"شارع نسرين" بحي التضامن... معقل المجازر في جنوب دمشق

06 مايو 2022
حي التضامن في دمشق (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

مع انطلاق الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري في ربيع عام 2011، شاركت مجمل أحياء جنوبي العاصمة السورية دمشق، والمكتظة بالسكان، (نحو مليوني نسمة)، بهذه الاحتجاجات، بشقيها: السلمي عبر التظاهرات، ثم العسكري بعد تشكيل مجموعات مسلّحة انطوت تحت مسمى "الجيش السوري الحر".

ولم يتمكن "الجيش الحر" من طرد قوات النظام من مجمل تلك المناطق، ليفرض النظام عليها تدريجياً حصاراً شمل مناطق الحجر الأسود، التضامن، العسالي، القدم، وبلدات يلدا، ببيلا، وبيت سحم، إضافة إلى مخيم اليرموك.

 

جنوبي دمشق... من الحصار إلى القتل الجماعي

وتحول الحصار إلى حصار محكم اعتباراً من منتصف عام 2013، وذلك بمشاركة مليشيات ومجموعات مسلحة محلية (شبيحة)، أغلبها ذات طابع طائفي تولت قمع الاحتجاجات بعنف شديد، مع ارتكاب كل أشكال الانتهاكات والجرائم من اعتقالات وضرب وتعذيب وقتل وحرق واغتصاب. وجرى كلّ ذلك بمنأى عن أي مراقبة أو محاسبة من جانب قوات النظام، والتي كثيراً ما كانت تشارك المليشيات ومجموعات الشبيحة هذه الجرائم وتشجعهم عليها.


تولت مليشيات ذات طابع طائفي قمع الاحتجاجات في أحياء جنوبي دمشق بعنف شديد، مع ارتكاب كل أشكال الانتهاكات


وعلى غرار بقية المناطق، شهد حي التضامن المتاخم لمخيم اليرموك، والذي يضم خليطاً من السكان، هذا السيناريو من تطور الاحتجاجات، ليرد النظام السوري على ذلك بإنشاء مثل هذه المجموعات في منطقتهم، وهي خليط من الشبيحة الطائفيين، وعناصر منتدبين من أجهزة الأمن أو من جيش النظام، خصوصاً من الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد.

وينشر "العربي الجديد" شهادات عدة لناشطين وإعلاميين كانوا في منطقة حي التضامن وقت وقوع تلك المجازر، والتي عاد الحديث عنها بعد التحقيق الذي نشر أخيراً في مجلة "نيو لاينز" الأميركية، وهو من إعداد الباحثة السورية أنصار شحّود والباحث التركي أور أوميت أونغر، العاملين في "مركز الهولوكوست والإبادة الجماعية" في جامعة أمستردام.

والتحقيق يوثق تنفيذ عناصر من المخابرات العسكرية وقوات الدفاع الوطني التابعة للنظام عملية إبادة ممنهجة بحق مدنيين في حي التضامن الدمشقي. ويوثق تحديداً كيف "قام كل من أمجد يوسف ونجيب الحلبي في يوم 16 إبريل/نيسان 2013، بإعدام 41 شخصاً عبر الإلقاء بهم في حفرة تم إعدادها مسبقاً لهذا الهدف في وسط أحد الشوارع غير المأهولة في حي التضامن".

وبعد الانتهاء من إطلاق النار على الضحايا واحداً تلو الآخر، أضرمَ الجناة النار في جثث ضحاياهم عبر إحراق إطارات سيارات وُضعت مُسبقاً في قعر الحفرة، فيما جرى الاعتماد على جهود الباحثين في تقرير آخر نشرته صحيفة "ذا غارديان" البريطانية وتضمن فيديو المجزرة.

يقول عز الدين العلي، وهو ناشط إعلامي تواجد في حي التضامن، إن أهم المجموعات المسلحة التابعة للنظام تشكلت خلال الأشهر الأولى من انطلاق الثورة السورية في ربيع 2011، وهم من كانوا يعرفون بـ"شبيحة شارع نسرين" وفق ما كانوا يطلقون على أنفسهم.

