تُعد برمجية "بيغاسوس" واحداً من أقوى برامج التجسس في العالم، وهي قادرة على اختراق الاتصالات المشفرة لهواتف آيفون وأندرويد، على حدّ سواء.
وبحسب سلسلة تحقيقات لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن التطبيق المملوك لشركة "إن إس أو" الإسرائيلية، تمكن من تعقّب إرهابيين وعصابات مخدرات، كذلك استُخدِم ضد نشطاء حقوق الإنسان والصحافيين والمعارضين.
وترى الصحيفة أن إسرائيل تتحكم رسمياً في تصدير البرنامج، تماماً كما تفعل مع الأسلحة التقليدية، وقد جعلت من "بيغاسوس" مكوناً أساسياً في استراتيجيتها للأمن القومي، وباتت تستخدمه لتعزيز مصالحها في جميع أنحاء العالم.
وقد كشف التحقيق أن مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) اشترى قبل سنوات برمجية "بيغاسوس"، واختبرها ووضع خططاً لاستخدامها محلياً، قبل أن يعدل عن الأمر في العام الماضي.
وكشف التحقيق أن "بيغاسوس" كان لها دور مهم في تأمين دعم دول عربية في الحملة الإسرائيلية ضد إيران، وإتمام التفاوض على اتفاقيات "أبراهام" التطبيعية، الموقّعة عام 2020، في حفل أقامه الرئيس السابق، ترامب، في البيت الأبيض.
كيف سعت الولايات المتحدة لاستخدام "بيغاسوس" محلياً؟
كشفت "نيويورك تايمز" أن الولايات المتحدة سعت للحصول على "بيغاسوس"، وقد اشترت "إف بي آي" البرمجية الإسرائيلية في عام 2019، في صفقة لم يُبلغ عنها من قبل. وتغاضت السلطات عن التقارير العديدة التي أفادت باستخدام البرنامج للتجسس على النشطاء والمعارضين السياسيين في بلدان أخرى. وقد أمضت الوكالة الأميركية عامين في مناقشة ما إذا كان سيُنشَر منتج جديد للشركة، يسمّى "فانتوم"، داخل الولايات المتحدة، وبعد مناقشات مطولة مع وزارة العدل، قررت الوكالة في الصيف الماضي عدم استخدام منتجات "إن إس أو".
وتكشف "نيويورك تايمز" أنه رغم إلغاء الصفقة، لا تزال معدات "إن إس أو" في مبنى بولاية نيوجيرسي، يستخدمه مكتب التحقيقات الفيدرالية، وفيه قدمت الشركة الإسرائيلية عرضاً عملياً على قدرة "فانتوم" على اختراق أرقام الهواتف الأميركية.
وعن كتيّب إرشادات أُعدّ ليكون دليلاً للعملاء الذين من المحتمل أن يتعاملوا مع البرنامج، تنقل الصحيفة ما نصّه: "إن برمجية فانتوم تسمح لوكالات إنفاذ القانون والتجسس الأميركية بتحويل الهاتف الذكي المستهدف إلى منجم ذهب للاستخبارات".
واستند تحقيق "نيويورك تايمز" الذي استمر لمدة عام إلى مقابلات مع مسؤولين حكوميين، ورؤساء وكالات استخبارات وإنفاذ القانون، وخبراء في الإنترنت، ورجال أعمال، ونشطاء في الخصوصية في عشرات البلدان.
ويرصد التحقيق قصة صعود شركة "إن إس أو"، من شركة ناشئة تعمل من مزرعة حيوانات في منطقة ريفية، إلى شركة أُدرِجَت في القائمة السوداء من قبل إدارة بايدن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بسبب استخدامها من قبل الحكومات الأجنبية "لاستهداف خبيث" للمعارضين والصحافيين وغيرهم.
تشعر وكأن كل تحركاتك تحت المراقبة
بدأت الشركة باثنين من زملاء الدراسة، هما شاليف هوليو، المدير العام للشركة، وعمري لافي، في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وطورت الشركة في نهاية المطاف برمجيات للوصول إلى الهواتف دون إذن المستخدم، ودون الحاجة إلى النقر على مرفق أو رابط ضارّ.
وبدأت الشركة في بيع برمجية "بيغاسوس" على مستوى العالم في عام 2011، حيث استخدمتها السلطات المكسيكية للقبض على خواكين غوزمان لويرا، أحد أباطرة المخدرات، والشهير بلقب "إل تشابو"، كما استخدمها المحققون الأوروبيون لتفكيك شبكة عملت على استغلال الأطفال، حيث أُلقي القبض على عشرات المشتبه فيهم، في أكثر من 40 دولة.
لكن سرعان ما استُخدِمَت البرمجية لغايات أخرى، حيث استخدمت المكسيك "بيغاسوس" لاستهداف الصحافيين والمعارضين، كذلك استخدمتها المملكة العربية السعودية ضد نشطاء حقوق المرأة والمتعاونين مع جمال خاشقجي، الصحافي الذي قتله عملاء سعوديون في عام 2018، بحسب "نيوريورك تايمز".
وفي العام ذاته، زودت وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، جيبوتي بالبرمجية؛ لمساعدتها في "مكافحة الإرهاب"، رغم المخاوف المتزايدة من استخدامها في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان فيها، بما في ذلك اضطهاد الصحافيين وتعذيب المعارضين.
وفي الإمارات العربية المتحدة، استُخدِم "بيغاسوس" لاختراق هاتف الحقوقي والناشط الإماراتي، أحمد منصور، كذلك اختُرِق حساب البريد الإلكتروني الخاص به، وجرت مراقبة موقعه الجغرافي، وسرقة 140 ألف دولار من حسابه المصرفي، وطُرد من وظيفته، وضربه مجهولون في الشارع. ويقول: "تبدأ في الاعتقاد بأن كل تحركاتك تجري مراقبتها". وفي عام 2018، حُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات بسبب منشورات شاركها على "فيسبوك" وتويتر".
كذلك جرى توفير "بيغاسوس" بعلم القيادة الإسرائيلية، لقادة اليمين المتطرف في بولندا والمجر والهند ودول أخرى.
وضع "إن إس أو" على القائمة السوداء يُغضب المسؤولين الإسرائيليين
ترى "نيويورك تايمز" أنّ إدراج الشركة في القائمة السوداء الأميركية قد يؤدي إلى خنقها، من خلال حرمانها الوصول إلى التكنولوجيا الأميركية التي تحتاجها لتشغيل عملياتها، بما في ذلك أجهزة كمبيوتر "ديل"، وخوادم "أمازون" السحابية.
وقد أثار القرار الأميركي غضب المسؤولين الإسرائيليين، الذين شجبوا الخطوة باعتبارها هجوماً، "ليس فقط على جوهرة تاج الصناعة العسكرية الإسرائيلية، بل على إسرائيل نفسها".
وتنقل الصحيفة عن إيغال أونا، المدير العام السابق للهيئة الإسرائيلية للأمن السيبراني، قوله: "إن الأشخاص الذين يصوبون سهامهم ضد إن إس أو، هم في الواقع يستهدفون العلم الأزرق والأبيض المعلّق خلفها"!