اصطفت الأحزاب المغربية والجزائرية عموماً، خلف الموقف الرسمي لدولتيها، في ما يتعلق بأزمة الصحراء الأخيرة التي اندلعت بين المغرب وجبهة "البوليساريو" التي تحظى بدعم من الجزائر، لا تنكره الأخيرة. ولم يكن موقف الأحزاب الممثلة لتيار "الإخوان المسلمين" في كلّ من الجزائر والمغرب بالاستثناء. وعاد التوتر في ملف الصحراء إلى الواجهة منذ إغلاق موالين لجبهة "البوليساريو" معبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا، وما تلاه من تدخل للقوات المسلحة الملكية لتأمين المعبر. وفور اندلاع أزمة الكركرات، أصدر رئيس البرلمان الجزائري سليمان شنين، الذي ينتمي إلى حركة "البناء الوطني" (إخوان الجزائر)، سلسلة مواقف تدعم "البوليساريو"، وتصف الإجراءات المغربية بأنها "اعتداء وخرق لاتفاق وقف إطلاق النار". واعتبر شنين، في آخر تغريدة له على موقع "تويتر"، أن "ما يحدث في منطقة الكركرات تعدٍ على اتفاق وقف النار، والحلّ يكمن في الاستئناف الفعلي للمحادثات السياسية بين الطرفين الصحراوي والمغربي".
دانت حركة "البناء الوطني" في الجزائر ما وصفتها بالاعتداءات المغربية
حركة "البناء الوطني" في الجزائر دانت في آخر بيان لها ما وصفتها بـ"الاعتداءات المغربية"، واتهمت الرباط بخرق اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991، وحذرت من "جرّ المنطقة إلى توترات بدعم غربي". بينما كانت حركة "مجتمع السلم" (الحزب التاريخي للإخوان في الجزائر) أقل حدة، ودعت إلى حل القضية الصحراوية من خلال استفتاء تقرير المصير وفق المقررات الأممية الصادرة، محذرة من أن "سياسة فرض الأمر الواقع تؤدي دوماً إلى النزاع والاحتراب، مهما كانت مبررات الأطراف وخلفيات القضية برمتها". ورأت أن "الاختيار الحر للشعب الصحراوي لمصيره، هو ما يُساعد على ضمان استقرار المنطقة كلّها بشكل دائم ونهائي".
في المقابل، تولى رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، وهو الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" (إخوان المغرب) الدفاع عن خيار الرباط بالتحرك في مواجهة "الجبهة"، كما دافع عن رؤية بلاده للوضع وعدم الرغبة في التصعيد، من خلال التأكيد على أن المغرب ملتزم بوقف إطلاق النار. وإذا كان الحزب المغربي يحمّل "البوليساريو" مسؤولية "أي تطور للأوضاع في المنطقة نتيجة مواصلة المناورات الاستفزازية"، مع دعمه المطلق للتدخل الحازم للقوات المسلحة المغربية، إلا أن الموقع الرسمي للحزب نشر تقدير موقف اتهم الجزائر بتحريض "البوليساريو" على الحرب. وقال الحزب "نحن متأكدون بأن البوليساريو لا تملك قرار خوض الحرب، هذا القرار لا تملكه الجبهة، إنما هو في مربع راعيتها الأولى الجزائر، وكلّنا نعلم أن الجزائر اليوم مشغولة في تدبير مآزقها التي تتناسل بشكل يجعلها غير قادرة على إضافة عبء الحرب إلى لائحة الأعباء الكبيرة التي تثقل كاهل الحاكمين الفعليين هناك".
القيادي في حركة "مجتمع السلم" الجزائرية نصر الدين حمدادوش، لم يستغرب تباين المواقف بين شركاء مدرسة "الإخوان" في الجزائر والمغرب. وقال حمدادوش لـ"العربي الجديد"، إنه "على الرغم من التميز الفكري للقوى الإسلامية في البلدين، إلا أن تباين مواقفها يدل على نضجها في مراعاة الخصوصية القُطرية وبُعدها الوطني، وحقيقة انتمائها للدولة وولائها للشعب مصدر السلطة، واشتراكها في مبدأ عام، وهو تماهي مواقفها في القضايا الإقليمية والدولية مع المواقف الرسمية لدولها". وعلى الرغم من "أن هناك سيادة لكل حركة وإمكانية تمايزها عن الموقف الرسمي للدولة"، فإن الأحزاب برأيه "تأسست واعتمدت وفق برامج ورؤى منصوص عليها في لوائحها، ومنها السياسة الخارجية للدولة". وأضاف القيادي في حركة "مجتمع السلم" الجزائرية، أن الحركات الإسلامية "قد تنتمي إلى نفس المدرسة من حيث الفكرة والرؤية للتغيير، لكنها قد تختلف في ما بينها في الموقف السياسي حتى داخل القُطر الواحد، ولذلك لا نستغرب تباين المواقف بين الإسلاميين (في الجزائر والمغرب) حول هذه القضية"، أي النزاع في الصحراء.
