كفّوا عن البكاء

17 مارس 2018
+ الخط -
بعد سبعة أعوام من تجاهل عالمي ملحوظ ومتزايد لما يرتكب في بلادنا (سورية) من جرائم  روسية/ إيرانية / أسدية ضد شعبنا، لم تخرج معظم ردود أفعالنا إلى اليوم عن الميل إلى تحميل الآخرين المسؤولية عما يجري لنا، وغمرهم بالشتائم. لم تكن هذه السنوات السبع كافية لأن نفكر بأن علينا، نحن أنفسنا، مسؤولية ما عن هذا الذي وصلنا إليه.
إذا كان العالم لا يريد مساعدتنا أو تفهم قضيتنا العادلة، ألا نريد نحن مساعدة أنفسنا والانتصار لقضيتنا، أم أن دورنا يجب أن يقتصر على شتم الآخرين، والامتناع، في الوقت نفسه، عن القيام بواجبنا تجاه أنفسنا، باعتبارنا شعبا مرشحا للإبادة، أم أن موقفنا يجب أن يكون الوجه الآخر لموقف العالم منا؟ أليس من الأجدى التوقف عن شتم عالمٍ لا ينصفنا، والبدء بإنقاذ أنفسنا من محنة من الواضح أن ما اعتمدناه إلى اليوم من سياسات ومواقف لن يستطيع إخراجنا منها.
من المفهوم أن يتسلل اليأس إلى نفوسنا، بسبب موقف العالم منا، لكنه ليس مفهوما أن نسهم بتقصيرنا في تعميق يأسنا، وتحويله إلى إحباطٍ يسبق عادة العجز فالهزيمة، وما يترتب عليهما من تحول صراعنا ضد النظام إلى صراعاتٍ تدميرية بيننا، وفي صفوف شعبنا، تمعن في تمزيقنا أكثر مما نحن ممزقون، وتغرقنا في حالٍ من التخبط، لطالما قادت ثوراتٍ كبيرة كثورتنا إلى الفشل.
بدل الشكوى الدائمة من ظلم العالم وانحيازه إلى موتنا، أليس من واجبنا أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار في حساباتنا، ومواجهتها بخطط مدروسة نبلورهاونطبقها أخيرا، سعيا إلى ترميم أوضاعنا ثم إصلاحها، ليس فقط لأن لها دورا لا يستهان به في ابتعاد العالم عنا، وإنما أيضا، وقبل كل شيء، لأن صمودنا اليوم وانتصارنا غدا رهنٌ بمبارحة واقعنا المريض، وإصلاح واقعنا بما يعيننا على إقناع الدول بأن مصالحها لن تكون محفوظة عندنا، إلا بقدر ما تكون حقوقنا مصونة عندها، وأن دورنا سيكون مقرّرا بالنسبة لتحديد هوية الفائزين والخاسرين في صراعٍ تتخطى نتائجه سورية والدول العربية والإقليمية إلى الدول الكبرى والعظمى، سيتوقف مستقبل العالم ومآل قواه على مخرجاته.
بعد سبعة أعوام من إدانة العالم، حان الوقت كي ندير ظهرنا لهذا النهج العبثي، ونلتفت إلى ما أهملناه دوما: وضعنا نحن: وضع قوانا السياسية والعسكرية، ووضع شعبنا في الداخل والخارج، ونمط ما اتخذناه من مواقف وبلورناه من رؤى وبرامج، لمواجهة ما مررنا ونمر به من تحديات، ووضع ممارساتنا والأساليب التي استخدمناها في معركتنا الشاقة من أجل حريتنا، وما قمنا به من تدابير، لكي لا يتقدم أعداؤنا علينا، ونجد أنفسنا محكومين بردود أفعال تترك لهم المبادرة والأعمال الاستباقية، وتجبرنا على انتهاج سياساتٍ لا يمكن أن يحترمها أحد، مفككة ولحاقية وجزئية، وتفتقر إلى الواقعية والانسجام، كما هو حال سياساتنا خلال سبعة أعوام مضت، لم نتعلم خلالها الكثير حول مسؤوليتنا نحن عن مصيرنا.
إذا كانت الدول تتخذ موقفا ظالما منا، فهل هذا سبب كافٍ لأن نتخذ نحن أيضا الموقف الظالم نفسه من شعبنا وثورتنا، ونظل أسرى علاقات مركزها الآخر وليس نحن، على الرغم من أننا نحن أصحاب قضيتنا، وليس هو أو أي أحد سوانا.
منذ نيف وستة أعوام، ونحن نندب حظنا، وندين ظلم العالم وتجاهله لنا. أما حان الوقت لكي نخرج من هذا المرض الذي جعل منا ندّابين بكائين، لا خير فيهم لقضيتهم العادلة التي تتعرّض على أيديهم هم بالذات لأفدح ظلم وتجاهل ينزل بها.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.