حدثان رئيسيان هيمنا على المشهد الاجتماعي والسياسي الروسي في عام 2020 الذي يوشك على نهايته، وهما أزمة وباء كورونا والاستفتاء على تعديل الدستور الروسي. استفتاء شهد "تصفير" عدد ولايات الرئيس الحالي، فلاديمير بوتين، فاسحاً المجال له للترشح ولايتين إضافيتين في عامي 2024 و2030، وسط توقعات بأن تظهر تداعياتهما تباعاً على المشهد الروسي.
وتراوحت أساليب السلطة الروسية في التعامل مع كورونا بين فرض نظام الإغلاق الكلي في الربيع الماضي، والامتناع عن مثل هذه الإجراءات الحازمة خلال الموجة الثانية من تفشي الوباء للتخفيف من التداعيات الاقتصادية للأزمة، وسط توقعات بأن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الروسي تراجعاً بنسبة 4 في المائة تقريباً في عام 2020.
واختُتم الاستفتاء على تعديل الدستور الروسي، في 1 يوليو/تموز الماضي، وأسفر عن تمرير التعديلات الدستورية بنسبة نحو 78 في المائة من الأصوات، في ظلّ إجراء التصويت على التعديلات السياسية وأخرى خاصة بالضمانات الاجتماعية للمواطنين دفعة واحدة. ولم يسمح هذا الأمر للناخبين بفرصة لقبول بعضها ورفض البعض الآخر.
استُكمل تكوين الاستبدادية السياسية في روسيا
في السياق، يرجح مدير "مجموعة الخبراء السياسيين"، قسطنطين كالاتشوف، أن يكون للحدثين الرئيسيين لعام 2020 مفعول مؤجل، في ظل انشغال السكان بكيفية "النجاة" من الأزمة الراهنة، لا الحقوق والحريات السياسية. ويرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "يبدو أن الناس قد نسوا التعديلات الدستورية، بفعل استعجالها تحقيق شقّها السياسي، لا الاجتماعي".
ومن مؤشرات إسراع السلطات الروسية في تمرير قسم التعديلات الخاص بتعزيز مكانة بوتين، مصادقة مجلس الدوما (النواب) الروسي في وقت سابق من الأسبوع الحالي في القراءة الثالثة والأخيرة، على مشروع قانون منح الحصانة للرؤساء السابقين وأفراد عائلاتهم حتى بعد خروجهم من الرئاسة.
ويعلّق كالاتشوف على تأثير كورونا على الأمزجة السياسية للسكان، معتبراً أن "لفيروس كورونا تأثيرا كبيرا، ولكنه تحوّل إلى عامل يثني المواطنين عن الاحتجاج. لا يفكر الناس في الحقوق والحريات السياسية، حين تتصدر قضايا الحياة والموت المشهد، بل يضعون إستراتيجيات فردية للنجاة". ومع ذلك، يتوقع المحلل السياسي الروسي، أن "يتذكر الناس التعديلات وانعدام دعم فعلي من الدولة في فترة الوباء، بعد الخروج من الوضع الوبائي الصعب وطي صفحة فيروس كورونا". مع العلم أن روسيا تشهد حالياً ذروة كورونا، مع تسجيل ما لا يقل عن 25 ألف إصابة جديدة يومياً، وتجاوز إجمالي عدد الإصابات 2.5 مليون حالة، بما فيها أكثر من 45 ألف وفاة.
السلطة في روسيا لم تعد تخجل من شيء بعد تسميم نافالني
من جهتهما، اعتبر الباحثان، السياسي أندريه كوليسنيكوف، والاجتماعي دينيس فولكوف، أن السلوك الانتخابي في روسيا لم يعد يعكس المزاج الحقيقي للسكان، وسط تزايد الاستياء من سوء جودة الخدمات الحكومية والوضع الاجتماعي ـ الاقتصادي.
وفي مقال بعنوان "صفّر تسد: التحديات الرئيسية للنظام السياسي بعد 2020"، نُشر بموقع مركز "كارنيغي" في موسكو في وقت سابق من الشهر الحالي، رصد الباحثان مجموعة من الأحداث أسفرت عن استكمال تكوين "الاستبدادية السياسية في روسيا"، وفي مقدمتها تحويل الدستور إلى "بوتيني" بعد تمريره بواسطة تعبئة الأنصار وتفتيت المعارضين.
أما وباء كورونا، فلم يؤثر على درجة ولاء نواة أنصار النظام السياسي الروسي المكونة من موظفي القطاع العام والجيش والشرطة، كونهم ينتمون إلى الفئات الأقل تضرراً من الوباء، وفق ما لفت إليه الباحثان الروسيان. وتطرّق المقال إلى قضية تسميم المعارض السياسي، مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، أليكسي نافالني، معتبراً إياه محاولة محتملة من السلطة الروسية أو المقرّبين من إحدى طبقات هرمها "قطع رأس المعارضة وحل مشكلة المقاومة المنظمة إلى الأبد"، إلا أنها أدت إلى "أزمة كبرى في العلاقات بين النخب البوتينية والغرب".
واعتبر كاتبا المقال أن وضع النظام السياسي الروسي ليس سهلاً، بعد أن ظل قائماً على ثلاثة أركان، وهي لامبالاة السكان و"العقد الاجتماعي" (عدم تدخل المواطنين في السياسة مقابل الحد الأدنى من الضمانات الاجتماعية)، والرؤية المسلم بها لعدم وجود بديل لبوتين. ومن بين النتائج التي خلص إليها المقال، أن "السلطة الروسية لا تزال قادرة على الحفاظ على التوازن الهش للوضع السياسي"، وأن "الاستبدادية ازدادت حزماً"، وأن "السلطة لم تعد تخجل من شيء بعد تسميم نافالني".
يذكر أن نافالني أُصيب بوعكة صحية أثناء رحلة جوية من مدينة تومسك الواقعة في سيبيريا إلى موسكو في 20 أغسطس/آب الماضي، مما أدى إلى هبوط الطائرة اضطرارياً في مدينة أومسك، وإيداع المعارض السياسي في مستشفى محلي بحالة حرجة، ووضعه على جهاز التنفس الاصطناعي. وبعد نقل نافالني إلى برلين لتلقي العلاج، تأكدت رواية تسميمه بغاز "نوفيتشوك"، مما زاد من التوتر بين روسيا وألمانيا وسط تعالي الأصوات المطالبة بتعليق مشروع "السيل الشمالي 2" لنقل الغاز الروسي، بينما بدأ المعارض السياسي يتماثل تدريجياً للشفاء.