ويلفت إلى أنه سرعان ما امتد نشاطهم إلى خارج منطقة التضامن وتشكلت منهم مليشيا "الدفاع الوطني"، إضافة إلى مليشيات أخرى فلسطينية تابعة لأحمد جبريل أو "فتح الانتفاضة "كانت تتمركز غرب التضامن.

كما أن هناك حضوراً للأمن العسكري ونقطة واحدة لـ"حزب الله" اللبناني زرعها في مطلع 2013، بحسب العلي. لكن معظم أو جميع الجرائم المرتكبة تمّت كما يقول العلي، بواسطة مجموعات "شارع نسرين"، وهم "خليط من المدنيين وعناصر الأمن أو الجيش، وغالبيتهم الساحقة من الطائفة العلوية".

بكثير من الألم تحدث والدا الفلسطيني السوري، وسيم صيام، لـ"العربي الجديد"، عن الساعات الأخيرة في حياة ابنهم، قبل أن يفقدا الاتصال به يوم 14 نيسان/أبريل 2013، ويتعرفا عليه قبل أيام فقط في فيديو مجزرة التضامن المروع.   عمر صيام قال إن ابنه ذهب من مخيم اليرموك إلى حي التضامن، من أجل إحضار دفعة من الطحين اللازم للفرن الذي تملكه العائلة، وكان آخر اتصال معه في الواحدة وعشرين دقيقة.  سهام أبو صيام، والدة الضحية فيمجزرة التضامن التي نقذتها عناصر الأسد، قالت إن ابنها كان يملك تراخيص من وزارة الداخلية، من أجل تسهيل مر

مجازر أخرى أبشع في حي التضامن

ويضيف العلي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن العديد من الأشخاص متورطون في جريمة التضامن، إضافة لمن ظهروا في الفيديو المسرّب حول الجريمة والذي نشرته "ذا غارديان"، مشيراً إلى أن أحداث وتطورات تلك الفترة "كثيرة ومعقدة، ويعتبر صالح الراس (أبو منتجب) وهو ضابط متقاعد (تمّت الإشارة إليه في النسخة العربية والمترجمة من تقرير الباحثيَن باسم صالح ر، بينما اسمه الكامل ورد في النسخة الانكليزية)، من أعتى المجرمين خلالها".

ويلفت العلي إلى وجود "شخص آخر يدعى حكمت الإبراهيم (أبو علي حكمت)، الذي كان مسؤولاً عن الشؤون العسكرية ولا علاقة له بالسجن وموضوع الحفر، كما ورد في بعض المعلومات التي تم تداولها في الأيام الأخيرة حول الموضوع". مع العلم أن تحقيق الباحثين تطرق إلى حكمت، مشيراً إلى أن "شخصاً مثل إبراهيم ح. المعروف باسم أبو علي حكمت، وهو قائد في الدفاع الوطني وعضو سابق في سرايا الدفاع، كان يمتلك مقبرته البدائية لحرق جثث الضحايا الذين اعتقلهم عند الحواجز أو من مستشفى المجتهد".

ويقول العلي إن من كان يتولى أمر الحفر التي يدفن فيها الضحايا، هما شخصان: الأول يدعى نجيب الحلبي وظهر في الفيديو مع القاتل أمجد، والثاني يدعى ريبال، وكلاهما قتلا قبل سنوات. ويوضح أنه نادراً ما يتم الإفراج عن شخص معتقل لدى مجموعات "شارع نسرين" حتى لو تم دفع أموال، مشيراً إلى حالتين فقط تم الإفراج فيهما عن شخصين فقط خرجا نتيجة عملية تبادل مع "الجيش الحر"، وكلاهما توفيا في وقت لاحق.

