أطلقت قوى وشخصيات تطلق على نفسها صفة "المعارضة الداخلية" منصة سياسية جديدة في العاصمة السورية دمشق، دعت على الفور لفتح حوار مع النظام وعقد مؤتمر وطني لـ"إيجاد حلول واقعية للأزمة السورية"، في مؤشر واضح على أن الجانب الروسي يقف وراء إنشائها، لتضاف إلى منصات أخرى تهدف إلى تمييع المعارضة السورية وتشتيت تمثيل قوى الثورة والمعارضة، وهو ما يصب لصالح إعادة إنتاج رأس النظام بشار الأسد في أي حلّ سياسي مقبل.
وحملت المنصة الجديدة اسم "منصة المعارضة الوطنية السورية" (دمشق)، وقالت إن غايتها "ترتيب بيت المعارضة الوطنية الداخلية"، وفق بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي أول من أمس الثلاثاء، أشارت فيه هذه القوى إلى أنّ لها ثوابت وصفتها بـ"الوطنية"، تقوم على "اعتبار الحل السياسي السلمي هو الخيار الوحيد للخروج الآمن من الأزمة ويتطلب فتح مسار حوار مع السلطة". ولفتت إلى أنّ هناك أسباباً وراء إطلاق هذه المنصة منها "الوضع الكارثي الذي آلت إليه حالة وطننا الأم سورية، واحتمالات تطوره نحو مرحلة أكثر خطورة"، موضحةً أنّ السلطة "تصرّ على رفض أي مشاركة في نهجها وطريقة اتخاذها للقرارات وتصوراتها للحلول".
استخدام المنصة الجديدة لتعبير "الحلول الواقعية" يدل على أنها متماهية مع رؤية النظام للحلّ السياسي
كذلك أعلنت هذه المنصة تمسكها بوحدة سورية، داعيةً إلى حلّ القضية الكردية ضمن الإطار الوطني، وكتابة دستور "عصري" واعتماد اللامركزية الإدارية، و"عقد مؤتمر وطني شامل يشارك فيه جميع الممثلين للشعب السوري لإيجاد حلول حقيقية وواقعية للأزمة السورية"، وفق البيان. ويدلل استخدام المنصة الجديدة لمفردة "الواقعية" على أنها متماهية مع رؤية النظام للحلّ السياسي في سورية، بعيداً عن القرارات الدولية، وخصوصاً بيان "جنيف 1"، والقرار 2254 واللذين يدعوان إلى انتقال سياسي تقوم به هيئة حكم كاملة الصلاحيات تشرف على انتخابات وفق دستور جديد للبلاد يُقر بعد استفتاء السوريين على مواده.
وتُضاف هذه المنصة إلى سلسلة منصات سياسية وأحزاب ليس لها أي وزن سياسي، دفع النظام قوى وشخصيات إلى تشكليها في الداخل السوري من أجل تشتيت التمثيل للمعارضة السورية سواء في الداخل أو الخارج. وأهم وجوه المنصة الجديدة فاتح جاموس المنتمي إلى الطائفة العلوية، والذي كان سُجن إبان فترة حكم حافظ الأسد نحو 18 عاماً (1982 - 2000) بسبب انتمائه إلى الحزب الشيوعي السوري.
وكان الجانب الروسي قد أنشأ منصتين خلال سنوات تدخله العسكري المعلن في سورية والذي بدأ أواخر عام 2015، الأولى حملت اسم "منصة حميميم" نسبة إلى القاعدة العسكرية الروسية الشهيرة على الساحل السوري غربي البلاد، من وجوهها ميس كريدي ومحمود مرعي اللذان عادا إلى سورية بعد "تسوية" مع النظام، إضافة إلى شخصيات أخرى يعتبرها الشارع السوري المعارض موالية للنظام وتتلطى وراء ما يُسمّى بـ "المعارضة الداخلية" بتوجيه منه. والثانية هي "منصة موسكو" التي يتزعمها قدري جميل رئيس ما يسمّى بـ"حزب الإرادة الشعبية"، وهو من أبرز الشخصيات السورية التي تتماهى تماماً مع الرؤية الروسية للحل في سورية، والتي تقوم على إعادة تعويم بشار الأسد والحلقة الضيقة التي تحيط به في أي حلّ سياسي مقبل. وتحت ضغوط إقليمية، اضطرت هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية إلى ضمّ هذه المنصة إلى صفوفها، وهو ما اعتبره الشارع السوري المعارض اختراقاً سياسياً كبيراً من الجانب الروسي للمعارضة السورية التي تعتبر وجود الروس في سورية أقرب إلى الاحتلال المباشر، فضلاً عن ارتكابهم مجازر بحق المدنيين السوريين أدّت إلى مقتل الآلاف منهم على مدى 5 سنوات من تدخلهم لصالح نظام الأسد.
وتعتبر المعارضة السورية في الخارج، والتي يمثلها "الائتلاف الوطني السوري" الذي يتخذ من إسطنبول التركية مقراً له، "هيئة التنسيق الوطنية" الممثل الوحيد للمعارضة السورية في الداخل السوري. وكانت تأسست هذه الهيئة بعد أشهر من انطلاق الثورة السورية في ربيع عام 2011 من قبل شخصيات وكيانات سياسية بهدف "توحيد مطالب المعارضة".
موسكو تريد معارضة أقرب لرؤية الروس للحل السياسي في سورية
من جانبه، رأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، أنّ موسكو "تقف وراء تنشيط ما تسميه المعارضة الوطنية"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "هذا المشروع قديم، وتعمل عليه روسيا لإعطاء هذه المعارضة دوراً أكبر في نظام بشار الأسد بعد إعادة إنتاجه". وأعرب عن اعتقاده بأنّ موسكو "تريد معارضة أقرب لرؤية الروس للحل السياسي في سورية، ومنها هذه المنصة، إضافة إلى شخصيات يسارية ومنصة موسكو ومنصة القاهرة وبعض المستقلين". وأشار إلى أنّ "النظام يتفاعل إيجابياً مع التوجه الروسي على هذا الصعيد، بسبب إدراكه أنّ خروجه منتصراً بحل عسكري بات محالاً"، وأكد "منصة دمشق مشروع روسي".
ومتفقاً مع علوان، أشار الكاتب والمعارض السوري بسام يوسف، إلى أنّ المنصة الجديدة "تحتاج إلى دراسة"، معرباً عن اعتقاده بأن هذه الخطوة "تخدم الحل الروسي للقضية السورية الذي يتماهى معه فاتح جاموس". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "هذه الخطوة تصب في صالح النظام في النهاية".