لا تزال المليشيات الإيرانية تتلقّى خسائر فادحة على محور البادية السورية، وذلك إثر كمائن متعدّدة نفّذها تنظيم "داعش" الإرهابي الذي تتمركز بقاياه على جيوب البادية السورية، وتنصب كمائن متواترة ومركّزة على القوافل العسكرية التي تتبع للنظام السوري أو المليشيات الإيرانية.
ومن أحدث تلك الكمائن، كان الهجوم الذي وقع أمس الأربعاء، حيث استهدف عناصر من التنظيم قافلة عسكرية تتبع لمليشيا "لواء الإمام الباقر" الموالية لإيران.
وقال أحمد الرمضان، مدير شبكة "فرات بوست"، المتخصّصة بأخبار دير الزور والبادية: "إن الاستهداف كان قريباً على الطريق العام على طريق أثريا - السخنة، وهذا النوع من الكمائن يستهدف عناصر من الجيش، ولكن في تلك اللحظة كانت المنطقة تشهد مرور عناصر من لواء الباقر، وكانوا متّجهين من حمص إلى السخنة من أجل تبديل نقاط التفتيش".
وأشار الرمضان لـ"العربي الجديد" إلى أن المنطقة التي يتمركز فيها التنظيم لا تصل إليها الدبّابات، ولا توجد فعالية للطيران الحربي فيها، بسبب وجود كتل صخرية وجبال ومغارات"، موضحاً أن التنظيم شيّد ما يُشبه مدينة في البادية، فيها مولّدات طاقة كهربائية وغيرها من المعدّات اللازمة للاستقرار.
وقال مصدر خاص لـ"العربي الجديد": "إن موكباً عسكرياً كان يمرّ على "أوتوستراد أثريا"، بين حماة وحلب، وهناك تعرّض الموكب لهجوم مباغت بالأسلحة الثقيلة والمتوسّطة، ما أدى إلى مقتل وإصابة 12 مقاتلاً، بينهم قياديون". وأضاف المصدر أن المليشيات الإيرانية تواجه منذ أشهر مشاكل بالتعامل مع تنظيم "داعش" في البادية، حيث شنّت خلال الفترة الماضية عدّة عمليات عسكرية لتأمين طرق البادية، ولكنّها فشلت بذلك.
ويُرجع المصدر سبب الفشل المستمر إلى طبيعة منطقة البادية التي تسمح بعمليات الكر والفر، وتمكّن التنظيم من الاختباء في تلك المساحات الشاسعة، ثم الظهور مرّة أخرى بشكلٍ مفاجئ والإغارة على قوافل المليشيات، لافتاً إلى أن "إيران ترى في طريق البادية أحد أهم خطوط النقل من الحدود العراقية إلى دمشق، بسبب صعوبة السير على طرقات أخرى".
ونشرت صفحة "كتيبة الإمام العباس لواء الإمام محمد الباقر" بياناً حول الكمين، أكّدت خلاله مقتل 12 عنصراً من المليشيا، ونشرت صورهم وأسماءهم، موضحةً أنّهم قُتلوا على محور "أثريا - السخنة".
من جهته، تبنّى تنظيم "داعش" الهجوم في ذات اليوم، وذلك حسب بيان صادر عن وكالة "أعماق" الناطقة باسم التنظيم، اطلع عليه "العربي الجديد". وجاء في البيان أن الكمين جاء على طريق أثريا شرقي مدينة سلمية في ريف حماة الشرقي، بالأسلحة الرشاشة، ما أدى إلى مقتل 13 عنصراً وإصابة آخرين، وإحراق آلية رباعية الدفع مزوّدة برشّاش ثقيل.
من جهتها، ذكرت شبكة "البادية 24" المتخصّصة بأخبار البادية السورية، أن الكمين أدّى إلى مقتل عشرة عناصر من مليشيا "لواء الباقر".
وتشكّل لواء محمد الباقر في عام 2012، استناداً إلى اسم الإمام الشيعي، وكان انطلاقها بدايةً من محافظة حلب، وهي من كبرى المليشيات الموالية لإيران، وتمثّل قبيلة "البقارة" معظم قيادات المليشيا ومقاتليها، حيث دعمت هذه القبيلة النظام السوري منذ اندلاع الثورة السورية. وقاتل "لواء الباقر" إلى جانب النظام على جبهات مدينة حلب وريفها، إضافةً إلى ريف دمشق والبادية السورية.
ومنذ هزيمة تنظيم "داعش" في ريف حمص الشرقي وفي ريفي الرقة ودير الزور، انكفأ مقاتلوه نحو البادية السورية، وهناك أعادوا تشكيل أنفسهم وترتيب صفوفهم مرّة أخرى.
ويتمركز تنظيم "داعش" حالياً على امتداد البادية من ريف حمص الشرقي إلى ريف دير الزور الجنوبي، وهذه المناطق تمثّل خطاً حيوياً للمليشيات الإيرانية، التي تتّخذ من البادية طريق عبور بين وسط وجنوب سورية، وشرق سورية، وتحديداً محافظة دير الزور التي تسيطر عليها المليشيات الموالية لإيران بشكلٍ كامل.