عز الدين العلي: أهم المجموعات المسلحة التابعة للنظام تشكلت خلال الأشهر الأولى من عمر الثورة، وكانوا يعرفون بشبيحة شارع نسرين
 

وحول تاريخ بدئها، يشير العلي إلى أن عمليات التصفية بدأت في الأشهر الأولى من عمر الثورة وقبل ظهور السلاح في يد المعارضين، مذكراً بمقتل يامن العواد الذي ورد اسمه في محاكمة أنور رسلان (ضابط سابق باستخبارات النظام حكم عليه بالمؤبد في ألمانيا بتهمة تعذيب معتقلين وقتلهم).

ويؤكد الناشط الإعلامي، أن عدد المفقودين "كبير جداً، بعضهم علمنا أنه تمّت تصفيتهم، وكثيراً منهم لا نعلم مصيرهم حتى الآن". ويوضح أن "منطقة شارع نسرين تحولت إلى ثكنة عسكرية ضخمة وامتد نشاط المجموعات العاملة فيها، والتي يتم تسليحها من قبل أجهزة الأمن التابعة للنظام إلى مخيم اليرموك، حيث كانت تجري ملاحقة بعض الفارين من أهالي التضامن باتجاه المخيم، ويتم اعتقالهم بالتعاون مع مليشيات أحمد جبريل".

ويعرب العلي عن اعتقاده بأن من ظهروا في فيديو مجزرة التضامن، هم من المدنيين الذين جرت تصفيتهم فوراً من دون محاكمة أو سؤال على قاعدة "التطهير العرقي".

ويلفت الى أن العسكريين، أي المنتسبين لـ"الجيش الحر" الذين يتم اعتقالهم لا يقتلون فوراً، بل كان يتم استجوابهم ببطء لأخذ معلومات منهم حول الفصيل الذي ينتمون إليه، وبعضهم كانوا يجبرون على تعاطي المخدرات "ليذهب عقلهم"، ويدلوا بمعلومات مفصلة حول زملائهم وحتى أقاربهم. 

توثيق 50 جثة في مكان واحد

وفي معرض شهادته، يذكر العلي أنه تمكن في عام 2014 من التسلل مع مجموعة من الزملاء إلى هذه المناطق التي كانت تتم فيها التصفيات في حي التضامن، ووثق في إحدى الحالات وجود نحو 50 جثة لم تدفن، منها 15 جرى حرقها. ويوضح أنه واجه صعوبة في إحصاء تلك الجثث لأنها تعرضت للحرق الشديد، ولم يستطع فعل ذلك إلا من خلال عدّ الجماجم. كما عثروا ضمن "كتلة دعبول" على جثث كثيرة، وكذلك في منطقة سليخة. 

وبرأي الناشط الإعلامي من حيّ التضمان، فإنه وفقاً لنمط الإعدامات التي كانت سائدة آنذاك، فإن "جميع الضحايا في تقديرنا هم من المدنيين، لأن العسكريين أو المنتمين إلى فصائل المعارضة لا يتم اعتقالهم بالجملة، بل كأفراد، ولا يتم إعدامهم في مجزرة جماعية، بل بشكل فردي، وبعد تحقيقات مطولة معهم".

27 مجزرة مصورة

بدوره، يؤكد الصحافي السوري مطر إسماعيل، والذي كان يغطي منطقة جنوبي دمشق في تلك الفترة، ويقيم في منطقة التضامن، ما جاء في تحقيق الباحثين حول المجزرة، من أنه تم الوصول حتى الآن إلى 27 مقطعاً مصوراً توثق 288 ضحية قتلوا عام 2013 في حي التضامن، وما ورد في تقرير "ذا غارديان"، هو مقطع واحد منها فقط، مؤكداً وجود مجازر عديدة أخرى ومصورة أيضاً.  

