دخل أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، اليوم السبت، المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية بغداد للمرة الثانية خلال 72 ساعة، في احتجاجات دعت إليها قيادة التيار لمنع انعقاد جلسة البرلمان الخاصة باختيار رئيس الجمهورية.
ويضغط أنصار الصدر على مجلس القضاء الأعلى، الذي يرون أنه متواطئ مع الأحزاب والكيانات ضمن تحالف "قوى الإطار التنسيقي"، فيما يعتبر مراقبون أن الصدريين حولوا الأزمة السياسية إلى الشارع، وهي مرحلة جديدة من مراحل العمل السياسي في العراق.
واقتحم المتظاهرون مبنى البرلمان، ظهر اليوم، بعد انسحاب قوات الأمن في المنطقة الخضراء وعدم الوقوف بوجه الغاضبين من أنصار الصدر، بعد إسقاط الكتل الخرسانية التي وضعتها القوات العراقية على جسري السنك والجمهورية، والكتل التي تقع ضمن السور الحامي للمنطقة الخضراء من جهة مرآب (العلاوي).
وأظهرت الصور والمقاطع المصورة على مواقع التواصل الاجتماعي التنظيم العالي للصدريين في احتجاجاتهم التي تحمل مطالب سياسية، أبرزها فصل القضاء العراقي عن التأثيرات السياسية، وتحديداً مجلس القضاء الذي يتهمه الصدريون بتنفيذ توجهات "الإطار التنسيقي" القريب من طهران.
ويفسر محللون وناشطون أن اللقاءات والحوارات السياسية باتت لا تجدي نفعاً في التوصل إلى حلول لأزمة تشكيل الحكومة في البلاد، فقد زار مقتدى الصدر قادة "الإطار التنسيقي" في بغداد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كما فشلت جلسة التصويت على مرشح رئاسة الجمهورية ريبر بارزاني الذي رشحه تحالف "إنقاذ وطن"، الذي أراد تشكيل الحكومة بواسطة الفائزين وإجبار الخاسرين على الذهاب للمعارضة.
واضطر الصدر إلى سحب كتلته (الكتلة الصدرية) من البرلمان رغم أنها الأكثر عدداً (نحو 73 عضواً)، ويبدو أن الصدر لجأ إلى الشارع بعد أن شعر بخطر ترشيح محمد شياع السوداني لمنصب رئيس الحكومة.
في مقابل ذلك، دعا "الإطار التنسيقي" أنصاره إلى تظاهرات مقابلة، واعتبرها "دفاعا عن الدولة وشرعيتها". وقالت قوى الإطار التنسيقي المدعومة من طهران في بيان: "نتابع بقلق بالغ الأحداث المؤسفة التي تشهدها العاصمة بغداد هذه الأيام، وخصوصًا التجاوز على المؤسسات الدستورية واقتحام مجلس النواب والتهديد بمهاجمة السلطة القضائية ومهاجمة المقرات الرسمية والأجهزة الأمنية".
وأضاف: "إننا إذ نوصي بضبط النفس وأقصى درجات الصبر والاستعداد، فإننا ندعو جماهير الشعب العراقي المؤمنة بالقانون والدستور والشرعية الدستورية إلى التظاهر السلمي دفاعا عن الدولة وشرعيتها ومؤسساتها، وفي مقدمتها السلطة القضائية والتشريعية، والوقوف بوجه هذا التجاوز الخطير والخروج عن القانون والأعراف والشريعة".
وتابع: "نحمل الجهات السياسية التي تقف خلف هذا التصعيد والتجاوز على الدولة ومؤسساتها كامل المسؤولية عما قد يتعرض له السلم الأهلي نتيجة هذه الأفعال المخالفة للقانون"، معتبرا أن "الدولة وشرعيتها ومؤسساتها الدستورية والسلم الأهلي خط أحمر، على جميع العراقيين الاستعداد للدفاع عنه بكل الصور السلمية الممكنة".
وتعتبر الدعوة مؤشرا مقلقا أمنيا بحسب مراقبين أكدوا أن "جمهور الإطار التنسيقي المقصود به أعضاء الفصائل المسلحة، وهي دعوة لدخولهم على خط الأزمة الحالية".
وقال نشطاء في التيار الصدري لـ"العربي الجديد"، فضلوا عدم ذكر أسمائهم، إن "اللجوء إلى الشارع والتظاهر واقتحام المنطقة الخضراء، جاء بعد نفاد الخيارات السياسية مع قوى "الإطار التنسيقي"، التي تحالف معها القضاء العراقي وأبعد التيار الصدري صاحب الكتلة الكبرى في البرلمان العراقي، وعدم إعطائه فرصة تشكيل الحكومة".
