون عبور الحدود بسهولة أكبر للقتال في الخارج. هذا أحد الأسباب للحفاظ على قوة مكافحة الإرهاب في البلاد". وذكر تقرير للكونغرس الشهر الماضي، أنه حتى إذا تم التوصل إلى تسوية، فإن "القاعدة" و"داعش" وبعض المتشددين من "طالبان" سوف يشكلون "تهديداً كبيراً" لأفغانستان والولايات المتحدة، وهو ما يتطلب "قدرة قوية على مكافحة الإرهاب من أجل المستقبل المنظور".

وبحسب "واشنطن بوست"، يُقدَّر عدد عناصر تنظيم "داعش" في أفغانستان بين 2500 وخمسة آلاف مقاتل، وفقاً لأرقام الجيش الأميركي والأمم المتحدة. لكن هناك مخاوف كبيرة من أن هذه الأرقام قد ترتفع أكثر إذا استغل "داعش" الاتفاق بين الولايات المتحدة و"طالبان" لجذب مقاتلي الحركة المتشددين الذين يعارضون الصفقة. وذكرت الصحيفة أن الحكومة الأفغانية تتحدث عن أن "داعش" قد هُزم، وأنه لم يعد بإمكانه السيطرة على المناطق المأهولة بالسكان، وبات محاصراً في منطقة جبلية بالقرب من الحدود الباكستانية من قِبل القوات الأفغانية والأميركية وتحوّل إلى القيام بهجمات انتحارية ضد أهداف "ناعمة"، مثل تفجير حفل الزفاف، السبت. لكن الصحيفة أشارت إلى أن القادة المحليين في إقليمي نانغهار وكنر الحدوديين يروون قصة مختلفة، ويقولون إن قوات "داعش" تواصل ترويع القرويين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتجنيد الأولاد بالقوة وحظر دخول الفتيات إلى المدرسة.