ويوضح إسماعيل في شهادته لـ"العربي الجديد"، أن أنصار شحود والباحث التركي أور أوميت أونغر حصلا على 27 مقطعاً، وكان التركيز على التعرف على الجناة الظاهرين في هذه المقاطع، وأبرزهم أمجد يوسف، صف ضابط المتطوع في الفرع 227 التابع للأمن العسكري، ونجيب الحلبي، إضافة إلى شخصيات أخرى مثل أبو منتجب، قائد إحدى المجموعات التابعة للفرع، وفادي صقر، قائد الدفاع الوطني في دمشق، واللواء بسام مرهج، قائد أركان الدفاع الوطني في سورية.

وحول هوية الضحايا الذين ظهروا في مجزرة التضامن، يقول إسماعيل إن جزءاً منهم من أهالي المنطقة وجزءاً آخر اعتقلوا على الحواجز المنتشرة ما بين اليرموك وبنايات القاعة في الميدان والفرن الآلي في الزاهرة قرب التضامن.

ويضيف إسماعيل: "تحولت هذه المنطقة منذ سيطرة الجيش الحر على جزء من التضامن إلى مرتع للشبيحة الذين يقومون بمختلف الانتهاكات، حيث شهدت بشكل يومي، منذ بداية 2013 وحتى الشهر السابع من ذلك العام، حالات اعتقال". ويلفت إلى "أن المعتقلين كانوا ينقلون إلى حي التضامن الذي قُسّم إلى 15 منطقة أمنية يسيطر عليها الدفاع الوطني وفرع المنطقة، وكل مجموعة لديها مركز اعتقال خاص بها".

ضحايا فلسطينيون في حي التضامن

ويعرب الناشط الفلسطيني أبو أحمد السهلي، الذي يعيش اليوم في أوروبا وفضّل عدم الكشف عن اسمه خوفاً على أهله في سورية، عن اعتقاده، بأن كثيراً من الضحايا الذين جرت تصفيتهم في حي التضامن عام 2013 هم من اللاجئين الفلسطينيين، لأن الاعتقالات كانت تتم بشكل رئيسي على الحواجز الثلاثة على مداخل مخيمي اليرموك وفلسطين، حيث ينقل المعتقلون إلى التضامن لتتم تصفيتهم هناك بعد ساعات قليلة.

ويوضح الناشط الفلسطيني، أن مسلحي "شارع نسرين" رفعوا في تلك الفترة شعار "كل واحد بمية"، بحيث أنه كانوا كلما قتل أحدهم في الاشتباكات مع "الجيش الحر"، أو خسروا نقطة عسكرية، يقومون بحملات اعتقال عشوائية في حي التضامن والأحياء المجاورة، خصوصاً مداخل حي اليرموك، وينقلون المعتقلين إلى حي التضامن، حيث تتم تصفيتهم على الفور.

وحول دور المجموعات الفلسطينية التابعة لأحمد جبريل وسواه من المليشيات الفلسطينية التي كانت تنشط في تلك المنطقة، يوضح أبو أحمد السهلي أن دورها كان يقتصر على التعاون الأمني مع مجموعات شبيحة نسرين، ووضع عناصرها في خط المواجهة مع مقاتلي المعارضة، من دون أن تتورط في عمليات التصفية للمعتقلين التي كانت من اختصاص شبيحة شارع نسرين.

شهد حي التضامن اعتقالات عشوائية وتصفيات (لؤي بشارة/فرانس برس)

ويشرح الناشط الفلسطيني أن المجزرة المصورة وقعت في الجزء الجنوبي الشرقي من حي التضامن، في منطقة قريبة من خط التماس مع فصائل المعارضة في شارع دعبول، وهي منطقة كانت خالية من السكان في حينها منذ أشهر عدة، ولا تبعد سوى مسافة قليلة عن حاجز مخيم اليرموك عند دوار البطيخة.

ويذكّر أبو أحمد السهلي بأن الحاجز كان يشهد في تلك الفترة حركة نشطة لسكان اليرموك والحجر الأسود لتأمين احتياجاتهم الغذائية أو للخروج كلياً من المنطقة التي بدأ يشتد الحصار عليها بعد سيطرة "الجيش الحر" على المخيم نهاية 2012.

