"انتصار" لوكاشينكو بأرواح الناس

26 نوفمبر 2021
يخاطر الناس نحو أوروبا مدفوعين بأحلام وردية (سيرغي بوبيليف/Getty)
+ الخط -

في غضون أشهر قليلة فقط، استطاع رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، قلب مزاج الشارع الأوروبي، وسياسة اللجوء الأوروبية، رأساً على عقب. وعند الأنظمة التسلطية، فإن صيغ "الانتصار" جاهزة لتحويل المشهد المأساوي، كما على حدود بيلاروسيا مع بولندا، إلى استعراضية "براعة الزعيم"، ولو على جثث ومعاناة البشر. فأي "انتصار" تحقق؟ 
لا يختلف التسلط بلون وجنسية الحاكم. فأدوات لوكاشينكو بـ"إغراق أوروبا بالمهاجرين" تتشابه مع "العالم ثالثية" المستهترة بأرواح ومستقبل مواطنيها، محولة إياهم إلى ابتزاز القارة، تماماً مثل خطاب "عودة اللاجئين" إلى سورية "الآمنة"، وشعار "مكافحة التطرف الإسلامي"، لتغطية ودعم ديمومة استبدادها.

ذات نهار في ربيع عام 2011، وبعد خطاب "زنقة زنقة" و"دار دار"، راح نظام معمر القذافي في ليبيا يغمز للأوروبيين من زاوية إغراقهم بالمهاجرين، إذ آمن الرجل قبل رحيله بأن ملايين الأفارقة سيزحفون دفاعاً عن نظامه. 

لوكاشينكو حوّل من جانبه، ممثلياته وقنصلياته، إلى "وكالات سفر" لمهربي بشر سلبوا أبسط وأفقر الناس ما يملكونه، وبعض هؤلاء استدانوا لتأمين أموال تَربحوا منها. من مينسك إلى الغابات، جرى التلاعب بالناس ككرة يتقاذفها الأوروبي والبيلاروسي، في ظروف غير إنسانية، وبينهم عرب وأكراد وأفارقة وآسيويون، مدفوعون بأحلام وردية رسمها المهربون بمعية نظامه.

العجيب في "الانتصار"، في سياق لعبة سياسية كبيرة، ومكلفة حيوات ومستقبل بشر وصدمات أطفال نفسية، أن أطرافه ليسوا فقط ممتهني التهريب، بل يعملون بغطاء ومشاركة روسية وأنظمة وشبه أنظمة في "دول المنشأ"، من ممارسي ومسهلي التهجير نحو تيه دام، كخلاص للأنظمة بدل مواجهة التحديات. 

واقعياً، فإن هزيمة القارة العجوز هي هزيمة أخلاقية، في استكمال تحولها إلى قلعة خلف الجدران والأسلاك، لصد الناس وتجميد حق اللجوء. ومقابل بديهية التسليم بحق أوروبا في حماية حدودها، فإن السؤال الجوهري الذي لا تجيب عليه القارة مع أنظمة تهجير وطرد المواطنين: لمَ يخاطر الكبار والصغار بحياتهم، ومنهم من يغرق في المانش بين فرنسا وبريطانيا، بشكل متزايد؟ 

باختصار، الحلول الترقيعية وتجميل "الانتصارات" الوهمية، من اليمن إلى العراق فسورية ولبنان، ودول المنشأ الأخرى، وعدم هجرة الناس إلى دول "تحالف المنتصرين"، بدل المخاطرة نحو أوروبا، لن توقف هذا النزيف الدامي، حيث بات أوروبيون يسألون: لم لا يستقبل غيرنا من يموتون على حدود قارتنا؟  

المساهمون