"الجمهوري" التونسي: حوار سعيد صوري يكرس الخضوع لسلطته

03 مايو 2022
أحزاب المعارضة تصف قرارات سعيد بالانقلاب (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

حذّر الحزب الجمهوري في تونس، اليوم الثلاثاء، من دعوة الرئيس قيس سعيّد إلى الحوار الذي استثنى منه المعارضة، مشدداً على أنه "حوار صوري يكرّس الخضوع لسلطة الحاكم بأمره"، في موقف يأتي ضمن ردود الأحزاب المعارضة لمشروع سعيد الأحادي والسلطوي، على حد تعبيرها.

وقال المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري، في بيان نشره على "فيسبوك"، إنه "وبعد تداوله في التطورات السياسية بالبلاد، خاصة كلمة سعيّد أول من أمس الأحد، فإن رئيس الجمهورية بمضمون كلمته، التي تزامن إلقاؤها مع ليلة عيد الفطر المبارك قد تخلى كلياً عن دوره الرمزي في توحيد التونسيين وتمثيلهم باعتماده على خطاب تقسيمي مبالغ في الغلو وكيل الاتهامات المجانية لكل من خالفه الرأي والتوجه".

واعتبر أن "ما أعلن عنه سعيّد من تنظيم حوار، بهدف إرساء جمهورية جديدة، ووضع دستور على مقاسه وعلى أنقاض دستور الجمهورية الثانية، هو حوار صوري سيكرّس الخضوع لسلطة الحاكم بأمره".

وشدّد الحزب على أن لهذا التوجه "نزوع نحو تأبيد حكم فردي مطلق سيتحمل الداعي له والمشاركون فيه كل العواقب الوخيمة التي ستنعكس سلباً على حاضر ومستقبل البلاد".

واستطرد قائلاً إن "سعيّد قد نسف كل الجسور مع القوى الحية في البلاد، التي بات يتحتم عليها استخلاص النتائج العملية المترتبة عن هذا التمشي والتوجه إلى بناء قوة قادرة على إيقاف هذا النهج المدمر وإعادة تونس إلى سكة المسار الدستوري والإصلاحات السياسية والاقتصادية".

وجاء تحذير الحزب الجمهوري، ضمن سلسلة انتقادات وجّهتها أحزاب تونسية لمضيّ الرئيس قيس سعيد في مشروعه نحو بناء جمهورية جديدة ودستور جديد واستفتاء، وحوار وطني مع المنظمات الوطنية دون إشراك الأحزاب.

وأعلن سعيّد، أول من أمس الأحد، أنّه سيتمّ تكليف هيئة بإدارة الحوار الوطني، والذي ستشارك فيه المنظّمات الوطنية الأربع و"يستثنى منه من خربوا وجوعوا ونكلوا بالشعب"، على حدّ تعبيره، مؤكداً تشكيل لجنة للإعداد لـ"تأسيس جمهورية جديدة تنهي أعمالها في ظرف وجيز وخلال أيّام معدودة لأن القضايا والاختيارات واضحة".

وأشار سعيّد إلى أنّ هذه اللجنة ستتكوّن من هيئتين إحداهما للحوار، الذي لن يشمل كل الأطراف.

والمنظمات الأربع المقصودة هي: اتحاد الشغل (أكبر منظمة عمالية)، ومنظمة الأعراف، وهيئة المحامين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

 

 

هذه المنظمات الأربع حصلت عام 2015 على جائزة نوبل للسلام لمساهمتها في الانتقال الديمقراطي في تونس، مهد الربيع العربي والتي اعتُبرت آنذاك الدولة الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي.

أجندات خاصة بسعيد

وأمس الإثنين، قال الأمين العام للتيار الديمقراطي، غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن هذا الأمر "يدخل في إطار الأجندات الخاصة برئيس الجمهورية، فهو لم يبرمج يوماً حواراً وطنياً ولم يشرك الأحزاب والتونسيين في خريطة الطريق التي أعلنها منذ شهر ديسمبر، وبالتالي هو يريد فقط فرض توجهاته بالقوة، مع روزنامة الاستشارة الفاشلة، حيث لم يتم حتى نشر مخرجاتها، واللجنة كان من المفروض أن تكون في 20 مارس/ آذار الماضي للقيام بالعمل التأليفي".

وأكد الشواشي أن "الدعوة للاستفتاء لم تصدر، رغم تغيير تركيبة هيئة الانتخابات وتغيير عدد من الضوابط التي تشمل الهيئة"، مشيراً إلى أن "حديث سعيّد عن جمهورية جديدة ودستور جديد غير مقبول".

وأوضح أن "هناك توجّهاً نحو إقرار الدستور الجديد بمقتضى الاستفتاء، أي أنه لن يتم عرضه بل فرضه".

وبيّن أن "تونس ملك للتونسيين وليست ملكاً للأفراد، ولا يمكن فرض دستور جديد ونظام سياسي بالقوة فهذه الأشياء مرفوضة، وحان الوقت لإيقاف هذا النزيف الذي لا يمكن أن يتواصل، فقد كان من الأجدر في خطاب الرئيس التركيز على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبطالة والإحباط في البلاد بدل جمهورية جديدة وقرارات جعلت الملف التونسي يتداول في الداخل والخارج ولدى عدة منظمات دولية ودول عبرت عن قلقها مما تعيشه تونس".