ويلفت إلى أن عملية الخروج بحد ذاتها كانت تشوبها المخاطر، نظراً لعمليات القنص التي كانت تستهدف الراغبين بالخروج أو خلال دخولهم، من جانب قوات النظام المنتشرة على أسطح المنازل عند مدخل المخيم، ما تسبب بمقتل الكثير منهم.

ويشير الناشط إلى أن من كان يتمكن من الوصول إلى الحاجز، كان عرضة أيضاً للاعتقال، حيث اختفى مئات الأشخاص بعد وصولهم إلى حاجز البطيخة، مرجحاً أن يكون العديد من ضحايا مجزرة التضامن، ممن اختفوا على ذلك الحاجز.

جرائم بأشكال متنوعة في حي التضمان

وينقل السهلي، وهو من سكان حي التضامن، عن شخص التقاه في لبنان تعرض للاعتقال يدعى م. أبو راشد، قوله إنه جرى اعتقاله في تلك الفترة عند فرن التضامن، وسيق مع آخرين، ليحبسوا كلّ 6 أو 7 أشخاص، في دكان، ويتم إغلاق الباب عليهم، ثم يجري إخراج رأس كل واحد من فتحة صغيرة في الدكان، وتخلع رقبته ليموت ببطء. ويوضح أن المجموعة التي اعتقلته انشغلت بإعدام أشخاص آخرين، فتمكن من الهرب من الدكان، وانتقل زحفاً إلى شارع التضامن حتى وصل إلى مخيم اليرموك ثم هرب إلى لبنان.

ويشير السهلي إلى أن عائلة كاملة من بيت العمايري الفلسطينية، وهم أم زياد وابنتها وابنها، ذهبوا لزيارة ابنتها المتزوجة والتي كانت تستأجر مع زوجها وأولادها الثلاثة منزلاً في شارع نسرين، فاقتادهم مسلحون يتبعون لمجموعة "أبو منتجب" من بيت ابنتها في يونيو/حزيران 2013 من دون أن يعرف مصيرهم حتى الآن. 

كما يروي السهلي شهادات عن العديد من الأشخاص الذين قتلوا في منطقته على يد "شبيحة نسرين"، ومنهم محمد عقلة، وهو فلسطيني من ذوي الهمم (ذوي الاحتياجات الخاصة)، قتلوه بالرصاص.


كانت عصابة أبو منتجب الأكثر شراسة في قتل المدنيين، بالإضافة إلى عصابة إجرامية أخرى بقيادة ياسر سليمان


وهناك أيضاً بحسب شهادته، جمال الحسن، وهو أحد جيرانه الذي كان يسكن في التضامن، وهرب إلى مخيم اليرموك في 2013، ثم تواصل مع شخص يعرفه من المسلحين من "شبيحة نسرين" وقال له إنه يريد أن يحضر إلى بيته في شارع السبورات قرب سينما النجوم، ليأخذ مبلغاً من المال تركه هناك، فطمأنه ذلك الشخص، وحين ذهب بسيارته لم يعد أبداً، ليتم لاحقاً تدمير هذا الشارع بالكامل بعد تعفيشه. كما تمّ تدمير كل البيوت حول مركز الغاز في شارع فلسطين بالقسم التابع للتضامن وصولاً إلى مخفر التضامن.

وتتضمن شهادة السهلي قصة شابين من عائلة البستوني قتلهما الشبيحة قرب دوار فلسطين عام 2012. ويشرح أن الشابين كانا يتحدثان مع والدهما على الهاتف ويخبرانه بأنهما يشربان المتة مع المسلحين، وأن لا مشكلة لديهما، لكن والدهما سمع إطلاق نار خلال المحادثة ثم انقطع الاتصال، وحين ذهب إليهما وجدهما مقتولين.

وهناك أيضاً فتى عمره 16 سنة من بيت الشهابي، اتصلوا بوالده ليحضر ويأخذ ابنه، وحين حضر وجده ابنه مقتولاً، وقام المسلحون أيضاً بقتل الوالد.

