يجد "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي في اليمن، نفسه اليوم، في وضع صعب، مع تزايد الانتقادات الشعبية ضدّه في عدن ومناطق الجنوب اليمني التي يُحكم سيطرته عليها، في ظلّ أوضاع معيشية وخدمية سيئة، خصوصاً أنه بات جزءاً من حكومة المناصفة اليمنية، ويتحمّل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع. يترافق ذلك مع معلومات عن تخبّط وخلافات داخل "الانتقالي"، فضلاً عن خلافات بينه وبين الحكومة بسبب سياسته في التعاطي معها وعرقلة عملها، ومحاولة فرض أجندته عليها، بالإضافة إلى سعيه لتنفيذ اتفاق الرياض (بينه وبين حكومة عبد ربه منصور هادي) بانتقائية، معرقلاً تطبيقه وفق الآلية التي أعدتها السعودية، مع مواصلته التحريض ضد الحكومة التي يرأسها معين عبد الملك، ومطالبته في الوقت ذاته بعودتها للعمل من مدينة عدن.
فشل "الانتقالي" في تسويق نفسه كممثل شرعي ووحيد للقضية الجنوبية وللجنوب اليمني في الداخل والخارج
في ظلّ هذه الأجواء، برزت خلال الأيام الأخيرة عودة قياديي "المجلس الانتقالي" من أبوظبي إلى عدن، في مقدمهم رئيس المجلس، اللواء عيدروس الزبيدي، وقيادات أمنية وعسكرية في المجلس، وذلك وسط عزوف الحكومة عن العمل في عدن، وانهيار الخدمات في المدينة. وما لبث أن ظهر هدف الضجة الإعلامية التي رافقت عودة الزبيدي، بعد دعوته في خطاب ليل 4 مايو/أيار الحالي إلى وحدة الصفّ الجنوبي، والدخول في حوار جنوبي - جنوبي لتوحيد الجهود والمواقف. ويأتي هذا الحديث بعد فشل "الانتقالي" في تسويق نفسه كممثل شرعي ووحيد للقضية الجنوبية وللجنوب اليمني، أمام الأطراف الإقليمية والدولية، ليسعى هذه المرة لاستقطاب أطراف جنوبية عدة، بعدما فشلت مساعٍ مماثلة له مع بعضها في فترة سابقة.
ويأتي ذلك أيضاً مترافقاً مع تزايد الاستغراب والاستهزاء من حديث الزبيدي وقيادات أخرى في "الانتقالي"، عن "الدولة العميقة" التي تدير عدن، وتفرض عقوبات على "شعبنا في عدن"، وفق تعبير قادة المجلس. فالواقع يؤكد أن عدن باتت اليوم تحت قبضة "الانتقالي"، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وخدماتياً وإدارياً. وفي ظلّ هذا الوضع، يتردد سؤال في الجنوب اليمني، حول حقيقة ما يريده "الانتقالي"، لاسيما من وراء تحركاته الأخيرة في الشارع، وتصريحات قادته التي تشهد تخبطاً كبيراً، وتحديداً منذ تشكيل حكومة المناصفة وعودتها إلى عدن، وما تبع ذلك من تعثرات لها وتعرضها لكثير من العراقيل، دفعت بالسعودية كراعٍ وضامن لاتفاق الرياض إلى التراجع عن تنفيذ بعض الالتزامات.
وعلى الرغم من عدم تصريحها علناً بالسبب، إلا أن معلومات تفيد بأن التراجع السعودي يأتي بسبب التهرب والمماطلة في تنفيذ الاتفاق، ومحاولة البعض عرقلة أداء الحكومة. ومن الأسباب أيضاً، موقف "الانتقالي" من اقتحام قصر المعاشيق (عدن)، مقر الحكومة والقوات السعودية، في 16 مارس/آذار الماضي، لاسيما أن المجلس هو من يسيطر أمنياً على الأرض في المدينة، وهو من كان يشجّع ويحرّض الجماهير عبر إعلامه ضد الحكومة التي هو طرف فيها، فضلاً عن التحريض ضد القوات السعودية. ومنذ ذلك الوقت، لم تعد حكومة المناصفة قادرة على المضي قدماً، بسبب الوضع الأمني الذي فرضه "الانتقالي" في عدن، والذي كان سبباً في الانتكاسة داخل الحكومة، وهي تطورات تدفع أطرافاً أخرى في الحكومة للمطالبة بسرعة تنفيذ اتفاق الرياض، في ناحية الشقّ العسكري والأمني، وفق مصادر سياسية جنوبية مقربة من الطرفين.
ويقول كثير من خصوم "الانتقالي" السياسيين، إنه بات أمام تحديات تجعله خارج التوازن السياسي. ففي الوقت الذي يشكل فيه المجلس جزءاً من الحكومة الشرعية، في فشلها ونجاحها، فإنه يرى أن وجوده ضمنها يقيّده ويُلزمه بالوقوف خلفها، لا في مواجهتها، في الوقت الذي يعتقد فيه بعض قادته، أنهم وقعوا في الفخ عندما دخلوا في الحكومة، فيما يرى آخرون أن المشاركة في الحكومة كانت فرصتهم الأخيرة حينها، لأن التطورات الإقليمية والدولية لم تكن تمضي لصالح المجلس، لا سيما بعد تراجع الدور الإماراتي في ملفات عدة.