وحول ضعف تأثير القوى الإسلامية باتجاه تصحيح العلاقات بين المغرب والجزائر وفتح الحدود، رأى حمدادوش أنه "مهما تقدمت هذه الحركات في مواقع المسؤولية السياسية في الدولة، إلا أن الواقع يثبت تواضع هذه المشاركة ومدى تأثيرها على القرار السياسي، ناهيك عن القرار السيادي، وهي لا تزال في مرحلة المشاركة، ولم ترتق إلى الشراكة، ناهيك عن التمكين". واعتبر أنه "لا يمكن تحميلها مسؤولية مواقف لا تكافئ حجم تمثيلها، وبالتالي حجم تأثيرها، إذ إن مثل هذه القضايا تتجاوز في الموقف والتأثير مسؤولية السلطة السياسية، فهي تتداخل وبقوة مع موقف السلطة العسكرية والأمنية". وأشار حمدادوش إلى أن "ذلك لا يعفي هذه الحركات من تحمل مسؤولية مواقفها، والدعوة إلى حلّ الخلافات سياسياً وسلمياً ورفض التدخل الأجنبي"، لافتاً إلى أن "الخلاف في مسائل معينة لا يجب أن ينسحب بالقطيعة الكلّية في كل القضايا الأخرى، ومنها خطورة القطيعة بين الشعوب، وغلق الحدود، وتحطيم آمال وحدة المغرب العربي".
اتهم "العدالة والتنمية" المغربي الجزائر بتحريض "البوليساريو" على الحرب
من جهته، قال نائب الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" المغربي، سليمان العمراني، لـ"العربي الجديد"، إن مواقف حزبه "تنطلق من مرجعية تقوم على الثوابت الوطنية والتموقع الديمقراطي، وبناء على ذلك يمكن أن نلتقي في الرؤية والمواقف مع أحزاب ذات أيديولوجية مختلفة يمينية أو يسارية أو من الوسط، لأننا نتقاسم معها نفس المنطلقات، وهو الأمر الذي قد لا يتحقق مع حزب ذي مرجعية إسلامية". وأشار إلى أن "التصنيفات الأيديولوجية أصبحت أمراً متجاوزاً"، موضحاً أنه "إذا كان أي حزب يميني، أو يساري في هذا البلد أو ذاك، عبّر عن موقف ضد الوحدة الوطنية، فإن حزب العدالة والتنمية معني بهذا الموقف كباقي الأحزاب المغربية".
وذكر نائب الأمين العام لـ"العدالة والتنمية" الذي يقود الحكومة المغربية، أن حزبه أطلق في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 مبادرة من أجل ربط اتصالات مع 3 أحزاب جزائرية كبرى (جبهة التحرير الوطنية، التجمع الوطني الديمقراطي، حركة مجتمع السلم) "من أجل البحث عن طريق سياسي لتطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين بعد دعوة الملك محمد السادس إلى إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور مع الأشقاء بالجزائر، وذلك لمعالجة واقع التفرقة والانشقاق داخل الفضاء المغاربي، وهو الواقع الذي يتناقض مع القواسم المشتركة لشعوب المنطقة". وأوضح العمراني أن مبادرة الحزب، التي كانت تهدف لتنظيم زيارة لبعض الأحزاب الجزائرية من أجل بحث سبل الإسهام في تطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين وتجاوز كل الخلافات، لم تثر أي رد باستثناء "مجتمع السلم"، ما اضطر قيادة الحزب الإسلامي إلى تأجيل الزيارة.
من جهته، قال عضو الأمانة العامة لحزب "العدالة والتنمية"، عبد العزيز أفتاتي، إن "موقف حزبه من أزمة الكركرات وقضية الصحراء ينسجم مع مواقف الشعب المغربي والأحزاب السياسية بمختلف تلويناتها ومرجعياتها"، مبدياً أسفه من تماهي إخوان الجزائر مع موقف السلطة هناك. وقال أفتاتي لـ"العربي الجديد"، إن "ما شهدناه من مواقف للأحزاب الجزائرية خلال الأيام الأخيرة، يدل على أن هناك توجيهاً من طرف الجهة التي احتضنت الانفصاليين في السبعينيات من القرن الماضي، لتلك الأحزاب، بما فيها الاتجاهات المنتمية إلى المدرسة الإسلامية، وهو أمر يؤسف له". وأضاف أنه "خلافاً لما كان الأمر عليه مع الشيخ عباس مدني، مؤسس جبهة الإنقاذ الإسلامية، والشباب الذين جاؤوا من بعده، من حيث انسجامهم مع الوحدة المغاربية والعربية، تمّ استقطاب أحزاب إسلامية من قبل محتضني البوليساريو في تناقض فظيع، إذ لا يمكن أن أكون مع الوحدة في منطقة، ولا أكون معها في منطقة أخرى".