ويؤكد السهلي وجود أكثر من مقبرة جماعية إلى جانب جامع العثمان، الذي يقع في آخر شارع دعبول الذي يبدأ من بلدة يلدا على أطراف التضامن ليصل إلى دف الشوك، حيث جرى تدمير معظم بيوت تلك المنطقة من خلال تلغيمها، وذلك من حدود منطقة يلدا وصولاً إلى جامع العثمان.

وكان المشرف على التدمير، كما يقول السهلي، عصام زهر الدين، الضابط في الحرس الجمهوري الذي قتل بانفجار لغم في دير الزور شرقي سورية في أكتوبر/تشرين الأول 2017. ويوضح أن تدمير البيوت تمّ خلال الأيام الثلاثة لعيد الفطر في عام 2012، لافتاً إلى أنه "لم تستثن حتى المنازل التي تعود إلى ضباط في جيش النظام، حيث لغمت أبنية تضم كل منها شققاً عدة وجرت تسويتها بالأرض"، مؤكداً ذلك بعدما شهد على عملية التدمير بسبب وقوع منزله بالقرب من المنطقة.

كان المشرف على تدمير المنازل، عصام زهر الدين، الضابط في الحرس الجمهوري الذي قتل بانفجار لغم في دير الزور

مجازر ذات طابع طائفي

ويعرب الناشط الإعلامي رامي السيّد المقيم حالياً في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام في الشمال السوري، والذي كان يغطي أخبار جنوبي دمشق في تلك الفترة، عن اعتقاده بأن الضحايا المدنيين الذين تمّت تصفيتهم في حي التضامن ليسوا بالضرورة من سكّان الحي، وربما يكون من بينهم مدنيون من مخيم اليرموك والحجر الأسود والزاهرة ودف الشوك والميدان ويلدا وببيلا.

ويشرح أن سكان هذه المناطق هم خليط من السوريين من محافظات متنوعة، لا سيما دير الزور وإدلب والجولان المحتل، إضافة إلى الفلسطينيين.

وبدأ بالفعل أهالي وأصدقاء ضحايا مجزرة منطقة التضامن جنوب دمشق، في الأيام الأخيرة، في التعرف إلى وجوه بعض الضحايا الذين ظهروا في الفيديو المسرب للمجزرة. واتضح أن اثنين من ضحايا المجزرة، التي ارتكبتها مجموعات تتبع النظام السوري فلسطينيان من مخيم اليرموك الأول يدعى وسيم عمر صيام والثاني سعيد أحمد خطّاب.

ويقول السيّد لـ"العربي الجديد"، إن "مجموعات الشبيحة كانت تنشط في هذه المناطق، إضافة إلى الحواجز التي كانت عند مدخل اليرموك ودف الشوك وشارع الثلاثين والزاهرة وحي الميدان، حيث كان يتم جلب المعتقلين إلى معقل الشبيحة في شارع نسرين، ليتم الانتقام منهم وتصفيتهم".

ويلفت إلى أنه "في بعض الأحيان، كان يتم جلب المعتقلين والاعتداء عليهم وتعذيبهم وحتى الاغتصاب، من قبل العصابات الطائفية وبمشاركة أهالي هؤلاء المجرمين من باب التفاخر والانتقام والحقد الطائفي".

ويقول السيّد: "أنا شخصياً عندما اعتقلت في إحدى المرات، تمّ سوقنا إلى حي الأسد العلوي على أطراف حي القدم، وتم الاعتداء علينا من قبل أهالي الحي، إذ حتى النساء شاركن في ضربنا، قبل أن يتم سوقنا إلى فرع المنطقة".

وبحسب الناشط الإعلامي، فإن مجموعات الشبيحة كانت تتكون "من شبان عاطلين عن العمل غالباً، أو مجرمين أصحاب سوابق، أو أفراد على أساس طائفي بحت، وقد تم تجنيدهم للقتل خارج القانون وللمساهمة في قمع التظاهرات والتحركات السلمية، ومن ثم انخرطوا في القتال مع جيش النظام وتمّ ضم أغلبهم إلى قطعات من الجيش تحت مسمى قوات رديفة أو دفاع وطني، لإضفاء بعض الشرعية عليهم من قبل نظام الأسد".