وتتباين الآراء داخل المجلس حول المشاركة الإيجابية في الحكومة. فهناك فريق داخل "الانتقالي" لا يزال يتعامل بثورية مع الأوضاع، متجاهلاً العوامل السياسية والمتغيرات على مختلف المستويات، ولذلك حاول إعاقة عمل حكومة المناصفة. وقاد هذه التحركات القيادي في المجلس، رئيس شؤون المفاوضات، ناصر الخبجي، فضلاً عن ممارسة ضغوط على محافظ العاصمة عدن التابع لـ"الانتقالي" أحمد حامد لملس، لعرقلة حركة الوزراء والحكومة بشكل عام. وعلى الرغم من معارضة المحافظ لذلك في بداية الأمر، لانعكاسه على مهمته ونجاحه في منصبه، لأن عرقلة الحكومة تعني عدم حل مشاكل الخدمات في عدن، إلا أنه وجد نفسه أمام ضغوط كبيرة، رضخ لها. لكن مخاوفه بدأت تتحقق أخيراً، إذ أصبح وحيداً يتحمّل المسؤولية بلا دعم، بعدما غادر أغلب طاقم الحكومة عدن، وتوقفت معظم الأعمال التي كانت بدأتها هذه الحكومة.
واليوم، أصبح "الانتقالي" يشعر بالأخطاء التي ارتكبها، في ظلّ خلافات
سيطرة المجلس على عدن وروائح الفساد التي فاحت من ذلك بدلّت علاقة الناس به
وانقسام حول طريقة التعامل مع الوضع. ففي الوقت الذي يدفع الطرف المتطرف نحو السيطرة على الأوضاع وفرض نظامه الخاص، يرى الفريق المعتدل في ذلك انتحاراً، ما أفرز مطالبات من قيادات "الانتقالي" للحكومة بالعودة إلى العمل من عدن وممارسة مهامها، كان آخرها دعوة الزبيدي، في خطابه في 4 مايو الحالي. ويفسّر مراقبون التخبّط داخل "الانتقالي" بكثرة المتدخلين في القرارات في عدن. فليس محافظها أحمد حامد لملس، الوحيد الذي يدير المحافظة كممثل عن "الانتقالي"، بل إن رئيس الهيئة المحلية للمجلس في عدن نزار هيثم، يُعتبر من قبل كثيرين أنه محافظ عدن الفعلي، ويتدخل في كلّ الأوضاع والقرارات، في الوقت الذي يتدخل فيه ناصر الخبجي أيضاً في صلاحيات المحافظ، فضلاً عن محاولاته السابقة القيام بمهام حكومة المناصفة.
وحاول "الانتقالي" الضغط على رئيس الحكومة معين عبد الملك لتمرير الكثير من الملفات السياسية والاقتصادية، مستغلاً سيطرته على مراكز اقتصادية جديدة، حتى بات يتحكّم باستيراد الوقود إلى عدن والمحافظات الواقعة تحت سيطرته، مع إقصاء تجار الوقود الآخرين. وباتت القوى الجديدة التابعة للمجلس هي المسؤولة عن توريد الوقود لمؤسسات الدولة، بما فيها الكهرباء، وهو الأمر الذي فاحت منه روائح فساد كبيرة تقف خلفها قيادات بارزة في المجلس. هذا الأمر بات يؤثر على علاقة الناس بالمجلس، ما دفع "الانتقالي" خلال الفترة الماضية إلى تصوير عودة قادته على أنها انتصار، وهو ما تزامن مع إصداره قراراً فرض على كلّ المؤسسات الإعلامية والقنوات التلفزيونية والصحافيين والمراسلين في عدن أخذ تصاريح خاصة منه، متجاوزاً صلاحيات حكومة المناصفة عبر وزارة الإعلام الوحيدة التي يخوّل لها اتخاذ مثل هذا القرار.
ولم يقف المجلس عند هذا الحد، بل ذهب ليرفع أكبر علم لدولة الحنوب السابقة في القصر الرئاسي في مدينة التواهي في عدن، في محاولة منه وفق منتقديه لدغدغة مشاعر أنصاره وإبعاد أنظارهم عن إخفاقاته، مصوراً ذلك كنصر سياسي، وأنه يخطو للأمام لفرض دولة الجنوب. لكنه تفاجأ من ردّ فعل الشارع والنشطاء والصحافيين، بمن فيهم من المحسوبين عليه، الذين استهزؤوا بحركة رفع العلم، واتهموه بمحاولة الهروب إلى الأمام من الفشل، لاسيما أن أبناء المدينة الواقعة تحت سيطرته يعيشون أسوأ أوضاعهم على الإطلاق، وسط ظروف معيشية وخدمية صعبة ومعقدة، بسبب فشله في إدارتها وفي توفير الخدمات. وبات البعض يصف عودة قيادات "الانتقالي" اليوم، بأنها زادت الأوضاع سوءاً، مع ارتفاع أسعار الوقود وزيادة ساعات تقنين الكهرباء، وارتفاع الأسعار في المواد الغذائية وغيرها.