وخلال الأشهر الماضية، كثّف تنظيم "داعش" من هجماته على مواقع قوات النظام والمليشيات الإيرانية، وحتّى ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) وفي الرابع من يناير/ كانون الثاني 2021، تبنّى التنظيم خمس هجمات على مواقع للنظام السوري في البادية السورية، موضحاً أنّه قتل عدّة جنود وأعطب عدّة عربات وناقلات جند، عبر تفجير عدّة عبوات ناسفة.
كذلك بثَّ التنظيم إعلان معركة بعنوان "غزوة الثأر لمقتل الشيخين" للثأر لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي والمتحدث باسم التنظيم أبو يوسف المهاجر. وفي 12 من ذات الشهر ذكرت وكالة "أعماق" أنّها أوقعت قوات النظام السوري بكمين في جنوب مدينة الرصافة في ريف الرقّة، ما أدى إلى مقتل عدد من الجنود.
إلى ذلك، أعلنت وزارة الدفاع التركية، اليوم الخميس، مقتل 5 عناصر من "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) شمالي سورية، فيما ذكرت مصادر تركية أن "قسد" مسؤولة عن مقتل أكثر من 180 مدنياً خلال عام 2020.
ونقلت وكالة الأناضول عن مصادر تركية قولها إن 182 شخصاً، بينهم أطفال، قتلوا، وأصيب 767 آخرون، في هجمات شنتها قوات "قسد" في شماليّ سورية على مدار عام 2020.
وأضافت المصادر أن "قسد" تسعى "لزعزعة أجواء الأمن والاستقرار من خلال الهجمات التي تشنها شماليّ سورية"، لافتة إلى أن هجمات "قسد" بالسيارات المفخخة "تتكثف في مناطق عفرين والباب وجرابلس ورأس العين التي ينعم أهلها بالاستقرار" منذ سيطرة القوات التركية على المنطقة.
وحسب الوكالة، فإن الهجمات المذكورة "تهدف إلى تخويف وترويع المدنيين وتهجيرهم قسرياً من مناطقهم، إضافة إلى التعتيم على أنشطة القوات المسلحة التركية وأعمالها الإغاثية الإنسانية التي وفرت الأمن والاستقرار في تلك المناطق".
وتصاعدت وتيرة التفجيرات أخيراً في مناطق سيطرة الجيش الوطني المدعوم من تركيا، فيما دأب الجيش الوطني وتركيا على اتهام "قسد" بالوقوف وراء معظم تلك التفجيرات.
من جهة أخرى، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن 8 عناصر من قوات النظام والمسلحين الموالين لها قتلوا في الهجوم الخاطف لعناصر تنظيم "داعش" فجر اليوم الخميس، على محيط حقل التيم النفطي جنوبي مدينة دير الزور، فيما قتل 3 عناصر من عناصر التنظيم خلال الاشتباكات.
وأضاف المرصد أنه تأكد مقتل 9 من عناصر التنظيم أيضاً خلال القصف الجوي والاشتباكات العنيفة التي شهدتها محاور بريف حماة الشرقي فجر وصباح أمس الأربعاء، التي قتل خلالها أيضاً 19 من قوات النظام والمليشيات الموالية لها بينهم 11 من لواء الباقر المدعوم من ايران.
كذلك قتل وجرح عدد من عناصر مليشيا لواء "القدس"، بانفجار يرجح أنه ناتج من سيارة مفخخة جنوب دير الزور.
وذكر موقع "دير الزور 24" أن نقطة مشتركة لمليشيا لواء "القدس" والفرقة الـ 17 التابعة للنظام بالقرب من موقع المالحة في بادية دير الزور الجنوبية تعرضت لتفجير سبّب مقتل أكثر من 10 عناصر، مرجحاً أن يكون التفجير ناتجاً من انفجار سيارة مفخخة استهدفت النقطة المشتركة بين المليشيات. وأضاف الموقع أن سيارات الإسعاف انطلقت باتجاه الموقع، تلتها غارات جوية روسية استهدفت عدة مواقع في البادية.
ونعت قيادة "لواء الباقر" على مواقعها في وسائل التواصل الاجتماعي 12 عنصراً، وذكرت أنهم قتلوا في اشتباكات مع عناصر من تنظيم "داعش" على محور إثريا بريف حماة الشرقي، أمس الأربعاء.
وفي جنوب البلاد، اغتال مجهولون اليوم الخميس أحد عناصر الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري في ريف درعا.
وذكر الناشط محمد الشلبي لـ"العربي الجديد" أن مجهولين أطلقوا الرصاص على عماد فواز الصبيحي في بلدة عتمان بريف درعا الأوسط، ما أدى إلى مقتله على الفور، مشيراً إلى أن القتيل أحد عناصر المخابرات الجوية التابعة للنظام السوري.
وكانت دراجة مفخخة قد استهدفت أمس الأربعاء مقراً للفرقة الرابعة في مدينة المزيريب غرب درعا، ما أدى إلى وقوع جرحى في صفوفهم أسعفوا إلى مشفى درعا الوطني.