 

 

سوريون ينتظرون المفرج عنهم على أمل لقاء حبيب معتقل بسجون الأسد

مراسل "العربي": قتلوا أقربائي

تعليقاً على ما نشرته صحيفة "ذا غارديان" حول مجزرة حي التضامن، يكتب عدنان جان، مراسل تلفزيون "العربي"، على صفحته في موقع "فيسبوك"، أنه من سكان حي التضامن حيث عاش وترعرع هناك، مشيراً إلى أن الحي يضم خليطاً من التركمان المتحدرين من مرتفعات الجولان ومن محافظات أخرى مثل دير الزور ودرعا وإدلب، إضافة إلى سكان شارع نسرين، الذين شكلوا العماد الرئيسي لتلك المليشيات الموالية للنظام.

ويتابع أنه درس في مدرسة أحمد حمدان التي تقع على بُعد أمتار قليلة من مكان المجزرة: "نصف طلبة المدرسة كانوا من سكان شارع نسرين. كنا نجلس على مقاعد دراسية واحدة. لم نكن نعلم حينها أنهم سيصبحون في يوم ما قتلة ومجرمين ويتحولون إلى وحوش بشرية".

ويضيف: "نحن نعلم كل تفاصيل المجزرة منذ أيامها الأولى. كان القتل طائفياً بامتياز. أقربائي (عمتي وابنتها وحفيدتها) أُحرقن وهن أحياء. جيراني (أستاذ مادة التربية الرياضية وكابتن فريق يلدز اسماعيل طعمة وزوجته وأولاده أمل طعمة وأخواها الشابان) قُتلوا بدم بارد. عائلات بكاملها اختفت من الحي البائس. أبو منتجب الذي ورد اسمه في تقرير "ذا غارديان" كان يتزعم مليشيات الحرق والقتل".

ويتابع: "رائحة الجثث المتفحمة لا تفارق أنوف الناجين من حي التضامن. حتى الآن وبعد سنوات من المجزرة يحدثونني عن رائحة شواء الأجساد البشرية. في نهاية شارع دعبول، يقع مسجد سعد بن الربيع. تحول المسجد إلى مسلخ بشري. كانوا يغتصبون ويعذبون النساء بداخله وهم يشغلون إذاعات المسجد لتصل آهات المعذبين إلى كامل أرجاء الحي قبيل إحراقهم".

مجموعات مسلحة أخرى

ويقول الصحافي محمد عليان (اسم حركي لأن صاحبه لا يزال يقيم في دمشق)، إنه إضافة إلى عصابة أبو منتجب التي تعد الأكثر شراسة في قتل المدنيين، وزعيمها ضابط مسّرح من إدارة الوقود بسبب كثرة السرقات التي تورط فيها خلال خدمته العسكرية، هناك عصابة إجرامية أخرى بقيادة ياسر سليمان قتلت أيضاً الكثير من الأبرياء.

وياسر سليمان الذي يتحدر أيضاً من قرية عين فيت، كان مستخدماً في المؤسسة الاستهلاكية، وعرف عنه بأنه كان يسرق السكر والرز قبل عام 2011، قبل أن يصبح بعد ذلك رجل أعمال وقائد مجموعة مسلحة. وتضاف إلى هؤلاء، مجموعات الدفاع الوطني بقيادة فادي صقر، ومجموعات تتبع للفرقة الرابعة وأمنها، وأيضاً مجموعات أبرمت تسوية مع النظام.

ويوضح عليان في حديثه لـ"العربي الجديد" أن عمليات الاعتقال كانت تتم على حاجز البركة الذي يسيطر عليه شبيحة نسرين، وعلى حاجز جامع البشير الخاضع لسيطرة اللجان الشعبية والأمن العسكري.