حزب التكتل: المعارضة ستتصدى لسعيد

من جهته، أكد أمين عام حزب التكتل، خليل الزاوية، أمس الإثنين، أن "هذا التمشّي أحادي من قبل رئيس الجمهورية، فهو يريد تقسيم التونسيين بدَل توحيدهم"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "سعيد التقى خبيرين في القانون وليس فاعلين في الساحة السياسية ولا في المجتمع المدني، وبالتالي فمن الواضح أن الرئيس ماض في تمشّيه الأحادي، دون الأخذ بعين الاعتبار برأي الأحزاب السياسية ولا المجتمع المدني ولا الأطراف الاجتماعية".

وقال الزاوية إن "سعيد يواصل المضي في المشروع الخاص به فقط"، مضيفاً أن "المعارضة ستتصدّى لهذا التمشّي الذي سيقود البلاد نحو الاحتطاب الداخلي، ونحو التفرقة".

وبيّن المتحدث أن "ما حصل خطوة إضافية بعد التدخل في هيئة الانتخابات وفي المجلس الأعلى للقضاء"، مؤكداً أن التركيز في تونس "كان يجب أن يكون على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية".

وحول إجراء الاستفتاء في موعده، رد بأنه" لا يتوقع أن يكون في موعده لأنه لم يتبق سوى 3 أشهر على الموعد ولا وجود لأي نصوص تبرز احترام سعيّد لهذا الموعد".

"النهضة": مسار الانقلاب بصدد الانحسار

ويرى رئيس المكتب السياسي لحركة "النهضة"، بلقاسم حسن في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "هذا الخطاب يكشف عن مواصلة فقدان سعيد لمستشاريه، وحتى أساتذة القانون الدستوري تقريباً انتفضوا من حوله ولم يبق معه إلا القليل منهم، فبعدما كانوا مجموعة نجد اليوم اثنين فقط".

وأكد حسن أنه "خلافاً لما يعتقده البعض، فإن مسار الانقلاب بصدد الانحسار وتكاد إجراءات سعيد تقتصر على خطابات وإجراءات تهم الرئيس"، مضيفاً أن "مسار سعيد الانقلابي، يقابله مسار ديمقراطي رافض للانقلاب، وهو بصدد التوسع في شكل جبهة للتصدي للانقلاب حيث سيعلن قريباً عن استكمال الجبهة".

وتابع أن "هناك عدة قوى إقليمية ودولية بصدد دعوة سعيّد للحفاظ على المسار الديمقراطي دون التدخل في الشأن الوطني"، مبيّناً أن "الحراك الميداني والسياسي والبرلماني يعمل على إسقاط الانقلاب".

وأكد أنهم "في حركة النهضة يساندون ويدعون إلى حوار وطني ولكن يبدو اليوم انحياز اتحاد الشغل للانقلاب وبالتالي كل طرف يتحمل مسؤوليته لأنه لا معنى لحوار تحت خيمة الانقلاب"، مشيراً إلى أن "أي خريطة طريق أو دستور جديد وانتخابات واستفتاء وفق قيس سعيد ستكون مرفوضة وباطلة".

 

نحو الهاوية

أما النائب عن حزب "قلب تونس"، رفيق عمارة، فأكد أنه "من الواضح جداً أن الرئيس جهز لكل شيء وذلك حتى قبل حل مجلس نواب الشعب"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "دستور سعيد جاهز والقوانين والمراسيم سيصدرها تباعا، فكل شيء على مقياسه ومن أجل حملته الانتخابية".

ولفت عمارة إلى أنه "لا انتخابات بلدية ولا تشريعية ولا رئاسية، فسعيّد استحوذ على السلطة وعلى الدولة".

وتابع المتحدث أن "سعيد لا حوار لديه ولا يؤمن بمفهوم الدولة ولا يؤمن بالشعب ولا يهتم بمشاغله"، مشيراً إلى أنه "من الواضح أن هناك برنامجاً سيتم الذهاب إليه ليبقى في الكرسي"، مضيفاً أن "سعيّد وفي كل لقاء يأتي بشخصيات فقط من أجل إعلان مسائل معينة ولكي يبرز للعالم أنه يحاور شخصيات وخبراء ولكنه لا يفوت مناسبة لسبّ خصومه ومعارضيه".

وقال إنه "في ظل عدم وجود معارضة وأحزاب قوية، لا يمكن التصدي لمشروع سعيد، فهو يرفض كل الأحزاب ما عدا بعض مسانديه ولكنهم سينتفضون من حوله عندما يكتشفون حقيقة ما يحصل"، مبيناً أن تونس وبهذا المسار "تسير نحو الهاوية ولا بد من إنقاذ البلاد والحفاظ عليها".

في المقابل، حضّ الأمين العام الاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، الأحد، سعيّد على "الشروع الفوري" في إطلاق حوار وطني "قبل فوات الأوان"، معتبراً أنه "قارب النجاة الأخير" للبلاد.

وفي يوليو الفائت، أعلن سعيد تجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة واحتكار السلطات في البلاد، ثم وضع لاحقاً روزنامة سياسية بدأت منتصف يناير/كانون الثاني الفائت باستشارة إلكترونية وطنية تنتهي باستفتاء شعبي على الدستور في يوليو/تموز المقبل على أن تنظم انتخابات تشريعية نهاية العام الحالي.

وتعتبر أحزاب المعارضة ما قام به سعيّد "انقلاباً على الدستور".

وفي فبراير/شباط، حلّ سعيّد أيضاً المجلس الأعلى للقضاء الذي حلت مكانه هيئة موقتة اختار أعضاءها، وهو إجراء وصفه منتقدوه بخطوة "استبدادية جديدة" ما أثار مخاوف بشأن استقلال القضاء.

إضافة إلى المأزق السياسي، تشهد تونس أزمة اجتماعية اقتصادية وتجري مفاوضات مع صندوق النقد الدولي على أمل الحصول على قرض جديد.
 

المساهمون