وتزامن الانفجار مع وصول تعزيزات جديدة لـ"الفرقة الرابعة"، استقرت جنوب بلدة المزيريب، في مبنى الجامعة والثانوية الزراعية والمعهد الزراعي ومصلحة النحل والأبقار وأبنية الري، ورفعت سواتر ترابية.
النظام يعتقل مطلوبين للخدمة
وتشهد مدن وبلدات الغوطة الشرقية بريف دمشق، ومدينة حلب شمالي البلاد، حملة اعتقالات واسعة تقوم بها قوات النظام لسوق الشبان إلى الخدمة العسكرية الإلزامية.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن مدن وبلدات الغوطة الشرقية في ريف دمشق، تشهد أكبر حملة اعتقالات بحق الشبان لسوقهم إلى الخدمة الإلزامية والاحتياطية منذُ أن سيطرت عليها قوات النظام، حيث اعتقلت الشرطة العسكرية التابعة للنظام أكثر من 300 شاب على مدار الأيام الماضية عقب نصب حواجز مؤقتة يومياً، وتنفيذ مداهمات لمنازل المطلوبين، لسوقهم إلى الخدمتين الإلزامية والاحتياطية، حيث طاولت حملات الاعتقال مناطق دوما ومسرابا وحرستا وحمورية وسقبا وكفربطنا وعين ترما وزملكا وجسرين والمليحة، وانتهت يوم أمس الأربعاء، مع إبقاء الشرطة العسكرية لبعض الحواجز الثابتة في مراكز المدن والبلدات.
وكانت دوريات تابعة لفرع أمن الدولة في مخابرات النظام قد اعتقلت أمس الأربعاء عدداً من أبناء مدينة دوما في الغوطة الشرقية.
وقال موقع صوت العاصمة، إن الدوريات اعتقلت ستة شبان من أبناء المدينة، بينهم عنصر من مرتبات الفرقة الرابعة خلال مداهمات استهدفت منازلهم، مشيراً إلى أن الدوريات نقلت الشبان المعتقلين إلى قسم شرطة المدينة، الذي سلمهم لفرع أمن الدولة مع ملفاتهم الأمنية لإخضاعهم للتحقيق.
وفي شمال البلاد، انتشرت دوريات تابعة للشرطة العسكرية في مدينة حلب اليوم الخميس، وشنّت حملات اعتقالات لسوق الشبان إلى الخدمتين، الإلزامية والاحتياط، بعد ثلاثة أيام من تسريح دفعة من عناصر الجيش.
وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن عناصر الشرطة العسكرية انتشروا في أحياء الحمدانية وحلب الجديدة والفرقان غربي مدينة حلب، واعتقلوا ما لا يقل عن 10 أشخاص عند دوار الباسل قرب حي حلب الجديدة، ونحو 20 شخصاً في الأحياء الشرقية للمدينة، وخاصة عند دوار قاضي عسكر، فيما تمركزت دوريات أخرى عند مداخل أحياء مساكن هنانو والحيدرية والصاخور.
"قسد" تشن حملة اعتقالات
وفي شرق البلاد، اعتقلت قوات "قسد" الناشط الإعلامي علي صالح الوكاع، من أبناء بلدة أبو حمام، في مشفى مدينة هجين، في أثناء وجود وفد للتحالف الدولي بزيارة تفقدية لعمليات تأهيل مستشفى مدينة هجين ظهر اليوم، وذلك على خلفية تحدث الناشط مع منسقة التحالف في المنطقة، واقتيد إلى جهة مجهولة، وفق شبكة "فرت بوست" المحلية.
وداهمت قوات "قسد"، بدعم جوي من حوامات التحالف الدولي، صباح اليوم، قرى التويمين وأم حامضة وتل الشاير وتل صفوك والدشيشة والعطشانة بريف الشدادي قرب الحدود السورية-العراقية بريف الحسكة الجنوبي، واعتقلت عشرات الأشخاص بتهمة التعامل مع تنظيم "داعش" واقتادتهم إلى مراكزها الأمنية في المنطقة.
وذكر الناشط أبو عمر البوكمالي لـ"العربي الجديد" أن قوات "قسد" فرضت حظراً للتجوال في عدة قرى بريف دير الزور، بحجة البحث عن أسلحة أو عناصر تابعين لتنظيم "داعش"، قبل أن تداهم هذه القرى بهدف البحث عن أسلحة، ومحاولة العثور على عناصر تابعين لخلايا "داعش".
وفي سياق متصل، اعتقل جهاز الاستخبارات التابع لـ"قسد" اليوم الخميس، عناصر تابعين لـ"لواء الشمال الديمقراطي" وأحد الفصائل المنضوية تحت راية "قسد"، في مدينة منبج شرقي حلب، بتهمة التعامل مع تركيا.
وقالت مصادر محلية إن التهم الموجهة إلى العناصر المعتقلين، تزويد المخابرات التركية بصور ومعلومات أمنية حساسة، مشيرة إلى أن قيادة اللواء المذكور طالبت بتسليمها المعتقلين باعتبارها الجهة المخولة للتحقيق معهم، لكن جهاز المخابرات رفض ذلك وأحالهم على سجن كوباني.