"نيويورك تايمز": أوكرانيا ليست دولة وهمية كما قال بوتين والتاريخ يؤكد العكس

22 فبراير 2022
الصحيفة تتهم بوتين بالبحث عن مبرر لقضم مزيد من الأراضي الأوكرانية (Getty)
+ الخط -

عادت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى الخطاب المطول الذي أدلى به الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ليلة أمس الاثنين، وأنهاه بالاعتراف بدونيتسك ولوغانسك جمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا، موضحة أن بوتين لخص تاريخ أوكرانيا المعقد وفق روايته الخاصة كمبرر لقضم المزيد من أراضيها.

وقالت الصحيفة الأميركية إن خطاب بوتين الذي وجهه للشعب الروسي حاول من خلاله منح أطر قانونية للجمهوريتين، غير المعترف بهما سابقا، من خلال الزعم بأن أوكرانيا كدولة مجرد وهم.

وأوضح الرئيس الروسي في خطابه أن أوكرانيا بشكلها الحالي شكلت من قبل روسيا بعد ثورة 1917 بالكامل، وأن جوزيف ستالين هو الذي حرر أوكرانيا ومنحها بعض الأراضي لتشكيل دولتها، فيما أشار إلى أن فلاديمير لينين هو الذي خلق دولة أوكرانيا الحالية بعدما سمح بمنحها الاستقلال الذاتي عند نشأة الاتحاد السوفييتي.

"أوكرانيا الحديثة شكلت من قبل روسيا بالكامل، وبالأخص روسيا الشيوعية البولشيفية"، كما جاء في خطاب بوتين، قبل أن يضيف: "هذه السيرورة بدأت عمليا مباشرة بعد ثورة 1917، بالإضافة إلى ذلك قام لينين ورفاقه بالقيام بذلك بأكثر الطرق فظاظة إزاء روسيا، وذلك من خلال تقسيم وتجزيء أطراف من روسيا من مناطقها التاريخية".

واعتبر تقرير "نيويورك تايمز" أن ما جاء في خطاب بوتين قراءة مغلوطة للتاريخ، مضيفا أن أوكرانيا وروسيا تتشاركان روابط يعود تاريخها إلى حقبة أول دولة سلافية، كييف روس أو روسيا الكييفة، التي أسسها الفايكينغ في القرن التاسع الميلادي.

حقائق تاريخية تدحض خطاب بوتين حول "وهم" الدولة الأوكرانية

كما أوضح التقرير أن الواقع التاريخي لأوكرانيا معقد، حيث تعاقبت عليها لقرن من الزمان أديان وشعوب عدة، وتغيرت حدودها الجغرافية على مر التاريخ. وأضاف أن العاصمة كييف تم تأسيسها منذ مئات السنين قبل موسكو، فيما يدعي كل من الروس والأوكرانيين أنها مهد ثقافتهم المعاصرة، وديانتهم ولغتهم.

ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أن كييف حظيت بموقع متميز على امتداد خطوط التجارة التي تطورت في القرنين التاسع والعاشر الميلادي، وعاشت فترة من الازدهار قبل أن تتراجع مكانتها الاقتصادية بفعل انتقال خطوط التجارة لمناطق أخرى.

إلى ذلك، لفت تقرير الصحيفة الأميركية إلى أن أجزاء من أوكرانيا كما هي معروفة اليوم كانت بالفعل خاضعة لقرون للإمبراطورية الروسية، موضحا أن أجزاء أخرى تقع بالغرب كانت تتبع للإمبراطورية النمساوية- الهنغارية.

وفي تعليق أدلى به لـ"نيويورك تايمز" قال مدير منظمة "اوراسيا غروب"، كليف كوبشان، إن "زعم بوتين اليوم بأن أوكرانيا كانت تاريخيا تخضع لروسيا ليس أمرا صحيحا"، مضيفا: "الحس والحماسة التي استهدف من خلالها (بوتين) كل شيء أوكراني أمر مثير للاهتمام".

"خرافة أوكرانيا"

من جانب أخر، استحضرت الصحيفة الأميركية أن الحكومة السوفييتية الجديدة في عهد لينين، والتي نالت قسطاً كبيراً من امتعاض بوتين، قامت بسحق دولة أوكرانيا الناشئة. وقالت إنه في حقبة الاتحاد السوفييتي، تم حظر اللغة الأوكرانية في المدارس، وتم السماح بثقافتها بالوجود فقط كتصوير كاريكاتيري للقوزاق الذين يرقصون بسراويلهم المنفوخة.

تكنولوجيا
التحديثات الحية

كذلك تطرقت الصحيفة إلى ادعاء بوتين بأن "خرافة أوكرانيا" تعززت من قبل حكومة ميخائيل غورباتشيف السوفييتية المتهاوية، هو ما سمح لأوكرانيا بالخروج من سيطرة موسكو. وحسب ما قال بوتين فإن روسيا متهالكة هي من "منحت" أوكرانيا الحق في الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي "بدون أي شروط أو قيود". "هذا مجرد جنون"، كما جاء في كلامه.

دونباس

ورداً على ذلك، أوضحت "نيويورك تايمز" أن موسكو ليست هي من منحت أوكرانيا استقلالها عام 1991، بل الشعب الأوكراني، الذي اختار التصويت على مغادرة الاتحاد السوفييتي في استفتاء شعبي.

وأضافت الصحيفة أنه من غير الواضع ما إذا كان بوتين يعتقد بصحة روايته بخصوص تاريخ أوكرانيا، أو أنه يقوم فقط باختلاق أسطورة مشككة لتبرير أي خطوة ينوي اتخاذها في القادم من الأيام.

وذكرت "نيويورك تايمز" أن بعض المراقبين يعتقدون أن تحري الدقة بخصوص المجريات التاريخية آخر ما يهم بوتين، بينما هو بصدد البحث عن مبررات للإقدام على تنفيذ ما يخطط له بأوكرانيا.

وقال في هذا الصدد للصحيفة أستاذ العلوم السياسية بجامعة نيويورك والخبير بالشأن الروسي، جوشوا أي. تاكر: "في وسعنا أن نكون واضحين بأن بوتين لم يكن يحاول الخوض في سجال تاريخي بخصوص الأحداث التاريخية المتشابكة بين الشعبين الروسي والأوكراني".

وتابع قائلا إن الزعيم الروسي كان بصدد وضع الأرضية للزعم "بأن أوكرانيا لا يحق لها في الوقت الراهن أن تحظى بالحقوق ذاتها التي تتمتع بها دولة ذات سيادة".

وأضاف: "كان ذلك إشارة إلى أن بوتين ينوي الادعاء بأن التدخل العسكري في أوكرانيا لن يكون بمثابة خرق لسيادة دولة أخرى".

المساهمون