وأضافوا: "هذا الغبن فجّر غضب الصدريين من مجلس القضاء الذي تحوّل إلى حليف وحزب سياسي ضمن الإطار التنسيقي"، مؤكدين أن "تسجيلات نوري المالكي، التي سُربت أخيراً، كانت سبباً أيضاً في شحن الصدريين ضد الإطار التنسيقي كتحالف، والمالكي شخصياً".
من جهته، أشار رئيس مركز "التفكير السياسي" في بغداد إحسان الشمري إلى أن "التيار الصدري لديه مجموعة من الرسائل يريد إثباتها عبر وجوده في الساحات والميادين وعبر اقتحام المنطقة الخضراء بالجموع البشرية المنظمة، وهي أن الحكومة المقبلة لن تمضي إلا بمباركة أو مشاركة من الصدر".
وأوضح لـ"العربي الجديد" أن "الرسائل السياسية للصدر تصل عادة عبر البيانات والتغريدات التي يغرّد بها، لكن الرسائل الشعبية للتيار الصدري عادة ما تتخذ أشكالاً أخرى، أشهرها الاحتجاجات الغاضبة، وأن كل الظروف السياسية الحالية تدفع الصدريين إلى الاستمرار باحتجاجاتهم الرافضة تفرد الإطار التنسيقي بتشكيل الحكومة".
أما الباحث والمحلل السياسي علي البيدر، فلفت إلى أن "الأزمة الحالية يمكن أن تنتهي عبر تطمينات سياسية تُرسل من قبل الأحزاب في الإطار التنسيقي إلى التيار الصدري، حتى يشعر التيار بأنه حصل على مكسب، ثم توجيه جمهوره بالتوقف عن الاحتجاج والانسحاب من المنطقة الخضراء".
واعتبر أن "النقمة الشعبية لدى الأوساط المدنية والشعبية من الإطار التنسيقي دفعت إلى التعاطف مع الفوضى على حساب فرض الأمن والاستقرار، خصوصاً أن الإطار التنسيقي لا يزال يستفز العراقيين عبر تمسكه بمرشحه، رغم أن اللجوء إلى الشارع والاحتجاجات لحل القضايا السياسية هو أمر جديد".
وأكمل البيدر حديثه مع "العربي الجديد" بأن "الصدر شخصية صعبة، ولا يمكن التنبؤ بخطواته القادمة، لكن الواضح أن الصدر لا يريد نهائياً أن تمر حكومة الإطار التنسيقي، وأنه سيقف لها بكل جماهيره لمنع أي جلسة برلمانية خاصة باختيار رئيس جمهورية ورئيس حكومة على خلاف ما يريده الصدر، كما أنه يريد الإبقاء على حكومة مصطفى الكاظمي وما فيها من امتيازات ومناصب مقربة من رئيس الحكومة خاصة بالتيار".
وأكد أن "الصدريين يتحكمون حالياً بالقرار السياسي رغم انسحابهم ككتلة برلمانية من مجلس النواب، وأنهم يستغلون زخمهم الجماهيري لفرض إرادتهم من دون الاكتراث بأي ردود فعل من قبل بقية الأطراف، أو حتى ما قد يؤدي إلى حرب أهلية أو اشتباكات مع الفصائل المسلحة".
من جانبه، رأى المحلل السياسي وأستاذ الإعلام في جامعة "أهل البيت" في كربلاء، غالب الدعمي، أن "التيار الصدري يجد أن اللجوء إلى الشارع حل يندرج ضمن حلول الأزمة السياسية، رغم أنهم ليسوا من الدعاة للفوضى، وأنهم يرون أن لا قدسية لمبنى مجلس النواب أو المنطقة الخضراء، بل هناك قدسية للإنسان وما يحتاجه من خدمات وقرارات هامة".
وأوضح لـ"العربي الجديد" أن "الصدر وتياره الشعبي لديهما رؤية سياسية للوضع، وبعد أن استنفد كل المدد التي منحها للإطار التنسيقي والقوى المدنية والنواب المستقلين، بات يرى أن اللجوء إلى الشارع والاحتجاجات هو خيار سلمي سيسفر عن تحقيق مطالبه".
وتابع: "ما يدفع الصدريين للاحتجاج هو إصرار الإطار التنسيقي على التمسك بمرشح قد يؤدي فوزه إلى تأزيم الأوضاع أكثر، كما أن التيار الصدري يريد انتخابات عاجلة، تعيد التوازنات، ويعتقد أنها ستمكنه من الحصول على مقاعد أكثر من التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة".