"الخطر الداهم" في مشروع الدستور التونسي الجديد: سلاح سعيّد للاستبداد بالسلطة

18 يوليو 2022
سعيّد يريد فرض دستور رئاسوي تسلطي على التونسيين (Getty)
+ الخط -

أسبوع أخير يفصل التونسيين عن موعد الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي طرحه الرئيس التونسي قيس سعيّد ليوم 25 يوليو/تموز.

ومن بين انتقادات المعارضة لفصول هذا الدستور الذي يشرّع لسلطة رئاسية مطلقة، فرضية "الخطر الداهم" كأبرز الأسلحة الرئاسية لاستدامة سلطته، عبر زرع فوبيا الخطر الداهم بين الشعب. 

واعتمد الرئيس سعيد البند 80 من دستور 2014 لفرض حالة الاستثناء في 25 يوليو/تموز 2021، ليقدم على حل الحكومة وتجميد البرلمان في مرحلة أولى، قبل أن يذهب أكثر في تعليق غالبية بنود الدستور وحلّ مجلس الشعب تماما، ثم حلّ المجلس الأعلى للقضاء وتعيين مجلس قضائي وقتي بدله، وعزل 57 قاضيا.

ووصفت غالبية الطيف السياسي والمدني والحقوقي داخل تونس وحتى من الخارج ما أقدم عليه سعيد بالانقلاب بعدما انحرف في استعمال البند 80 من دستور سنة 2014 وسن تدابير استثنائية لا دستورية. 

وعوّض سعيّد البند 80 في دستور 2014 بالبند 96 من مشروع الدستور الجديد المعروض والذي ينصّ على أنه:

"في حالة خطر داهم مهدّد لكيان الجمهورية وأمن البلاد واستقلالها يتعذر معه السّير العادي لدواليب الدّولة اتخاذ ما تحتمه الظروف من تدابير استثنائية بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نوّاب الشعب ورئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم".

واعتمد أيضا سعيّد على الخطر الداهم في الدستور الجديد في البند 90 لتمديد مدة حكم رئيس الجمهورية عبر قانون دون تقييد أو رقابة دستورية لتقييم الخطر الداهم وتحديده وإقراره من قبل المحكمة الدستورية أو هيئة مستقلة.

 كما اعتمد أيضا على الخطر الداهم في البنود 60 و63 في علاقة باستحالة إجراء الانتخابات التشريعية ولتمديد مدة البرلمان عبر قانون، دون تحديد رقابة دستورية على ذلك.

واعتبر رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية وأستاذ القانون الدستوري شاكر الحوكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "بالتركيز على الخطر الداهم في الدستور الجديد لقيس سعيد، يبدو من الواضح أنه يريد ترك الباب مفتوحا على مصراعيه لفرض رغباته متى شاء".

وأضاف "كيف لا وقد استغل الرجل في دستور 2014 الفصل 80 وعثر فيه على المدخل الذي يحقق مشروعه السياسي، وجعل منه المنصة التي أطلق منها كل صواريخه" .

وتابع "الواقع أن الرئيس يبدو ممتناً لهذا الفصل، وبدلا من تضييق حدوده حتى لا يتم استغلاله مرة أخرى أو حتى الاستغناء عنه بعد الاتهامات الفقهية التي وجهت له على أنه غامض وقدّ على القياس ولم يكن في محله، ذهب في تكريسه في أكثر من مظهر ليصبح أداة حكم كلما احتاج للخروج عن دستوره، وهكذا يحتفظ رئيس الدولة في دستوره الجديد بأهم آلية تعسفية لممارسة حكمه دون قيد أو شرط وبذلك فهو يؤسس للحكم المطلق".

من جانبه، قال القيادي في حراك مواطنون ضد الانقلاب (حراك مناهض لسعيّد)، أحمد الغيلوفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "تأكيد سعيّد على وجود خطر داهم هو كما تأكيده دائما على وجود أعداء وهميين يهدّدون أمن البلاد وعناصر مجهولة تستهدف البلاد والاقتصاد".

وتابع الغيلوفي "داخل الرجل وعي حاد بأن ما قام به هو انقلاب غير مشروع، وبالتالي يبرر ذلك الفعل الشنيع بوجود خطر داهم يهدّد الشعب ويتربص به وهو من أنقذه منه، وهذا يجعله يرتاح نفسيا".

وشدّد على أن "سعيد وأصحابه وجماعته يكرّرون عبارات فيها كثير من التخويف للشعب التونسي، كالعشرية السوداء والخراب وعشرية الدم والاغتيالات، وهي للسيطرة على انفعال الخوف لدى البشر وتوظيفها لتبرير أفعاله غير المشروعة".

وأضاف الغيلوفي أن "تكرار عبارة الخطر الداهم لتخويف الشعب وترهيبه لكي لا ينتفض ضده، لأنه قال منذ يوم 26 جويلية الماضي أن من يتحرك سيواجه بوابل من الرصاص، فالتخويف بالخطر الداهم ومن الرصاص الذي سيلقيه، ولكن لا نعتقد أن هذا الخوف سيتواصل خصوصا عندما يكشف الاستفتاء عن فشله وسينفضح وسيكتشف العالم أن شعبيته موهومة ولا توجد إلّا في عقله وحده".

وبين الغيلوفي أن "هناك هوساً من قبل سعيّد بحالة الاستثناء، وقد زرع نوافذ لاستدامة الحكم عبر استعمال الخطر الداهم"، مشدّدا على أن "ما يمسى بالدستور هو تنقيط وتوسيع للأمر الرئاسي 117 (الذي منح به سعيد لنفسه مطلق السلطات)، وبالتالي هو يواصل حالة الاستثناء عبر الدستور الذي كتبه وحتى أن تحدث ثورة في البلاد من جديد أو عبر أفعال ثورية، فلن يسقط هذا الاستبداد".

واعتبر الكاتب السياسي والنائب بالبرلمان المنحل الصافي سعيد، في تصريح صحافي، أن "البلاد التونسية باتت غابة، وأن شعبها أصبح يعيش تحت رعب القوانين، أي رعب التنين بحسب تعبير (الفيلسوف الإنكليزي توماس) هوبس".

واعتبر الصافي سعيد أن "النظام السياسي الذي قام بإرسائه قائد الانقلاب قيس سعيد شبيه بالدساتير التسلطية في أميركا اللاتينية خلال فترة الثمانينيات".

وندّد الصافي سعيد بتكرار كلمتي "الخطر الداهم" حوالي 7 مرات في مشروع الدستور الجديد، معتبرا أن "التسلطيين يفتعلون ويخترعون في كل مرة هذه الجملة خاصة عند انتشار وباء أو اندلاع حريق في مطار"، لافتاً إلى أن "مشروع الدستور الجديد ليس له علاقة بالديمقراطية وإنما هو عبارة عن حشو وكوميديا سوداء"، مؤكدا أن "تونس لن ترجع لما قبل 25 جويلية 2021، في حال فشل الاستفتاء، وما يتم تداوله يعدّ مجرد تخويف لا غير".

واعتبر أستاذ القانون الدستوري خالد الدبابي، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أن "الخطر الداهم وحالة الاستثناء في الدستور الجديد تكريس لصلاحيات رئيس الجمهورية الواسعة والخارقة للعادة والاستثنائية في غياب لأي رقابة أو مساءلة".

وتابع أن "حالة الاستثناء باعتماد الخطر الداهم يتحكم فيها رئيس الجمهورية بمفرده، فهو يملك السلطة التقديرية لإعلانها، ورغم أنه أمر عادي في دستور 2014 وحتى في دساتير مقارنة، غير أن الإشكال يكمن في المدة التي تتواصل فيها حالة الاستثناء، فخلافا لدستور 2014 الذي حدّدها بشهر من بداية الحالة الاستثنائية يمكن لرئيس المجلس و30 نائبا الذهاب إلى المحكمة الدستورية التي تتثبت من مدى تواصل شروط الاستثناء من عدمها وقرار المحكمة الدستورية ملزم لرئيس الجمهورية في الدستور، ولكن في الدستور الجديد لا يوجد أي حد أو رقابة على المدة، فالرقابة التي كانت موجودة حذفت تماما في الدستور الجديد".

وشدد الدبابي على أن "المخاوف مشروعة وحقيقية، فيمكن لرئيس الجمهورية أن يجمع السلطة ويحكم باسم حالة الاستثناء، وليست هناك أي سلطة يمكن أن تمنعه من ذلك، وبالتالي نعود إلى المربع الأول بالوضع نفسه الذي نعيش فيه اليوم منذ 25 جويلية الماضي".

وبيّن أن هذا "التنصيص هو مدخل إلى النظام الرئاسوي الموجود في فكر الرئيس ويمكن عبره تجميع السلطات بطريقة سريعة ودون أي رقابة".

ويرى أمين عام حزب التيار الديمقراطي (قيادي في الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء)، غازي الشواشي، أن ''مشروع الدستور الجديد يكرّس لنظام فردي ويتضمن إخلالا على مستوى التوازن بين السلطات، كما يكرس أيضا لنظام لا يمكن أن يضمن الحقوق والحريات".

وأضاف الشواشي، في تصريح صحافي، أنه ''لو مرّ هذا الدستور سيكون خطرا داهما وجاثما على تونس وكل التونسيين، وسيعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية".

مراجع:

الفصل 60 – يتمّ انتخاب أعضاء مجلس نوّاب الشعب لمدة خمس سنوات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدّة النيابية.

إذا تعذّر إجراء الانتخابات بسبب خطر داهم فإن مدة المجلس تمدد بقانون.

- الفصل 63 – إذا تعذّر إجراء الانتخابات بسبب خطر داهم، فإن مدّة المجلس تمدّد بقانون.

- الفصل 90 – ينتخب رئيس الجمهورية لمدّة خمسة أعوام انتخابا عامّا، حرّا، مباشرا، سريّا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدّة الرئاسية.

وإذا تعذّر إجراء الانتخابات في الموعد المحدّد بسبب حرب أو خطر داهم، فإن المدّة الرئاسية تمدّد بقانون إلى حين زوال الأسباب التي أدّت إلى تأجيلها.

- الفصل 96 – لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدّد لكيان الجمهورية وأمن البلاد واستقلالها يتعذر معه السّير العادي لدواليب الدّولة اتخاذ ما تحتمه الظروف من تدابير استثنائية بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نوّاب الشـــعب ورئيس المجــلس الوطني للجهات والأقاليم.

وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهوريّة حل مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضّد الحكومة.

المساهمون